في حين تقترب محاكمة المتهم ضابط المخابرات السورية أنور رسلان في كوبلنز غربي ألمانيا من القرار النهائي للحكم، ضُمّنت حتى اليوم جريمة التعذيب والعنف الجنسي في قائمة الاتهام الموجهة ضد رسلان، مع تجاهل المطالب الحقوقية بتضمين الاختفاء القسري كجريمة إضافية ضد المتهم.
وطالبت عدة شخصيات ومنظمات سورية حقوقية، خلال تشرين الثاني الماضي، بتضمين هذه التهمة ضمن قائمة الاتهام ضد رسلان، مستندة إلى اعتقاد يقيني بوجود ارتباط عضوي بين الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في جميع مراكز الاعتقال التابعة للنظام السوري، ومن ضمنها فرع “الخطيب” بدمشق، الذي كان المتهم أنور رسلان يترأس قسم التحقيقات فيه.
وفي حال ضُمّنت هذه التهمة في المحاكمة الأولى من نوعها في العالم التي تقاضي ضباطًا تابعين للمخابرات السورية، فستكتسب جهود تحقيق العدالة للضحايا فائدتين في سياق المحاسبة.
1- تعزيز رواية الضحايا
إذا وافقت محكمة “كوبلنز” على تضمين جريمة الاختفاء القسري ضمن المحاكمة، فهذا من شأنه تعزيز رواية الضحايا والناجين الذين ادّعوا بوجود أشخاص دخلوا دائرة مجهولي المصير، بعد أن اُعتقلوا داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، ما يجعل القضاء الأوروبي مطالَبًا بالتحقيق بمصير أولئك الأشخاص، بهدف تسليط الضوء على الجريمة والتعريف بها وبنتائجها.
وفي قرارها الصادر في 10 من تشرين الثاني الماضي، أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة انتشار ممارسة الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز المشار إليها في تقارير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا بما يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، الفرع “215” والفرع “227”، والفرع “235”، والفرع “251”، وفرع التحقيقات التابع لـ”المخابرات الجوية” في مطار “المزة العسكري” وسجن “صيدنايا”.
وبحسب إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فإن ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص في سوريا لا يزالون قيد الاختفاء القسري، وذلك على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة، منذ آذار 2011 وحتى آب 2021.
وتتحمّل قوات النظام السوري المسؤولية عن أكثر من ثمانية آلاف شخص يواجه الاختفاء القسري، بنسبة 84% من كامل الإحصائية.
2- حماية جهود المنظمات الحقوقية
توجد جهود متواصلة لخمس منظمات بقيادة ناجين سوريين وضحايا الاختفاء القسري من أجل المحافظة على حقوق الضحايا، وهي “رابطة عائلات قيصر”، و”رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، و”عائلات من أجل الحرية”، و”تحالف أسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم (الدولة الإسلامية)”، و”مبادرة تعافي”.
وعملت هذه المنظمات الخمس خلال سنتين على قضية الاختفاء القسري في سوريا، وذلك من خلال تقديم الحلول والتوصيات لصنّاع القرار، لتكون هذه القضية ضمن أولويات المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية والأنظمة القضائية.
وفي مقابل تلك الجهود، لا يزال ملف المعتقلين والمختفين قسرًا وحقوقهم في سوريا من أبرز الملفات السيادية التي لا تزال تحت قوة النظام السوري، الذي يستعمله من أجل أن يظهر على أنه العامل الأساسي في حل هذه القضية.
والاعتراف القضائي الرسمي من خلال محاكمات حقوق الإنسان في أوروبا بتهمة الاختفاء القسري يتمثل في دعم جهود المنظمات، والبيانات التي تمتلكها بشأن هذه الجريمة، التي وثقتها من أجل خدمة ملفات القضايا الجنائية، والتي تأمل أو توظف هذه البيانات والمعلومات ضمن مجال قضايا تستهدف الصفوف الأولى في النظام السوري وبقية مرتكبي الانتهاكات في حال تأسيس محكمة خاصة لسوريا.
ما جريمة الاختفاء القسري
تهدف “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” التابعة للأمم المتحدة إلى منع الاختفاء القسري المحدد في القانون الدولي.
وتعرف المادة “2” من الاتفاقية الاختفاء القسري بأنه الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون.
ويقع على عاتق الدولة اتخاذ التدابير الملائمة للتحقيق في التصرفات المحددة بالمادة “2”، التي يقوم بها أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون دون إذن أو دعم أو موافقة من الدولة، وتقديم المسؤولين إلى المحاكمة.
–