عنب بلدي- السويداء
“لا وجود للأسرّة داخل المستشفى، الأجهزة معطلة، وكلما قدمنا شكوى تكون الحجج جاهزة. حالتي كانت حرجة، ومع ذلك لم يوجد الاهتمام المناسب لمعالجة الوضع”.
هذا ما قاله فراس عامر (33 عامًا) وهو أحد المرضى الذين يدخلون إلى مستشفى “شهبا” الحكومي شمالي مدينة السويداء، واصفًا هول المشكلة الصحية التي تمر بها المنطقة الجنوبية.
طلب الطبيب من فراس عامر مراجعته في العيادة الخاصة لعقد اتفاق معه، وتحديد موعد لإجراء عملية جراحية لإزالة آلام مرض “الديسك” في عموده الفقري.
وحين دخل فراس عامر إلى المستشفى لإجراء العملية الجراحية المُحددة، خلال تشرين الثاني الماضي، كان الوضع “كارثيًا”، وفق تعبيره، حيث ازدحام المرضى الذين ينتظرون شغور سرير، يشير إلى أن غرف العمليات ممتلئة ولا مكان لأي مريض جديد.
لاحظ المريض أن عدم وجود أسرّة كافية للمرضى دفع الممرضات في بعض الأحيان إلى وضع مراجعَين على سرير واحد، وبعد انتظاره أكثر من ثلاث ساعات على موعد العملية الجراحية، استطاع فراس إجراء عمليته بنجاح، إلا أن “آلام الانتظار في المستشفى كانت على قدر آلام الديسك الذي عانيت منه لفترات طويلة”.
تتفاقم مشكلات القطاع الطبي الحكومي في مدينة السويداء، رغم وجود أربعة مستشفيات حكومية، إذ يعاني هذا القطاع من سوء الخدمات الطبية المقدمة داخل تلك المستشفيات وتعطل الأجهزة الطبية، وخدمات الاستطباب، وتضع هذه المشكلات مرضى السويداء أمام خيارات صعبة، منها التوجه للطبابة الخاصة الباهظة التكاليف.
مشكلات تودي بحياة مرضى
يعتمد سكان مدينة السويداء، البالغ عددهم حوالي 750 ألف مدني، على أربعة مستشفيات فقط، توصف الخدمات الطبية فيها بأنها “سيئة”.
ويشهد مستشفى “زيد الشريطي” المعروف بـ”المستشفى الوطني” داخل المدينة، تخبطًا كبيرًا يواجهه الكادر الصحي، المتخوف من فقدان السيطرة في ظل ما تشهده المحافظة من تصاعد لإصابات فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) بشكل كبير.
وقال مدير مديرية الصحة في مدينة السويداء في أواخر أيلول الماضي، إن الإصابة بفيروس “كورونا” ازدادت خلال الأيام الماضية، لتتراوح بين خمسة و15 مريضًا يوميًا، ولم تقتصر الإصابات على الفئات العمرية الكبيرة، بل “تم تسجيل دخول فئات عمرية أصغر لقسم العناية المشددة”.
يتسع “المستشفى الوطني” في المدينة لـ70 سريرًا، إلا أن نسبة الإشغال تجاوزت 30%، وفق مدير الصحة، في حين يتسع مستشفى “صلخد” الحكومي لـ18 سريرًا فقط، وبلغت نسبة إشغاله حوالي 33%.
كما يُعاني أهالي المدينة من عدم توفر مختبر لإجراء فحوصات “كورونا”، فترسل العيّنات إلى العاصمة دمشق، في الوقت الذي يتم تشخيص المرض بالفيروس بناء على صورة الصدر والفحص السريري.
وقال طبيب يعمل داخل “المستشفى الوطني” لعنب بلدي، إن المستشفى يعاني من “مشكلات في الأجهزة الطبية، مثل جهاز غسيل الكلى، الذي يعد أساسيًا لمرضى الكلى، إذ تكرر خروجه عن الخدمة عدة مرات، وتأخر إصلاحه، ما عرّض حياة المرضى للخطر، وفي بعض الأوقات إلى دخول المرضى مرحلة الخطر التي يصعب السيطرة عليها”.
كما يواجه المستشفى نقصًا في أدوية المضادات الحيوية، وصفائح المغنيزيوم التي تسهم في التئام الكسور.
وبسبب أعطال جهاز غسيل الكلى، “توفي في شهر تموز الماضي مريضان مصابان بالفشل الكلوي، خلال شهر واحد، من المراجعين لقسم الغسل الدوري داخل المستشفى، بعد تدهور حالتهما الصحية”، وفق الطبيب.
وأرجع الطبيب، الذي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لأسباب أمنية، سبب تعطل الأجهزة الطبية لانقطاع التيار الكهربائي المستمر والمتكرر، إذ إن المشكلة شملت أيضًا جهاز تخطيط القلب غير دقيق النتائج وجهاز الرنين المغناطيسي.
