أيام الثقافة السورية
نبيل محمد
يمكنك أن تتخيّل ببساطة طبيعة الفعاليات الثقافية التي ستقدّم في صالات الفن والثقافة بدمشق وغيرها من المدن السورية اليوم، من حيث الشكل والتوجه، بل ويمكنك أيضًا التنبّؤ بالأسماء التي سيتم تكريمها في ظل هذه التظاهرة الثقافية التي عمّت البلاد مؤخرًا بشكل مبالغ به، ليتم تقديم 170 فعالية ثقافية في مواقع مختلفة من البلاد، من دار “الأسد للثقافة والفنون”، إلى صالات المراكز الثقافية.
فعاليات ليس غريبًا في ظل الفقر المدقع بالمنتج الثقافي والفني أن يكون أغلبها عبارة عن ندوات سياسية، وحفلات تكريم وجلسات نقاشية، إضافة إلى اجترار مجموعة من إنتاجات “المؤسسة العامة للسينما”، وعرض بعض الأعمال المسرحية من إنتاجات القطاع العام أيضًا، إضافة إلى دعوة تشكيليين لعرض أعمالهم في ظل التظاهرة الثقافية، بحيث يتم تقديم صورة أو ربما تقرير للجهات العليا، بأن التظاهرة شملت جميع أنواع الفنون، وأن البلاد ما زالت قادرة على احتضان فعاليات ثقافية شاملة، والاحتفاء بفنونها، وثقافتها وخصوصيتها.
ضمن الأيام الثقافية السورية، لن تستغرب إن وجدت عرضًا من سيبيريا، قدمته فرقة الكورال السيبيري الروسي الشعبي في دار “الأسد للثقافة والفنون”، حمل العرض عنوان “سيبيريا وطني وروسيا”، تحدث عن “قوة الإنسان السيبيري وعاداته وتقاليده”، وفق وسائل الإعلام السورية التي تابعت تلك الفعالية، التي تم منحها ما لم تُمنحه العروض السورية، حسبما يبدو ضمن فعاليات أيام الثقافة السورية، من تخصيص الصالة الكبرى في دار “الأوبرا”، إلى التغطية الإعلامية المبالغ بها، على اعتبار أن العرض قادم من روسيا الحاضرة في مختلف الفعاليات السورية من ثقافية إلى اقتصادية وسياسية وحربية وغيرها، روسيا التي لم تعد مجرّد داعم سياسي لنظام متهالك.
على هامش الفعاليات الثقافية “السورية” أيضًا، وفي المركز الثقافي العربي في منطقة أبو رمانة بدمشق، تم إحياء ندوة بعنوان ““مواجهة الغزو الثقافي.. الفن والإعلام”، ندوة يفترض عنوانها الدعوة للدفاع عن الثقافة الوطنية، ومواجهة الثقافة القادمة من الخارج، والطريف أن أول المتحدثين في هذه الندوة وصاحب المساحة الأهم فيها وفق ما يبدو، هو المستشار الثقافي لسفارة إيران في سوريا، سيد حميد رضا عصمتي، الذي طرح موضوع أهمية الفصل بين “المثاقفة” والغزو الثقافي، والذي يعني فيما يعنيه التفريق بين “العدو” و”الصديق”، مشددًا على أهمية “التعاون الثقافي” بين إيران وسوريا، والوقوف ضد الثقافات الدخيلة التي تهدف إلى “تغيير الهوية الثقافية الوطنية”، مستشهدًا بالسينما الأمريكية التي “تشوّه صورة الإنسان العربي”.
حددت أيام الثقافة السورية مفهوم الحفاظ على الثقافة المحلية، باستعراض المنتج الثقافي السوري الضحل والفقير بمجمل مظاهره الحالية، والانفتاح على ثقافة الآخر على أن يكون هذا الآخر فاعلًا عسكريًا متحكمًا بالخرائط العسكرية وصياغة الاتفاقيات، له الأولوية في اتخاذ القرار، ويمكنه التنقّل من أعتى جبهة قتال إلى أصغر صالة عرض في مركز ثقافي، يمثّل حضوره مفهوم “المثاقفة” الذي يغني الثقافة المحلية ويدافع عن خصوصياتها.
من حمص إلى حماة واللاذقية وطرطوس والسويداء ودمشق، لم تختلف الفعاليات المحاصرة بمفهوم الصمود الرث، والحرب ضد أعداء الوطن، المفهوم الذي لن يجد عملٌ فني من المسرح إلى السينما فالفنون التشكيلية وصولًا إلى الكتاب، أي فرصة ليحضر أمام الجمهور، ما لم يتغنَّ به، بالمباشرة أو الترميز، له حرية “المثاقفة” إن شاء، على أن تكون “مثاقفة” في المكان الصحيح، مع الآخر الذي لا يشكّل خطرًا على الثقافة المحلية، يمكنه أن يتغنى بطائرات “السوخوي”، أو تضحيات “الحرس الثوري الإيراني”، فهذا التغني يصب في التنوع الثقافي والانفتاح، ويغني الثقافة الأصيلة والمتجددة، ويستحق أن يكون جزءًا من الاحتفاء بـ”أيام الثقافة السورية”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :