زينب مصري | جنى العيسى
في عام 2016، وبعد أن نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية تحقيقًا اتهمت فيه الأمم المتحدة بدعمها للنظام السوري بعشرات الملايين من الدولارات عن طريق المساعدات الإنسانية بشكل مباشر أو غير مباشر، أقرّ المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بأن حكومة النظام تصر على أن تعمل الأمم المتحدة على أراضيها عن طريق منظمات محلية مرخصة منها.
وأوضح دوجاريك حينها أن الأمم المتحدة تختار من تلك القوائم التي تقدمها حكومة النظام بناء على تقديرها للموقف، ومقدرة تلك المنظمات على توصيل المساعدات، كما أنها تحتاج للعمل في أي منطقة أو دولة إلى موافقة النظام المسؤول، مشيرًا إلى عمل المنظمة في مناخ “حساس ودقيق جدًا”.
خلال الأشهر القليلة الماضية، زادت وتيرة التغطية الإعلامية بشأن تعامل الأمم المتحدة مع شركات ومنظمات تابعة للنظام، ومتهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا، وتعاونها مع النظام بشكل مباشر خارج إطار المساعدات الإنسانية.
وعلى الرغم من وجود دعوات حقوقية لوكالات الأمم المتحدة تحثها على تصحيح طريقة العمل، والشفافية والالتزام بمبادئ وخطة العمل الإنساني في سوريا بما يحترم حقوق الإنسان، وعدم التعامل مع جهات يُزعم أنها ارتكبت جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، استمر هذا التعاون على أصعدة عدة، أبرزها التعاون المالي بالإضافة إلى التعاون في مجال التعليم.
في هذا الملف، تثير عنب بلدي النقاش حول المسؤولية الأخلاقية التي تقع على الأمم المتحدة، وتركّز على عمل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في دعم التعليم بمناطق سيطرة النظام السوري، من خلال تدريب معلمين وطباعة مناهج قد تحمل العام المقبل رواية مخالفة لحقائق ما جرى في سوريا خلال العقد الماضي، بعد إعلان وزارة التربية التابعة للنظام إضافة مادة “أسباب الحرب على سوريا” إلى المناهج المدرسية.
وتناقش عنب بلدي مع خبراء تربويين محاولة النظام السوري التأثير على الجيل الجديد، من خلال إدراجه معلومات تعزز روايته عن الأحداث في سوريا ضمن المناهج، ومدى إمكانية إبقاء التعليم في سوريا بعيدًا عن السياسة.
الأمم المتحدة تطبع بعض المناهج
“التربية السورية” شريكة “يونيسف” الرئيسة في مجال التعليم
تدعم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) التعليم في مناطق سيطرة النظام من خلال وزارة التربية والتعليم التابعة له، بثلاثة أشكال: طباعة الكتب المدرسية والمناهج وتدريب المعلمين.
برامج تعليم مكثفة مستندة إلى مناهج النظام
أحد المسارات التي تتخذها “يونيسف” في سوريا لزيادة وصول الأطفال إلى التعليم هو دعم برامج التعلم “المكثف- المعجل” و”التعويضي”، وتشمل هذه البرامج برنامج المنهج “ب” وبرنامج “التعلم الذاتي”.
وتدعم المنظمة بناء قدرات المعلمين والتربويين، ووزارة التربية والتعليم السورية هي الشريك الرئيس لعمل “يونيسف” في مجال التعليم، بحسب المديرة الإقليمية للإعلام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “يونيسف”، جولييت توما.
وقالت توما، في مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، إن المنهج “ب” هو برنامج تابع لوزارة التربية والتعليم، تدعم “يونيسف” مؤخرًا عملية المراجعة الخاصة به، وتوافقه مع المناهج الدراسية السورية (المنهاج أ).
ونتج عن العملية، بحسب توما، تحسين جودة 28 كتابًا تمت مراجعتها في المنهاج “ب” بمحتوى محايد وحساس ثقافيًا وسليم من الناحية التربوية.
ويهدف المحتوى إلى أن يكون شاملًا، ويسعى إلى تحدي القوالب النمطية الجنسانية، ويلبي الرفاهية العاطفية للأطفال، ويوفر فرصًا تعليمية جيدة لهم.
والمنهاج “ب” هو برنامج تعليمي سريع، يُستخدم داخل المدارس، ويهدف إلى مساعدة الأطفال الذين فاتهم اللحاق بأقرانهم في أثناء النزاع، ويساعد الطلاب على تعويض ما فاتهم من التعلم في نصف الوقت المطلوب، من خلال الجمع بين عامين دراسيين في عام واحد.
وصُمّم برنامج “التعلم الذاتي” (SLP) (بالاشتراك مع “أونروا” و”يونيسف” ووزارة التربية والتعليم) لمساعدة الأطفال السوريين خارج المدرسة المتأثرين بالأزمة، بمن في ذلك أولئك الذين يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها مع وصول محدود أو غير مستمر إلى التعليم، لمعالجة فجوات التعلم في المرافق والفصول الدراسية المجتمعية، أو في المنزل بمساعدة المعلمين أو المتطوعين أو مقدمي الرعاية.
وتهدف مواد البرنامج، المستندة إلى “المنهاج الوطني السوري”، إلى دعم الأولاد والفتيات خارج المدرسة، بمن في ذلك الأطفال الذين تزيد أعمارهم على العمر في المستوى التعليمي من الصف الأول إلى التاسع، لمواصلة تعلمهم.
وأوضحت توما أن المنهاج المُعد من قبل وزارة التربية في حكومة النظام ليس من ضمن نطاق عملية مراجعة المناهج التي تدعمها “يونيسف”.
ويشمل برنامج “التعلم الذاتي” مواد اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية والتربية الوطنية والتاريخ وتقانة المعلومات والاتصالات، بحسب الموقع الإلكتروني للبرنامج.
وفي 14 من آذار 2016، بيّن وزير التربية الأسبق، هزوان الوز، أن برنامج المتابعة المنهجية لتطوير مواد التعليم “المكثف” ضمن منهاج الفئة “ب” يقوم على فكرة مناهج لتدريس كل عامين دراسيين بعام واحد، بالتعاون مع “يونيسف”.
وقال الوز، إن الفئة المستهدفة من الطلاب تُقبل في شُعب خاصة، ويُطبّق عليهم منهاج وخطة دراسية موضوعة من قبل وزارة التربية، حيث يجتازون الصفوف من الأول إلى الثامن وفق أربعة مستويات، ووفق الخطة والمنهاج الموضوعَين بأربعة أعوام.
وأضاف أن مراحل العمل للتطبيق بدأت عند الانتهاء من تأليف الكتب للمستويات الأربعة، أي 28 كتابًا من قبل اختصاصيي وزارة التربية، كما وُضعت معايير اختيار المعلم الذي سيدرّس منهاج هذه الفئة بعد خضوعه لدروات تدريبية في المناهج والكتب التي سيتم تدريسها.
ويتضمن منهاج التعليم الأساسي الفئة “ب” للمستويين الأول والثاني مواد اللغة العربية والرياضيات والعلوم، بحسب موقع وزارة التربية السورية.
“يونيسف” تطبع المناهج
وتدعم “يونيسف” وزارة التربية والتعليم في حكومة النظام من خلال المساعدة في “توفير تعليم جيد لعشرات الآلاف من الأطفال في البلاد”، من خلال طباعة الكتب المدرسية للمناهج السورية، بناء على طلب الوزارة كمجال للدعم، بسبب النقص “الحاد” في المواد والموارد التعليمية.
وقبل الطباعة، تُجرى مراجعة “مفصّلة” للكتب وفقًا لمعايير الحياد والحساسية الثقافية، وتُزوّد هذه المراجعة “يونيسف” بأسباب اتخاذ القرارات المسندة بالأدلة في استجابتها، بحسب توما.