“هناك تخوف من خروج المستشفى عن السيطرة، بعد تصاعد حالات (كورونا) والازدحام الكبير الذي يشهده المستشفى، والمرضى الميسورون ماديًا يفضّلون الاستطباب في المستشفيات الخاصة”، وفق ما قاله الطبيب.
موارد ضئيلة
في ظل تفشي الوباء، لا تقتصر معاناة مرضى السويداء على نقص المستشفيات والمراكز الطبية، خصوصًا بعد ارتفاع الإصابات في بعض قرى المدينة، فالموارد المتوفرة في المستشفيات “ضئيلة”، وإمكانياتها الضعيفة تزيد من سوء الخدمة، وتضغط على الكوادر والمرضى على حد سواء.
يخدم مستشفى “سالة” عشرات القرى في ريف المحافظة الشرقي، إلا أنه لا يستطيع تقديم سوى وجبة طعام واحدة للمرضى المقيمين داخله، بسبب عدم توفر مادة الغاز لطهو الطعام، بالإضافة إلى رداءة الوجبات وسوء طعمها، بحسب ما قاله عدد من ذوي المرضى في المنطقة لعنب بلدي.
أما مستشفى مدينة صلخد جنوبي السويداء، فبالإضافة إلى كونه يعاني من نقص الكادر الطبي، يواجه في الفترة الأخيرة مشكلة شح المياه، الأمر الذي يجعل الكادر الطبي والمرضى يضطرون إلى تأمين صهاريج المياه من جهات خاصة، بتكلفة عالية، إذ يكلّف الصهريج الواحد لتعبئة المياه 25 ألف ليرة سورية (حوالي سبعة دولارات).
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، تتعقد الأمور أكثر داخل مستشفى “صلخد”، حيث يعتمد المستشفى في تأمين المياه على الصهاريج التابعة لمؤسسة المياه الحكومية، ولأن آبار مياه الشرب توقفت في المنطقة منذ تشرين الثاني الماضي، يضطر موظفو المستشفى إلى إحضار عبوات المياه من منازلهم أو الاستعارة من المنازل المجاورة للمستشفى.
وأرجع أحد ذوي المرضى داخل المستشفى لعنب بلدي سبب أزمة المياه هذه، إلى “الفساد المستشري داخل مؤسسة المياه في المدينة”.
ابتزاز لتحصيل المال
ضعف الإمكانيات وسوء الخدمة والإهمال داخل القطاع الصحي الحكومي، لم يمنع بعض الأطباء من ابتزاز المرضى لتحصيل مال إضافي، رغم كل ما يعانيه المرضى ويشتكي منه المواطنون في المستشفيات.
“عندما تدخل المعاناة دائرة احتياجات الناس المعيشية المترافقة مع آلامهم، تصبح الأزمة حقيقية وكبيرة، لا تقتصر فقط على نقص الأدوية أو بعض الخدمات الأخرى”، وفق ما يراه فراس عامر، الذي شهد تعاملًا سيئًا من الأطباء في مستشفى “شهبا”، إذ “كان بعض الأطباء يفاوضون المرضى على ثمن تأمين سرير لهم، مقابل مبالغ مالية، وإلا، لا وجود لأسرّة شاغرة”.
ويضطر المريض لدفع مبلغ يزيد على 100 ألف ليرة (30 دولارًا) كي لا ينتظر، في بعض الأحيان، شهرًا وأكثر، حتى يأتي دوره في المستشفيات الحكومية.
فوق كل ذلك، رفعت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري، في حزيران الماضي، أسعار 11819 صنفًا دوائيًا بنسب وصلت إلى حوالي 50%، بعد مطالبات من أصحاب معامل الأدوية.
اعتداءات مسلحة
يزيد الفلتان الأمني بالقرب من المستشفيات الحكومية حالة الواقع الطبي سوءًا، الحالة التي تمتد إلى داخل المستشفيات أحيانًا، إذ “تتعرض الكوادر الطبية للتهديد بالسلاح من قبل مجموعات مسلحة مختلفة”، وفق ما قاله المريض فراس عامر.
وتكررت هذه الحالة في العديد من المستشفيات، بسبب تأخر دور المريض أو عدم وجود أماكن شاغرة في الأسرّة، أمام أعين المفرزة الأمنية الموجودة على باب المستشفى الرئيس، وفق ما رصدته عنب بلدي، بالإضافة إلى مخفر الشرطة داخل مبنى المستشفى، مع عدم تدخل رجال الشرطة لحماية الكادر.
في آب الماضي، حاول قرابة 40 موظفًا من الكادر الطبي في “المستشفى الوطني”، إيقاف ظاهرة الاعتداء المسلح على الأطباء والممرضين، بتنظيم وقفة احتجاجية في ساحة المستشفى، لكنها لم تسفر عن أي نتائج، ولم تحدث أي تأثير، وسط تصاعد التوتر الأمني في المنطقة، إذ لا تزال التجاوزات الأمنية مستمرة حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.