نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرًا يتحدث عن سيطرة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على الشركات التي كانت موالية له إثر الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها نظامه.
وتحدثت الصحيفة في التقرير الصادر يوم السبت 4 من كانون الأول، إلى خمسة من المدراء التنفيذيين في شركة “MTN”، ممن اعتقلهم النظام وعن الحملة التي مورست ضد الشركة، ومطالبتها بدفع ملايين من الدولارات، والتهديد بإغلاقها.
وقال أحد المدراء التنفيذيين للصحيفة، “ستؤدي معاملة النظام لـMTN، إلى جعل أي مستثمر أجنبي عاقل وعقلاني يتجنب القيام بأي استثمار في سوريا في ظل بيئة التشغيل الحالية”.
واستولى النظام بشكل صريح على عشرات الشركات، بما فيها الشركات الأجنبية والشركات العائلية التي نشأت إثر الحرب في سوريا في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وغربيين آخرين، فضلًا عن سوريين على دراية مباشرة بسلوك النظام.
داهمت فرق من “مراجعي الحسابات” والوكلاء التابعين للنظام الشركات، ليفتشوا في حساباتهم بحثًا عن انتهاكات ضريبية وجمركية مفترضة أو ذرائع أخرى لغرامات باهظة.
واحتجز كبار رجال الأعمال الذين تمسكوا بالأسد وضغط عليهم للتبرع بالأموال للجمعيات التي يفترض أنها خيرية بينما هي تتبع لعائلة الأسد.
ووصف مسؤول تنفيذي للشركة في دبي، للصحيفة، تصرفات النظام بالاستيلاء على الأموال “على غرار المافيا”.
كما تحدث المسؤول عن إجبار كبار المسؤولين في هذه الشركات على الاستقالة، ليحل محلهم موالين للأسد، كـ يسار ابراهيم، المدير التنفيذي الحالي لـ “MTN”.
وجرد الأسد ابن عمته رامي مخلوف، من الشركات والأصول التي كانت ذات يوم جزءًا من محفظة ضخمة لعائلة الأسد قدرها خبراء بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار.
وقال المسؤول التنفيذي للصحيفة، إن يسار إبراهيم استدعى كبار موظفي شركة دعم الاتصالات السلكية واللاسلكية المصادرة إلى مكتبه، في محاولة لكسب ولائهم بالقول إنه تدخل لتخليص الشركة من الرؤساء الفاسدين.
وتابع أن ابراهيم سعى إلى إقناع الموظفين بأنه “رجل جيد، ورجل لطيف، ووطني”.
خضع يسار إبراهيم وشقيقتاه رنا ونسرين لعقوبات أمريكية، العام الماضي، بسبب أدوارهم الداعمة للنظام، وأجبرتهم التسميات على إزالة أسمائهم من مجالس إدارة “سيريتل” وشركات أخرى.
وفي وقت سابق من هذا الخريف، أجبر رجل الأعمال السوري، سامر فوز، على تسليم حصته في فندق “فور سيزونز” السابق إلى إبراهيم، وفقًا للصحيفة.
وقال روبرت فورد، الذي شغل منصب سفير أمريكا في سوريا منذ عام 2011 حتى عام 2014، للصحيفة، “في عصر تقلص الكعكة الاقتصادية، يصبح الكفاح من أجل الموارد أكثر شراسة.
وأضاف فورد، أن مناخ اليأس يمنح الأسد في الواقع المزيد من النفوذ، لأن عددًا قليلًا جدًا من المنافسين المحتملين لديهم المال أو غيره للطعن في سيطرة الأسد”.
تفكيك إمبراطورية مخلوف
بدأ تقطيع أوصال إمبراطورية مخلوف في عام 2019، عندما تم تعيين أسماء الأسد مسؤولة عن أصول جمعية “البستان”، وهي مؤسسة خيرية يديرها مخلوف ادعت دعم عائلات الموالين للنظام الذين قتلوا في الحرب، لكنها أصبحت معروفة كقناة لتمويل الميليشيات الخاصة في عام 2017.
فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على البستان بتهمة “تجنيد وتعبئة الأفراد لدعم قوات جيش النظام وتعزيزها”.
وقالت وزارة الخزانة إن المنظمة كانت في قلب “شبكة خاصة واسعة من الميليشيات والمؤسسات المرتبطة بالأمن”.
كما ترأس أسماء، الأمانة السورية للتنمية، التي تعمل كقناة رئيسية لأموال المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة إلى البلاد وكمصدر رئيسي لرعاية عائلة الأسد، مما يعطيها رأيًا قويًا حول من يتلقى المساعدات.
قال العديد من رجال الأعمال السوريين الذين فروا من الحرب إن أسماء كانت وراء الدفع للاستيلاء على الإيرادات من صناعة الهواتف المحمولة في سوريا وتهميش مخلوف، جزئيًا لضمان أن يكون ابنها الأكبر حافظ في وضع قوي لخلافة والده يومًا ما.