وأضافت المسؤولة الأممية أن الوكالة تدعم طباعة الكتب المدرسية لبعض الموضوعات، بما في ذلك اللغة الإنجليزية والفرنسية والرياضيات والعلوم، ولا تسهم في طباعة كتب التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية والدراسات الاجتماعية.
ولم توضح توما إذا ما كانت “يونيسف” تدعم طباعة كتب اللغة العربية والروسية ومناهج الثانويات الصناعية والتجارية في سوريا.
ماذا عن تدريب المعلمين؟
أوضحت المسؤولة جولييت توما أن “يونيسف” تدرّب، بالشراكة مع وزارة التربية في حكومة النظام، العاملين في مجال التعليم على طرق التدريس وأساليب التعامل مع الأطفال، بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة والتعلم النشط والتعليم الشامل وإدارة الفصول الدراسية والمهارات الحياتية، وبالتالي، بناء قدراتهم وتحسين عمليات التعلم ومساعدتهم على دعم الأطفال والطلاب بشكل أفضل، كجزء من دعمها للتعليم.
وبحسب موقع حملة “أطفال سوريا” التي أطلقتها “يونيسف” عام 2013، أنفقت الوكالة أكثر من 22.5 مليون دولار على التعليم في سوريا عام 2018، شملت هذه النفقات تدريب حوالي 28 ألف معلم على المناهج “الدراسية الوطنية الجديدة”، وأساليب التعلم النشط، وإطلاق المنهاج “ب”، وتوفير برنامج “التعلم الذاتي”.
الأمم المتحدة ليست أهلًا للثقة
مطالب بوجود هيئات محايدة لتدقيق المناهج السورية
أعلن وزير التربية في حكومة النظام السوري، دارم طباع، في 8 من تشرين الثاني الماضي، بدء الوزارة بالعمل على برنامج تحت مسمى “أسباب الحرب على سوريا”، سيدخل منهاج التعليم خلال العام المقبل، يهدف إلى “عرض ما جرى في سوريا ليستفيد منه المجتمع بأكمله، وتحليل الأسباب والتداعيات والآثار، والتعرف إلى كيفية تجنب مثل هذه الحرب في المستقبل”.
وقال طباع، إن مناهج البرنامج الجديد، ستعمل بشكل أساسي على دراسة ومعرفة “الدوافع الأساسية التي أدت إلى ظهور وانتشار الإرهاب”، بالإضافة إلى “الآليات التي اتبعتها سوريا في هذا المشروع العدواني”، على حد تعبيره.
ووفقًا لحديث الوزير، فإن مصادر برنامج المنهاج ستدخل في عدد من المواد الدراسية، كاللغة العربية والتاريخ والدراسات الاجتماعية والديانة والتربية الوطنية، دون تحديد الصفوف المدرسية المستهدفة.
وتضم اللجنة التي ستبحث في مصادر المنهاج الجديد، عمداء كليات الآداب والحقوق والعلوم السياسية، و“باحثين وأدباء كتبوا عن الحرب”، بحسب طباع.
يرى الصحفي السوري والمدافع عن حقوق الإنسان منصور العمري أن المناهج الدراسية في سوريا يجب أن تُدقّق من منظمات مجتمع مدني حقوقية ومنظمات مختصة، غير تابعة للنظام، لأن وكالات الأمم المتحدة ليست أهلًا للثقة بسبب انتهاكاتها المستمرة وضغوط النظام عليها.
وقال الحقوقي، في حديث إلى عنب بلدي، “لا نعرف بعد ماذا ستكون رواية النظام، لكن من شبه المؤكد أن روايته ستحمل عناصر مطابقة لما يروّج له منذ سنوات في إعلامه وخطاباته في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، بما يخالف الحقائق، ويحمل دعاية سياسية شديدة الانحياز”.
