جريمة “الإبادة الجماعية”.. هل يُحاسب النظام السوري على ما ارتكبه تنظيم “الدولة”؟

  • 2021/12/09
  • 6:55 م
البحث عن رفات إيزيديين من ضحايا تنظيم "الدولة الإسلامية" في سنجار شمال غربي العراق- 3 من شباط 2015 (AFP)

البحث عن رفات إيزيديين من ضحايا تنظيم "الدولة الإسلامية" في سنجار شمال غربي العراق- 3 من شباط 2015 (AFP)

في شباط عام 2020، اعتمد مجلس الشعب في دمشق بالإجماع قرارًا اعتبر فيه أن عمليات القتل التي تعرض لها الأرمن في الفترة ما بين 1915 و1917، والتي أدت إلى مقتل أكثر من مليون شخص، هي “إبادة جماعية”.

اُعلن عن هذا القرار في الوقت الذي كان التوتر فيه متزايدًا بين دمشق وأنقرة إثر مواجهات عسكرية في شمال غربي سوريا.

وجاء في بيان المجلس إنه “يدين ويقر جريمة الإبادة الجماعية للأرمن على يد الدولة العثمانية بداية القرن العشرين”، وتابع البيان “كما يدين (المجلس) أي محاولة من أي جهة كانت لإنكار هذه الجريمة وتحريف الحقيقة التاريخية حولها”.

وواجه الإيزيديون في قضاء شنگال/سنجار العراقي مجازر وعمليات خطف على يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، في آب من عام 2014، الذي نفذ جرائم بحقهم، واقتاد الفتيات الإيزيديات كسبايا وجاريات لعناصره، حتى الصغيرات منهنّ، إلى مناطق سيطرته في سوريا، وهو ما صنّفته الأمم المتحدة كـ”جريمة إبادة جماعية”.

إلا أن مجلس الشعب لم يقر بهذه الجريمة حتى إعداد هذا التقرير، فضلًا عن مئات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تراكمت خلال عقد كامل في سوريا.

اقرأ أيضًا: إيزيديو عفرين.. انتهاكات وتضييق ديني يهدّد وجودهم

وفي تموز الماضي، تبنى مجلس النواب البلجيكي بإجماع أعضائه قرارًا اعترف فيه بارتكاب تنظيم “الدولة” “جريمة إبادة جماعية” بحق المجازر التي واجهها الإيزيديين.

وبأغلبية 139 صوتًا من أصل 139 نائبًا حضروا الجلسة وافق مجلس النواب في بلجيكا على هذا القرار، غير الملزم، والذي يدعو الحكومة الفدرالية إلى “ملاحقة ومعاقبة” مرتكبي هذه الجرائم ودعم أي مبادرة في هذا الاتجاه من قبل المجتمع الدولي.

وفي 2017، اتهمت الإدارة الأمريكية، في عهد الرئيس دونالد ترامب، التنظيم بأنه “مسؤول بوضوح عن ارتكاب إبادة جماعية بحق الإيزيديين والمسيحيين والمسلمين الشيعة” في المناطق التي سيطر عليها.

صادقت سوريا على اتفاقية مناهضة التعذيب عام 2004، ويوصف التعذيب داخل السجون السورية على أنه جريمة ضد الإنسانية، بالإضافة إلى أن قوات النظام السوري ارتكبت جرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع ومنهجي ضد سكان مدنيين بسبب آراءهم المعارضة للسلطة، وفق تقارير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، وهو ما يحمّل حكومة النظام السوري مسؤولية جنائية تجاه تلك الجرائم.

إلا أن ارتكاب تنظيم “الدولة الإسلامية” لجريمة الإبادة الجماعية بحق الإيزيديين يفتح الباب للسؤال عن مدى المسؤولية الجنائية الخاصة بحكومة النظام السوري بشأن هذه الجريمة، على اعتبار أن جزءًا من التنظيم كان يتمركز داخل الأراضي السورية وقت وقوع الجريمة.

اقرأ أيضًا: ما الفرق بين “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية” و”جرائم الإبادة الجماعية”

ما جريمة الإبادة الجماعية

عرّفت اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” التي لها الآن 140 دولة طرفًا فيها، بما فيها سوريا التي صادقت عليها عام 1955، بالإضافة إلى 41 دولة موقعة عليها، جريمة الإبادة الجماعية بأنها “قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، وإخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، وفرض تدابير تستهدف عدم إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى”.

كما تعاقب الاتفاقية على مجموعة من الأفعال وهي: الإبادة الجماعية، والتآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، والتحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، ومحاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، والتواطؤ في الإبادة الجماعية.