الضغط على شركات الهواتف المحمولة
بدأ النظام يستهدف الشركات الواقعة على هامش هذه الصناعة منذ بداية عام 2018.
وفي إحدى الحالات، أبلغت شركة تقدم خدمات الدعم لشركات الاتصالات الخلوية الرئيسية في البلد بأن زبائنها سيقطعون عقودهم ما لم ينسحب مالكو الشركة الصغيرة من السوق.
كان لدى هذه الشركة أكثر من 200 موظف وإيرادات تبلغ عدة ملايين من الدولارات كل عام، وفقًا لما ذكره مسؤول تنفيذي سوري مطلع على الحادث.
وشُجع كبار المديرين على البقاء، واستمرت الأعمال التجارية في العمل إلى حد كبير كما كانت لسنوات، لكن كيانًا جديدًا تولى عقود الشركة، هو شركة “البرج للاستثمار”، بحسب المدير التنفيذي.
كان يسيطر على “البرج للاستثمار”، يسار إبراهيم، الممول ورجل الأعمال الذي زاد حضوره في خدمة الأسد في السنوات الأخيرة، وتم إدراج نسرين شقيقة إبراهيم في سجلات الشركات كمديرة تنفيذية في الشركة، وفقا لأفراد سوريين مطلعين على القضية.
وقال مسؤول تنفيذي مطلع على عملية الاستيلاء على السلطة “كنا نأمل في أن نكون يومًا ما جزءًا من سوريا الجديدة، وأن نكون جزءًا من إعادة الإعمار، وأن هذا النظام لن يكون موجودًا”.
وأضاف “لم يعد لدينا أي أمل في العودة”. تحدث المدير التنفيذي شريطة عدم الكشف عن هويته وطلب عدم نشر اسم الشركة، قائلًا إن الأقارب والموظفين الذين لا يزالون في سوريا لا يزالون عرضة للخطر.
وسرعان ما حول نظام الأسد اهتمامه إلى الشركات الأكبر حجمًا التي تهيمن على أعمال الهواتف المحمولة.
في أواخر عام 2019، أبلغت الوكالة الرئيسية لتنظيم الاتصالات في سوريا الشركة بأن الترخيص الذي حصلت عليه قبل أربع سنوات فقط سيتم إلغاؤه دون دفع مبلغ إضافي قدره 40 مليون دولار، وعندما رفضت “MTN”، اشتد ضغط النظام، على حد قول مسؤول تنفيذي سوري ثان.
وفي أيار 2020، ألقي القبض على المديرين التنفيذيين للشركة، واحتجز خمسة من الموظفين الكبار، بينهم أربعة رجال وامرأة، في مداهمات متزامنة.
واقتيدوا إلى سجن يديره فرع الأمن الداخلي في مديرية المخابرات العامة، بحسب سوريين مطلعين على القضية، واحتجز موظف سادس في اليوم التالي من مكتبه في دمشق، باستثناء رئيسها التنفيذي، الذي غادر البلاد في ذات العام.
واستجوب المديرون التنفيذيون المعتقلون لما يقارب ثلاثة أسابيع، وهددوا هم وعائلاتهم قبل إطلاق سراحهم.
وقال أحد المطلعين على القضية إن “الهدف الرئيسي لم يكن الحصول على معلومات، لقد كانت رسالة يتم إرسالها”.
بدأت “MTN” التفاوض لبيع حصتها في 75% في عملياتها في سوريا إلى شركة تسمى “تيلي إنفست” التي كان يسيطر عليها يسار إبراهيم، الذي كان قد حصل في السابق على الـ 25% الأخرى من مستثمر سعودي.
ولكن الصفقة مع “تيلي إنفست” تأجلت بسبب المخاوف بشأن قدرة إبراهيم على تأمين الأموال للصفقة، على حد قول مسؤول تنفيذي، ثم انهارت عندما فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على إبراهيم في منتصف عام 2020.
وقالت الهيئة التنفيذية لـ”MTN”، التي تعمل في 21 دولة في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط، إنها قلقة من أنها قد تواجه عقوبات مالية أمريكية إذا تم القبض عليها وهي تتعامل مع رجل الأعمال السوري الخاضع للعقوبات.
وتحركت حكومة النظام للسيطرة على “MTN” بعد فشل الصفقة من خلال تكتيكات مختلفة عبر دعوى قضائية، اتهمت فيها الوكالة التنظيمية السورية شركة “MTN” بانتهاك شروط ترخيصها والتهرب الضريبي وتهم أخرى، وحصلت على حكم يضع الشركة تحت سيطرة ولي أمر عينته المحكمة.
واعترضت الشركة على هذه الادعاءات وطعنت في الحكم أمام محكمة في سوريا، لكنها خسرت تلك القضية، ثم سلمت المحكمة هذا الدور كحارس إلى “تيلي إنفست”، وهي نفس الشركة التي يسيطر عليها إبراهيم والتي حاولت وفشلت في التفاوض على شراء “MTN”.