لذلك، يجب متابعة الأمر من قبل المنظمات الحقوقية السورية والمنظمات المختصة بالتعليم، والاطلاع على أي مواد أو تعديلات ستطبعها وكالات الأمم المتحدة أو ستدعمها بأي شكل، وإن كان هناك ما يخالف الحقائق أو يحمل دعاية سياسية أو تشويهًا لأفكار التلاميذ والطلبة، فيجب على الأمم المتحدة عدم تقديم أي شكل من أشكال الدعم لهذه المواد.
وأضاف العمري أن تسليط الضوء إعلاميًا على القضية أمر قد لا تتجاوب معه “يونيسف”، لأن وكالات الأمم المتحدة العاملة في سوريا لا تغيّر تصرفاتها تجاوبًا مع الإعلام عمومًا، ورأينا ذلك في أمثلة كثيرة، مثل دعم شركة “أجنحة الشام” ماليًا من قبل منظمة الصحة العالمية، وهي شركة معاقَبة أمريكيًا ومتواطئة في جرائم الحرب في سوريا، وتعاون برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع “اتحاد الطلبة السوريين” الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية ضد الطلبة السوريين.
وفي حال إصرار “يونيسف” على طباعة مواد تخالف الحقائق وتحمل “بروباغندا” خاصة بالنظام، يجب أن تتحرك المنظمات الحقوقية السورية والدولية، من أجل وقف تمويل هذا العمل، والتواصل مع ممولي الوكالة وإبلاغهم بالانتهاكات، والضغط من أجل سحب بعض الدعم منها، وإجبارها على عدم المشاركة في تزييف التاريخ والترويج لنظام ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية موثقة في تقارير الأمم المتحدة ذاتها، بحسب العمري.
أوضح العمري أن منظمات ومكاتب الأمم المتحدة العاملة في سوريا تستمر بدعم النظام والتورط في انتهاكات قد ترقى أحيانًا إلى تمويل مؤسسات وأفراد ارتكبوا جرائم حرب، لعدة أسباب، أبرزها:
– إهمال المجتمع الدولي وأعضاء الأمم المتحدة متابعة عمل وكالات المنظمة في سوريا والتدقيق فيه.
– وجود ضغوط وتهديدات من قبل النظام لموظفي وكالات الأمم المتحدة في سوريا.
– إمكانية عدم توظيف أي شخص في الأمم المتحدة دون موافقة أمنية، ومن خلال هذه العملية، يوظف النظام من يرغب، وقد يكونون مخبرين ورقباء على بقية الموظفين.
– إمكانية وجود فساد كبير في العقود والتمويل، ما يدفع موظفي الأمم المتحدة إلى التواطؤ مع النظام للاستفادة المالية.
وبحسب الحقوقي، لا وجود لمنظمات حيادية في مناطق سيطرة النظام بالمعنى الحقيقي، عندما يتعلق الأمر بمخالفة رواية النظام للأحداث، إذ رأينا تعامل النظام مع أي فرد أو جهة تخالفه من خلال الإخفاء القسري والتعذيب والقتل تحت التعذيب وغيرها من الانتهاكات.
وحتى الأمم المتحدة التي من المفترض أن تكون حيادية من خلال أخلاقيات وقواعد عملها، أبدت عدم قدرتها على الالتزام بذلك بمختلف الوسائل، إن كان من خلال عملها، أو تصريحات بعض مسؤوليها، فهي تخضع لنظام الأسد في عدة جوانب بشكل واضح، إذ لا إمكانية لمخالفة النظام بكلمة أو برأي وإلا المصير القتل تحت التعذيب.
مصداقية معدومة
ما مخططات النظام للتأثير على الجيل الجديد؟
أثار إعلان وزير التربية في حكومة النظام، دارم طباع، بدء الوزارة بالعمل على إدخال منهاج خلال العام الدراسي المقبل يشرح “أسباب الحرب على سوريا”، برواية النظام، استياء ومخاوف السوريين المعارضين له، حول الأثر الاجتماعي الذي من الممكن أن يتركه هذا المنهاج على الجيل الجديد في حال اقتناعه بتلك الرواية.
وفي حالة تشير إلى “شبه اتفاق” بين السوريين، قد تترك رواية النظام عن تفاصيل الثورة السورية في المناهج أثرًا، ولو بالحدود الدنيا، في نفوس الأطفال.
وقد يقتنع بهذه الرواية عدد من الأطفال، الذين سيرون في كتبهم بأن بعض أقاربهم ممن تركوا سوريا، “إرهابيون، خرّبوا بلادهم”، وقد تعلوهم الحماسة للتصفيق في صفوفهم في أثناء ذكر جيش النظام السوري، “الذي انتصر على الإرهاب، وعلى من أراد لبلادهم التشتت والخراب”.
بثلاثة محاور.. رواية مُختلَقة تلخّص عشر سنوات من الثورة
لا يعتبر استغلال النظام السوري واستخدامه المناهج التعليمية والنظام التربوي في سوريا جديدًا، بل سعى النظام منذ تسلّم حزب “البعث” الحاكم للسلطة منذ سبعينيات القرن الماضي إلى تلوين التربية بأيديولوجيته، وفق ما أكّده الأكاديمي والباحث في التربية الدكتور ريمون المعلولي.
وقال المعلولي، في حديث إلى عنب بلدي، إن النظام التعليمي في جميع البلدان التي لا تمتلك الديمقراطية، دومًا يكون مُهيمنًا عليه من قبل السلطة، التي تعتبره فرعًا يتبع لنظامها السياسي.
ولم يكتفِ حزب “البعث” منذ تسلّمه السلطة ببث أفكاره ورؤيته في كتب “التربية القومية الوطنية” فقط، بل لجأ إلى تعزيز طبع النظام التعليمي بطابعه من خلال إنشاء منظمات طلابية تُروّج لأيديولوجيته وتدعمها، يُجبر الطلاب في مختلف المراحل الدراسية على الانضمام إليها، وهي “منظمة طلائع البعث”، و”اتحاد شبيبة الثورة”، و”الاتحاد الوطني لطلبة سوريا”.
وتتضمّن الرواية التي يتبناها النظام السوري حول الثورة ثلاثة محاور، وفقًا لحديث الدكتور ريمون المعلولي، يتمثل الأول بمفهوم الإرهاب، إذ يرى أن كل من وقف في وجهه إرهابي.
ويتمثل المحور الثاني بالطائفية الدينية، فيعتبر النظام هنا أن “الحرب في سوريا” قامت بفعل “حركة سلفية إرهابية” مُوّلت من جهات عربية وغربية، وكانت أهدافها “القضاء على تنوع المجتمع السوري، واضطهاد الأقليات”، مصورًا نفسه المدافع الأول عن الأقليات ليضمن اصطفافها إلى جانبه.
بينما يضم المحور الأخير مفهوم “المؤامرة الكونية”، التي تتجسد باعتبار من وقف في وجه النظام السوري “متآمرًا على سوريا”.
وضمن هذه المحاور، سيعمل النظام على تصوير جيشه بصورة “المدافع عن استقلال سوريا، وحرية الشعب السوري”، بالإضافة إلى تكريس “مقاومة سوريا لإسرائيل”، وفقًا للباحث المعلولي.
من الإعلام إلى المناهج
لا يكاد يختلف اثنان على رواية النظام السوري (حول أسباب الحرب على سوريا)، التي أعدّها وأخرجها منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية عام 2011، ومنذ عشر سنوات حتى اليوم، حافظت وسائل الإعلام السورية الرسمية والمقربة من النظام، على استمرارية تأكيدها للرواية المُختلَقة، التي لعبت دورًا في تمريرها للناس، بحسب ما يراه ريمون المعلولي.
وأوضح الباحث أن هذا الدور الذي أدّته وسائل الإعلام يمكن تسميته في علم التربية بمصطلح “التربية اللانظامية”، والمقصود بها التربية التي لا تكون في المدارس والجامعات.
