في اليوم العالمي للتطوع.. متطوعو الشمال السوري يصارعون الصدمات

  • 2021/12/05
  • 8:44 م

منذ بداية الاحتجاجات في سوريا أُسست العديد من الفرق التطوعية من قبل شبابٍ وشاباتٍ اندفعوا للتطوع في مجال العمل الإنساني، ولعلّ من أكبر التحديات التي واجهها المتطوعون هو أن يظل الإنسان بداخلهم، إنسانًا دون أن تشوهه الحرب، أو يدخل في حالة “اعتياد”.

يتعامل المتطوعون في الشمال السوري منذ سنوات مع آلاف القصص القاسية، وتتكرر أمامهم مشاهد الحرب والموت بشكلٍ يومي ليجدوا أنفسهم أمام تحدٍّ جديد، وخوف حقيقي من أن يتحول العمل التطوعي إلى مهمةٍ “اعتيادية” تخدر عواطفهم، وتحمل طابع الواجب فقط.

ويصادف اليوم، 5 من كانون الأول، اليوم العالمي للتطوع المعتمد من قبل الأمم المتحدة في 17 كانون الأول عام 1985، لتقدير جهود المتطوعين حول العالم، وتحفيز المزيد من الناس في جميع مناحي الحياة على المساهمة في العمال التطوعي بمختلف مجالات الحياة.

التطوع السوري:
انتشرت ثقافة التطوع بشكل واسع، مع بداية الاحتجاجات في سوريا تزامنًا مع تأسيس مؤسسات محلية مدنية سورية، من أبرزها الدفاع المدني السوري، وفريق ملهم التطوعي.

وبدأ ناشطون يعملون في بعض الجمعيات الإغاثية والمختصة بالدعم النفسي، ليتطور هذا النشاط إلى مؤسسات ومشاريع ترسَل إلى ممولين بهدف تبينها ودعمها.

“دائمًا يوجد أقسى”

“في كل المرات التي قلت فيها أن هذه الحكاية هي الأقسى، تغلبني حكاية أكثر قسوة (دائمًا في أقسى)”. هذا ما قالته إحدى المتطوعات في فريق ملهم التطوعي، مروة زرزور (32 عامًا).

مروة زرزور تروي لعنب بلدي بعد مرور نحو أربع سنوات على تطوعها في مجال العمل الإنساني، أنها في بداية عملها التطوعي كانت تعيش صدمة عند زيارة الأشخاص لمساعدتهم، ويستمر أثر الصدمة إلى أن تتعامل مع حكاية أكثر قسوة تخفف أثر الحكاية الماضية، أو تلهيها عنها، بحسب تعبيرها.

وتضيف مروة، “الشعب كله يعتبر حالات وضعها سيئ”، مشيرةً إلى أن الحالة الصحية والاقتصادية والنفسية لمعظم الناس في سوريا يجعل المتطوعين العاملين في الشمال السوري أمام شعور دائم بالمسؤولية وضغطٍ كبير، يجبرهم على التعامل بمنطقية وعقلانية.

وانطلاقًا من حقيقة “دائمًا يوجد أقسى”، قال أحد المتطوعين في فريق ملهم، فيصل موسى (23 عامًا)، إن الواقع يفرض على المتطوع أن يقيّم “الحال” من منظور منطقي خوفًا من أن يقدم المساعدة لشخصٍ ويحرم منها آخر أكثر حاجةً لها، لافتًا إلى أن الهاجس الأكبر بالنسبة للكثير من المتطوعين يكمن في خوفهم من أن يُساعدوا شخصًا ويقفوا عاجزين عن مساعدة آخر.

اعتياد أم عقلانية؟

“التأثير الأول لأي حدث في حياة الإنسان لا يشبه تأثيره في المرة العاشرة وهذا ما يحدث في الحرب، وما يحدث في حياة المتطوع أيضًا”، هذا ما قالته مروة عن شعور “الاعتياد” الذي يعيشه المتطوع في مجتمع تسيطرالحرب على تفاصيل حياته.

وأوضحت مروة أن تكرار الأحداث يخفف أثرها “العاطفي” ويحولها لصورةٍ أكثر منطقية، مضيفةً “صوت القصف أول مرة كان مرعبًا ومؤذيًا لكن أثره اليوم لا يشبه ما كان عليه، والزيارة الأولى في حياتي كمتطوعة كان أثرها مأساويًا لكنها اليوم تحمل طابع المنطقية”.

من جهته قال فيصل إن “الاعتياد” في حياة المتطوع يعني أن يغلب العقل العاطفة ويكتسب المتطوع “آلية منطقية لتقييم الحالات”، لافتًا إلى أن تعامله مع أشخاص دفعهم “الجشع” للكذب، أجبره على ألا يتعاطف مع كل الأشخاص الذين يطلبون المساعدة.

لكنّ أحمد صباغ، متطوع في فريق ملهم، كان له تجربة مختلفة إذا قال في حديثه لعنب بلدي، إن العمل التطوعي جعله شخصًا عاطفيًا بشكل مفرط.

من جهتها اعتبرت الاختصاصية النفسية المقيمة في الشمال السوري، فاطمة صبيح، الحالة التي يعيشها المتطوعين “إدارة ضغوط”.

وأوضحت في حديثها لعنب بلدي، أن الشخص المحتاج لا يحتاج لمن يبكي معه بقدر حاجته لشخصٍ يفهم مشكلته ويقدم له حلًّا منطقيًا، وهذا ما يسمى “إدارة الضغوط”.

التطوع والصحة النفسية

الضرر النفسي للحرب لا يختلف أبدًا عن ضررها الجسدي، ويتضاعف هذا الأثر على المتطوعين الذين يتعاملون بشكلٍ  ويومي مع أشخاص متضررين من الحرب، وفق ما قاله رئيس قسم التدريب في “الدفاع المدني السوري”، المتطوع حسام بدوي، في حديثه لعنب بلدي.

وذكر حسام أن الاستهداف المباشر للمتطوعين، من قبل النظام السوري وحليفه الروسي، خاصة في “الدفاع المدني” تسبب بحالة توتر وقلق دائم لدى المتطوعين، مضيفًا أن هذا القلق ظهر أثره على سلوك العديد من المتطوعين.

وتفاوت الأثر النفسي على المتطوعين الذين تواصلت معهم عنب بلدي، ولكن معظمهم اعتبر شعور “العجز” العامل الأكثر تأثيرًا على نفسيته، إذ أعرب فيصل عن خوفه من اللحظات التي يكون فيها عاجزًا عن تقديم المساعدة بسبب الحاجة الكبيرة.

كما قالت مروة إن العجز له أثر سلبي كبير على حياتها كمتطوعية خاصّة أن الضرر الذي تعرض له الكثير من الناس في الشمال السوري لا يمكن إصلاحه، والخسارات أكبر من أن تعوض.

ولكنّ الأثر السلبي للتطوع في الشمال لم يغلب الأثر الإيجابي، إذ قالت مروة إن ضحكة طفل بعد مساعدته تكفي لتمحو أثر كل التعب والحزن عن قلوب المتطوعين، وأضافت أنها عرفت الفرحة الحقيقية حين رأت التغيير في حياة أشخاص قدمت لهم المساعدة خلال سنوات تطوعها.

وأكدّت الاختصاصية النفسية، فاطمة صبيح، أن حياة العاملين في المجال التطوعي في الشمال تتسبب للبعض بـ”صدمة ثانوية” توّلد عند المتطوع شعورًا بأنه يعيش ظروف الشخص الذي يتعامل معه، مضيفةً أن هذه الحالة من الممكن أن تتطور إن لم تُعالج بالوقت المناسب ليدخل المتطوع باضطرابات.

وأوصت فاطمة المتطوعين بمراجعة اختصاصي نفسي في حال شعروا أن حالتهم النفسية بدأت تؤثر على أدائهم الوظيفي وحياتهم اليومية.

دور بيئة التطوع

“بيئة العمل ضمن الفريق التطوعي يمكن أن تغير حياة المتطوع كاملة للأفضل” هذا ما قالته مروة في حديثها عن دور الفريق التطوعي في حياتها، مؤكدةً أنها “كسبت عائلة” بعد انضمامها للفريق ولم يقتصر أثرهم على عملها كمتطوعة بل امتد ليغير حياتها الخاصة للأفضل.

من جهته قال حسام بدوي، إن “الدفاع المدني” يسعى لمواجه الصدمات التي يتعرض لها المتطوعون من خلال تقديم الدعم النفسي المباشر لهم، مشيرًا إلى أن الاختصاصيين النفسيين العاملين ضمن الفريق يسعوون دائمًا لتقديم الدعم لجميع المتطوعين.

كما يواجه “الدفاع المدني” هذه الصدمات من خلال تخفيف التوتر النفسي بإقامة فعاليات ترفيهية للمتطوعين.

من أين أتت كلمة تطوع؟
سجل القيام بفعل التطوع لأول مرة في العالم سنة 1755، على يد شخص يدعى “فولنتير”، بينما تم توثيق استخدام الكلمة للمرة الأولى في المجال غير العسكري في الثلاثينيات من القرن السادس عشر.وفي الولايات المتحدة الأمريكية بدأ الشباب بمساعدة المحتاجين في مجتمعاتهم، تلاه تأسسيس أول جمعية أطلق عليها “الشباب المسيحيون” أثناء الحرب الأهلية الأمريكية تطوعت فيها النساء، تلتها بعدة سنوات إطلاق جمعية الصليب الأحمر الأمريكية في 1881، التي بدأت بتنفيذ عمليات الإغاثة.ويعمل في الأمم المتحدة وحدها أكثر من 6500 في أكثر البيئات صعوبة في العالم، ويقوم 12 ألفًا من متطوعيها عبر الإنترنت بأكثر من 20 ألف مهمة.

 

 

 

 

 

مقالات متعلقة

حقوق الإنسان

المزيد من حقوق الإنسان