وتنص الاتفاقية على وجوب معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون الإبادة الجماعية أو الأفعال الأخرى المذكورة أعلاه، سواء كانوا حكامًا مسؤولين دستوريًا أو موظفين عامين أو أفرادًا.

ومن خلال الاتفاقية، تتعهد الأطراف المتعاقدة بأن تتخذ، كل طرف منها طبقًا لدستوره، التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات ناجعة تنزل بالأشخاص المدانين بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المنصوص عليها في الاتفاقية.

وتقضي الاتفاقية أيضًا بأن تجري محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المنصوص عليها في الاتفاقية أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتُكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية.

وتشدد الاتفاقية على أن الإبادة الجماعية والأفعال الأخرى المنصوص عليها في الاتفاقية لا يمكن اعتبارها جرائم سياسية لغرض تسليم مرتكبيها وتقتضي من الدول، عندما يُطلب منها التسليم، أن تلبي طلب التسليم وفقًا لقوانينها ومعاهداتها السارية.

ومن المهم أن الاتفاقية تخول أي طرف متعاقد صلاحية اللجوء إلى الهيئات المختصة في الأمم المتحدة لاتخاذ هذا الإجراء بموجب ميثاق الأمم المتحدة حسبما تراه مناسبًا لمنع وقمع أعمال الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المنصوص عليها في الاتفاقية.

اقرأ أيضًا: ما أنواع المسؤولية الجنائية في القانون الدولي

أركان جريمة الإبادة الجماعية بالقتل

تشمل أركان جريمة الإبادة الجماعية بالقتل أربعة أركان، بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهي:

1- أن يقتل مرتكب الجريمة شخصًا أو أكثر.

2- أن يكون الشخص أو الأشخاص منتمين إلى جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية معينة.

3- أن ينوي مرتكب الجريمة إهلاك تلك الجماعة القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية، كليًا أو جزئيًا، بصفتها تلك.

4- أن يصدر هذا السلوك في سياق نمط سلوك مماثل واضح موجه ضد تلك الجماعة أو يكون من شأن السلوك أن يحدث بحد ذاته ذلك الإهلاك.

هل تكون سوريا في المحكمة؟

بحسب تقرير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، فمن غير المؤكد ما إذا كانت محكمة العدل الدولية ستنظر في الجرائم التي ارتكبها تنظيم “الدولة” ضمن ولايتها القضائية، بموجب طلب حل النزاعات بين الدول، بالنظر إلى أن التنظيم ليس دولة.

ولكن، فإن حكومة النظام السوري ملزمة بموجب اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” بعدم حصول تلك الجريمة، ومحاسبة الأفراد الذين ارتكبوها في حال كانوا على أراضيها، وقد يكون فشل التزامها بذلك أساسًا لولاية محكمة العدل الدولية، وفق ما يراه تقرير المركز الحقوقي.

وتعتبر محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة. وتتولى المحكمة الفصل طبقًا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

ويتمثل اختصاصها في دورين أساسيين: معالجة الخلافات القانونية بين الدول من خلال أحكام قضائية، وإصدار آراء استشارية بخصوص أسئلة حول القانون الدولي.

ولا يقع ضمن اختصاص المحكمة معالجة قضايا على المستوى الفردي، وبمعنى آخر ليس من اختصاصها تنفيذ القانون الجنائي الدولي الذي تتضمن مبادئه الأساسية المسؤولية الجنائية الفردية، بل هي محكمة تعنى فقط بالشكاوى بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وفي 9 من كانون الأول من كل عام، تُحيي الأمم المتحدة ذكرى ضحايا جرائم الإبادة الجماعية، ويهدف هذا اليوم إلى زيادة الوعي باتفاقية “منع الإبادة الجماعية” وللإحتفاء بدورها في مكافحة ومنع هذه الجريمة ولتكريم ضحاياها.

إلا أن خبراء في القانون الدولي يرون بأن سوريا “لم تشهد إبادة جماعية“، على الأقل وفقًا للمعايير القانونية المنصوص عليها في الاتفاقية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى تأطير هذا القانون مع أخذ حدث معين في الاعتبار، وهو المحرقة.

ويتطلب إثبات وقوع الإبادة الجماعية إظهار نية الجاني في تدمير مجموعة عرقية أو إثنية أو وطنية أو دينية.

وبسبب هذا التعريف الضيق، بالإضافة إلى صعوبات إثبات النية، فإن الغالبية العظمى من الجرائم في سوريا قد لا يمكن وصفها بأنها إبادة جماعية.

مقالات متعلقة

حقوق الإنسان

المزيد من حقوق الإنسان