ويعتقد المعلولي أن النظام صار يفكر اليوم في توجيه “التربية النظامية” التي تكون في المدارس، لبثّ روايته عنوة ضمن المناهج، لكنه لن يستطيع القيام بذلك في كتاب مستقل سيتضمن كل ما يريد الحديث عنه.
لذا سيعمل على “بث الرسالة التي يريدها وتشريبها” في عدد من الكتب الموجودة أساسًا ضمن المناهج الدراسية، على شكل مفاهيم داخل ثنايا المادة دون تخصيص دروس واضحة، بحسب ما أوضحه المعلولي، الذي اعتبر أن هذا الأسلوب “فعال”، إذ يصلح إدخال المنهاج في جميع المستويات الدراسية، بدءًا من الصف الأول وحتى الصفوف الأعلى.
هل سيتمكّن النظام من فرض روايته على الجيل الجديد؟
بحسب المحاور السابقة، سيعمل النظام على إنشاء مناهج تحتوي مضامين ذات ارتباطات سياسية تخدم وجهة نظره وتصب في مصلحته.
وقد يكون لتلك المضامين أثر في إحداث شرخ بالمجتمع السوري على مستوى الأجيال، سيُنظر وفقها إلى المعارضين للنظام على أنهم “إرهابيون”، وإلى المؤيدين له على أنهم “وطنيون”، خاصة مع توجهه لفئة عمرية من الممكن أن يتم توجيه أفكارها بسهولة، الأمر الذي قد يحمّل أهالي الطلاب مسؤولية إيضاح الحقيقة لأبنائهم، في ظل الخوف الذي قد يتغلّب عليهم بسبب القبضة الأمنية التي يُحكمها النظام عليهم.
وفي استطلاع للرأي، أجرته عنب بلدي عبر منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تقاربت نسب المشاركين فيه حول قدرة النظام على فرض روايته على الجيل الجديد، من خلال طباعة منهاج “أسباب الحرب على سوريا”، إذ يعتقد 48% من المشاركين أن النظام لن يتمكن من فرض روايته على الطلاب، بينما يرى 52% منهم أن النظام سيتمكن من ذلك.
الأكاديمي والباحث في التربية الدكتور ريمون المعلولي، أكّد أن النظام سيحقق بعض الأثر حتى ولو “بالحدود الدنيا” عبر هذه المناهج، بغرس أفكاره التي يريدها في عقول الجيل الجديد.
وعزا المعلولي ذلك إلى عدم وجود جهة معارضة موجودة في سوريا لتوضيح صحة ما يقرأه الطلاب، الأمر الذي سيسمح للنظام بالاستفراد بالطلاب من خلال أجهزته الأمنية من جهة، وعبر المُعلمين الذين تحكمهم سلطته والمُطالَبين بتنفيذ توجيهاته من جهة ثانية.
ويرى المعلولي أن فشل المعارضة السورية في تقديم نموذج جيد لإدارة البلاد سيساعد النظام على نشر روايته، معتبرًا أن من الضروري إبداع السوريين نموذج إدارة إيجابيًا مختلفًا، قد يؤدي دورًا أفضل في تمثيل المعارضة السورية.
واعتبر المعلولي أن مسؤولية توضيح الحقائق للطلاب الملقاة على عاتق أهاليهم عملية “صعبة ومعقدة”، لكنها ليست مستحيلة، في ظل انعدام مصداقية النظام اليوم أمام الناس في مختلف قطاعات الحياة العملية اليومية.
وأوضح الباحث أن النظام اليوم لا يملك ما يساعده لجعل الناس يصدّقون روايته، إذ أسهم الانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي وسرعة الوصول إلى الأخبار الدقيقة والحقيقية، بالإضافة إلى كسر هاجس الخوف لدى الناس، في معرفة الحقيقة، وكشف الدعاية الأيديولوجية التي يمارسها، الأمر الذي سيشكّل للنظام “صعوبة كبيرة” في غرس أفكاره كما فعل خلال العقود الماضية.
