أظهر تحقيق لصحيفة “نيويورك تايمز“، أن عائلة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والمقربين من نظامه، ضالعون في شبكات لتصنيع المواد المخدرة وتهريبها وتصديرها إلى دول أخرى.
واستند التحقيق إلى عشرات المقابلات مع خبراء مخدرات دوليين وإقليميين، وسوريين لديهم معرفة بتجارة المخدرات، ومسؤولين حاليين وسابقين في الولايات المتحدة.
ووجد التحقيق الذي نشرته الصحيفة الأحد 5 من كانون الأول، أن “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام السوري بقيادة ماهر الأسد، الأخ الأصغر لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، هي المسؤولة عن تصنيع مادة “الكبتاجون” وتصديرها.
كما يتزعم التجارة أيضًا رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بحكومة النظام، وجماعة “حزب الله”، وأعضاء آخرون من عائلة الأسد.
وبحسب التحقيق، ظهرت تجارة المخدرات على أنقاض عقد من الحرب، وتركت أعضاء النخبة العسكرية والسياسية والتجارية في سوريا، يبحثون عن طرق جديدة لكسب العملة الصعبة، والالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
وتعتبر تجارة “الكبتاجون” غير المشروعة الآن من أكثر الصادرات قيمة في البلاد، وتتجاوز بكثير منتجاتها القانونية، وفقًا لقاعدة بيانات جمعتها صحيفة “The Times of Global captagon”.
وصادرت السلطات في اليونان وإيطاليا والمملكة العربية السعودية وأماكن أخرى مئات الملايين من الحبوب القادمة من ميناء “بانياس”، وبعضها في عمليات شحن قد تتجاوز قيمتها السوقية مليار دولار، وفقًا لمسؤولي إنفاذ القانون.
واكتشف مسؤولون في إيطاليا، العام الماضي، 84 مليون حبة مخبأة في لفافات ضخمة من الورق والتروس المعدنية، كما اكتشف المسؤولون الماليزيون أكثر من 94 مليون حبة داخل عجلات عربة مطاطية في آذار.
وبحسب خبراء المخدرات، تم ضبط أكثر من 250 مليون حبة “كبتاجون” في جميع أنحاء العالم حتى الآن هذا العام، أي أكثر من 18 ضعفًا من الكمية التي تم الاستيلاء عليها قبل أربع سنوات فقط.
وأكثر ما يثير قلق الحكومات في المنطقة، هو أن الشبكة السورية التي تم إنشاؤها لتهريب “الكبتاجون” بدأت بنقل مخدرات أكثر خطورة، مثل “الكريستال ميث”، بحسب مسؤولي الأمن الإقليميين.
وقال مسؤولون للصحيفة، إن أكبر عقبة في مكافحة التجارة، هي أنها تحظى بدعم دولة ليس لديها سبب وجيه للقضاء على هذه التجارة، في ظل انهيارها الاقتصادي.
لدى سوريا المكوّنات اللازمة لصنع “الكبتاجون”
وذكر التحقيق أن المهربين استغلوا حالة الفوضى لبيع المخدرات للمقاتلين من جميع الجهات، الذين أخذوها لتعزيز شجاعتهم في المعركة، وبدأ السوريون الذين يعملون مع الصيادلة المحليين باستخدام الآلات من مصانع الأدوية المهجورة لصنعها.
وأضاف، كان لدى سوريا المكوّنات اللازمة لصنع “الكبتاجون”، خبراء لخلط الأدوية، ومصانع لتصنيع منتجات لإخفاء الحبوب، والوصول إلى ممرات الشحن في البحر المتوسط، وطرق التهريب المقامة إلى الأردن ولبنان والعراق.
واستغل شركاء الأسد، من المعاقَبين وضباط في قوات النظام وقادة الميليشيات، والتجار الذين ازدهرت أعمالهم خلال الحرب، وأقارب الأسد، الاستثمار في تجارة “الكبتاجون”، وإحداث “كارتل” مرتبط بالدولة.
وتنتشر مختبرات “الكبتاجون” في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، و”حزب الله” (على الحدود اللبنانية) وحول مدينة اللاذقية.
ويجمع العمال المواد الكيماوية، ويضغطونها في أقراص بآلات بسيطة، داخل مصانع صغيرة أو داخل حظائر أو فيلات فارغة، ويحمل آخرون لافتات تعلن أنها مناطق عسكرية مغلقة.
يوفر المكتب الأمني لـ”الفرقة الرابعة”، برئاسة اللواء غسان بلال، الكثير من الحماية للشبكة، وبحسب مسؤولين أمنيين إقليميين وضابط عسكري سوري سابق، فإن قوات المكتب تحمي العديد من المصانع، وتسهل انتقال المخدرات إلى حدود سوريا والميناء.
وقال رئيس دائرة المخدرات في مديرية الأمن العام الأردني، حسن القضاة، إن “وجود الفرقة في المنطقة خطير، مصانع الكبتاجون موجودة في مناطق سيطرة الفرقة الرابعة وتحت حمايتها”.
ولم يتسنَّ الوصول إلى ماهر الأسد واللواء بلال للتعليق، ولم يرد مسؤولون من وزارة الإعلام السورية وبعثتها الدبلوماسية في فيينا على طلبات للتعليق، بينما نفى الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، أن تكون لجماعته أي علاقة بـ”الكبتاجون”.
وفي تشرين الأول الماضي، صوّت “الكونجرس” الأمريكي بالإيجاب على قرار يتعلق بتعديل يتطلب استراتيجية مشتركة لتعطيل شبكات المخدرات في سوريا.
وقال متحدث رسمي لصحيفة “الشرق الأوسط“، في 11 من تشرين الأول، إن الحكومة الأمريكية قلقة بشأن الاتجار بالمخدرات من سوريا، وتعمل على مكافحته عبر أدوات وقدرات إنفاذ القانون التقليدية.
وبيّن المتحدث أن الخارجية لا تعلّق على الاتصالات بين “الكونجرس” والحكومة، أو على التشريعات المعلّقة، وأن لدى أمريكا سلطات عديدة “لتحديد وكشف أولئك الذين يقودون تجارة المخدرات أو يسهّلونها أو يتواطؤون مع المتاجرين بها، والجريمة المنظمة العابرة للحدود”.
وتشير دراسة صادرة عن مركز “COAR” للتحليل والأبحاث (كوار)، في 27 من نيسان الماضي، أن سوريا مركز عالمي لإنتاج “الكبتاجون” المخدّر، وأنها أصبحت أكثر تصنيعًا وتطورًا تقنيًا في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى.
وبلغت قيمة صادرات سوريا من “الكبتاجون” عام 2020، ما لا يقل عن 3.46 مليار دولار أمريكي، وفقًا للدراسة، التي لفتت أيضًا إلى استفادة النظام السوري من توسيع نطاق سيطرته العسكرية على الأرض، ما أتاح له ولحلفائه الإقليميين ترسيخ دورهم باعتبارهم مستفيدين رئيسين من تجارة المخدرات في سوريا.
–