ولا يرى الدكتور ريمون المعلولي أسلوبًا آخر سيلجأ إليه النظام “لتخليد روايته” إلا أسلوبه المعتاد، باستخدام القوة والبطش والتخويف والاعتقال، الذي من الممكن أن يلجأ إليه “بصورة أكبر” في سبيل بقائه.
المسؤولية على الإعلام
من جانبه، لا يرى الأستاذ في جامعة “دمشق” وعضو لجنة تأليف المناهج التعليمية في وزارة التربية السورية سابقًا والمستشار السابق لوزير التعليم العالي، الدكتور أحمد الحسين، أن أيّ تحرك عبر مؤسسات النظام الدولي سيكون مجديًا لمنع النظام من تعزيز رواية “الانتصار” عبر المناهج التعليمية.
فالنظام لا يقرّ بالمعتقلين، أو بالجرائم التي ارتكبها، وهي جرائم نصّ القانون الدولي على معاقبة مرتكبيها، وهناك عشرات الأدلة على القيام بها.
لكن يمكن لأجهزة الإعلام ذات الطابع المهني والموضوعي أن تأخذ دور التوضيح والشرح والتوعية، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأن النظام الآن لا يمكنه منع السوريين في البقعة التي يديرها من سوريا من سماع الرأي الآخر، أو الرواية الأخرى، كذلك يمكن للأهل السوريين توضيح الحقيقة لأبنائهم.
وقال المستشار أحمد الحسين، في حديث إلى عنب بلدي، إن النظام يرى إضافة مادة “أسباب الحرب على سوريا” إلى المناهج الدراسية حقّ من حقوقه الاستبدادية يمارسه ضمن الجغرافيا التي يديرها، وهو يدرك أن روايته غير مقنعة، وبعد أن فرض إرادته على جزء من الجغرافيا السورية بالسلاح والتدخل الروسي والإيراني، ها هو يسعى لتعزيز انتصاره العسكري لجعله أكثر ديمومة.
وكذلك هي محاولة عودة بالتاريخ إلى الوراء، وتجاهل للتطور التقني واقتصاد المعرفة الذي يدير العالم، ومحاولة لتجاوز السياق التاريخي، وهي محاولات لن تكون ناجحة، لأن زمن الأنظمة الشمولية والمعلومة ذات البعد الواحد قد ولّى.
وبحسب الحسين، من الصعب الحديث في الأنظمة الشمولية عن تعليم دون سياسة، ذلك أن التعليم هو أحد جوانب فرض الإرادة والتعبئة الأيديولوجية للنظام السياسي، الحلُّ يكون في محاولة بناء سوريا مستقبلية، ديمقراطية تعددية، تغدو المعرفة والعلم هدف مناهجها الدراسية.
وأضاف، “لدينا اليوم أربع سوريات، كلّ منها لها أيديولوجيتها، وفكرها، ورؤيتها، وبما أن كلًا منها لها توجهها السياسي وأفكارها الخاصة، فإنها ستحاول فرض فكرها على الطلبة، لأنه ليس هدفها الرئيس حصول الطالب على المعرفة بقدر كونه أداة”.
وأشار إلى أن مراحل النزاع وما بعدها في تاريخ الدول مراحل قلقة، ومراحل عبور وتشكّل جديد، وغالبًا ما تكون مرحلة تحدث فيها أحداث غريبة وسلبية، وضمن هذا المشهد تندرج الحالة السورية.
ويستمر النزاع الذي طال أمده في سوريا، والضغط الاقتصادي وتحديات تفشي جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في التأثير على خدمات التعليم المنهكة بالفعل في البلاد.
وبحسب “يونيسف”، فإن واحدة من كل ثلاث مدارس في سوريا لا تعمل جزئيًا أو كليًا، ويقدّر أن أكثر من 2.45 مليون طفل خارج المدرسة، والنسبة أعلى بين الأطفال النازحين، إذ إن 54% من الأطفال المنقطعين عن التعليم موجودون في المخيمات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :