تحقيق: الحسين مسعود (اسم مستعار)
تحرير وإشراف: علي عيد
تحقيق أنجزه مشروع “Syria Indicator” المستقل للصحافة الاستقصائية، يكشف عن دور التعديات على خطوط المياه (السرقة)، في ظاهرة العطش بمدينة اللاذقية السورية، كما يكشف عن ضلوع شخصيات نافذة من ضباط الجيش والمخابرات في سرقة المياه لسقاية مزارعهم وملء مسابح فيلاتهم.
على الساحل السوري في مدينة اللاذقية ذات الأمطار الوفيرة، والتي تنعم بالينابيع والأنهار القصيرة والسدود، أصبح معيل الأسرة يدفع كامل راتبه لشراء الماء، حيث يتراوح ثمن الصهريج (نحو 1000 لتر) بين ثمانية وعشرة آلاف ليرة سورية، وتحتاج الأسرة إلى شراء هذه الكمية من أربع إلى خمس مرات في الشهر، حسبما تقول “دلال” (اسم مستعار لأسباب أمنية)، وهي سيدة تقطن إحدى القرى المتاخمة لمدينة اللاذقية.
بينما يشير شاهد آخر ب.ع (فضل الإشارة لاسمه بالأحرف الأولى لأسباب أمنية)، إلى أن شراء الماء من الباعة (أصحاب سيارات نقل الصهاريج) سببه الانقطاع الطويل والمتكرر لإمداد المياه عبر الشبكات، حيث يصل بعض الأحيان إلى 20 يومًا.
مطلع تموز الماضي، تفاعل رواد التواصل الاجتماعي على منصة “فيسبوك” مع تصريح رئيس الوزراء في حكومة النظام السوري، حسين عرنوس، للصحفيين خلال زيارته اللاذقية بأن نبع “السن” يغذي المحافظة بنحو 300 ألف متر مكعب يوميًا، وهي الكمية التي تعادل 80 إلى 85% من احتياجات المحافظة حسب تقديرات الحكومة والمتخصصين.
أحد المتفاعلين قال إن مدينة جبلة بلا ماء منذ 20 يومًا، في حين قال آخر، إن المياه لا تصل إلا كل 15 يومًا.
ظاهرة العطش صارت تشبه قول الشاعر “العيس في البيداء يقتلها الظما.. والماء فوق ظهورها محمول” كما يقول أحد أبناء المحافظة.
من أين تشرب اللاذقية
حسب أرقام حصلنا عليها من مصدر يعمل في إدارة النبع، فإن اللاذقية تحصل على 85% من احتياجات مياه الشرب عبر خطوط جرّ قادمة من نبع “السن” (40 كم جنوب اللاذقية)، وهو أحد أغزر الينابيع السورية وأكثرها عذوبة ونقاء، يقع أسفل جبل قرفيص على الساحل السوري، ويتم ضخ المياه من النبع عبر ثلاثة خطوط إلى خزّانات تجميع في أعلى جبل قرفيص (2500 متر شرق نبع السن)، حيث تنساب المياه من هناك عبر ثلاثة خطوط دفع شمالًا إلى جبلة ومدينة اللاذقية والحفّة والقرداحة. وهناك خط جر رابع لم يتم وصله بالنبع حتى اﻵن، ولا يتوقف الضخ طوال العام بكامل الطاقة.
في حين تغذي المصادر المساعدة (ينابيع وآبار) نسبة 15% المتبقية، وأهمها آبار “الصفصاف”، و”البهلولية”، و”الجنديرية”، ونبع “جورين”، إضافة إلى استخدام الينابيع المحلية في كل منطقة إذا توفرت وكانت صالحة للشرب.
ومفارقة محافظة اللاذقية هي أنها تحصل على أفضل الموارد المائية في سوريا، حيث تشير الدراسات والأرقام، ومنها ما يؤكده موقع “Fanack.com“ المتخصص بالموارد المائية، إلى أن حوض الساحل يقع ضمن المنطقة الأولى مطريًّا، ويبلغ متوسط الهطول السنوي بين 400 و650 ميليمترًا، ويبلغ حجم المياه التقليدية المتوفرة 4160 مليون متر مكعب توازي 23% من الموارد في سوريا.
وحسب دراسة نشرتها جامعة “تشرين” السورية عام 2012، تبلغ حصة الفرد السنوية 107.08 متر مكعب في مركز مدينة اللاذقية، ونحو 88 مترًا مكعبًا في مدينة جبلة، وأكثر من 94 مترًا في القرداحة، وتنخفض في الأرياف حيث يصل حدها الأدنى إلى 32 مترًا للفرد سنويًا، إلا أن هذه النسب لا تتوافق مع ما يحصل خلال السنوات الأخيرة، ومع غياب الشفافية الحكومية في هذا الجانب، وعدم وجود إحصاءات وبيانات رسمية عن حصة الفرد خلال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل (حاولنا البحث في المصادر الخاصة والمفتوحة ولم نجد)، فإن ظاهرة العطش في اللاذقية وريفها تؤشر إلى انهيار في منظومة خدمات مياه الشرب وليس في مصادر المياه الطبيعية، حسب تصريح لمدير المياه في المحافظة، المهندس مضر منصورة، منتصف 2020، مشيرا إلى “أن المخزون جيد” ويغطي “الاحتياجات المطلوبة”.
أين يذهب الماء
حسب مصدر في المؤسسة العامة لمياه الشرب باللاذقية، فضّل عدم ذكر اسمه، يضخ النبع يوميًا قرابة 310 آلاف متر مكعب (معدل أربعة أمتار في الثانية)، تبلغ حصة اللاذقية منها 232.5 ألف متر مكعب (ثلاثة أمتار مكعبة في الثانية)، يفترض أن تغطي 85% من احتياجات السكان، غير أن الكمية الواصلة إلى خزانات التجميع في المحافظة تبلغ 205.4 آلاف متر مكعب (2.65 متر مكعب في الثانية)، حيث يبلغ الفاقد نحو 27 ألف متر مكعب يوميًا، ما يعادل 11.6% من المياه التي يتم ضخها إلى خزانات التجميع عبر خطوط رئيسة.
وفي حين يحمّل المعنيون في تصريحاتهم انقطاعات الكهرباء مسؤولية قلّة الماء، يقول أحد مهندسي وحدة المياه باللاذقية (ترك الخدمة مؤخرًا)، إن “الانقطاع يحصل صيفًا وشتاء، والحجة التي نقولها للناس هي انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة وعن محطات ضخ المياه إليها في الريف، وانخفاض مخصصات كميات الوقود المقدّمة للمحطات التي هبطت إلى دون النصف”.
ويتابع أن “حجة الكهرباء لم تعد سببًا كافيًا بعد أن جرى التنسيق بين مديريتي الكهرباء ومياه الشرب، الأمر الذي قلّل احتمال تسبب انقطاع الكهرباء في أزمة المياه”، فماذا يكون السبب إذًا؟
يشير نفس المصدر إلى أن تقديرات فقدان المياه في المرحلة الأولى، نتيجة الارتشاح والتسرّب وارتفاع الحرارة، تتراوح بين 2 و3% من الكمية الكلية المفقودة، ما يعني أن نسبة مؤكدة من المياه الضائعة تتراوح بين 8 و9% بمعدل وسطي يبلغ 20500 متر مكعب يوميًا، وهي كمية مؤكدة، تذهب بطريقة مجهولة لا ترتبط بالارتشاح والتسرّب، وهناك فاقد آخر في المرحلة الثانية، ليس معلوم الكمية لكنه لا يقلّ عنها، وهي مرحلة ضخّ المياه من الخزّانات إلى الأحياء والقرى، لأن معظم التعديات تحصل على الخطوط الفرعية في القرى البعيدة عن المراقبة، ما يعني أننا أمام فاقد يزيد على 23% من المياه التي يتم ضخّها، وتتراوح نسبة المياه المسروقة بين 16 و18% من ذلك الفاقد، بمعدل وسطي يبلغ 41000 متر مكعب يوميًا، وهي كمية غير مؤكدة من قبل الجهات المعنية، وهو ما يفسّر، حسبما يشير شهود التحقيق، حجم التعديات الكبير وسرقة المياه بطريقة غير مشروعة.
إنها التعديات
سعيًا للتثبّت من ادّعاء عدد من الشهود بأن التعديات، وسرقة الماء من خطوط الجرّ القادمة من نبع “السن”، تشكّل أهم أسباب انقطاعات الماء ونقصه، سألنا مهندس وحدة المياه السابق، الذي أومأ بأن الأمر صحيح، وأن كثيرًا من الحالات لا يجرؤ أحد على البوح بشأنها، مضيفًا “إنهم الحيتان”، ما يشير إلى أن هناك آلاف الحالات من التعدي بهدف سقاية المزروعات والبيوت البلاستيكية (الدفيئات) بطرق غير مشروعة.
وفي حين تدّعي الجهات المعنية في اللاذقية بشكل متكرر أنها تضبط التعديات، يؤكد شاهدنا السابق أن إزالة التعديات تطال أشخاصًا دون آخرين ذوي نفوذ أمني أو عسكري، أو نفوذ مستمَد من الوظيفة الرسمية، وأنّ هؤلاء الأشخاص يقومون باستجرار مياه الشرب إلى مزارعهم لملء المسابح (برك السباحة) وسقاية مزارعهم وبساتينهم الخاصّة.
ووفق بيانات مؤسسة مياه اللاذقية، فقد تم تنظيم 737 ضبطًا خلال النصف الأول من العام 2020، وسحب 1213 مضخة و7782 وصلة مخالفة (تعدٍّ).
وفي شهر حزيران وحده من العام 2020، وفق مدير عام المؤسسة في تصريح رسمي لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، فإنه تم تسجيل 237 ضبطًا لمخالفات متنوعة في جميع المناطق، وضبط 1257 وصلة مخالفة، وهي تغطي التعديات على خطوط الجر الثلاثة، أي بمعدّل تقريبي 212 تعديًا على كل خط، ولكن التعديات تزيد على خطوط الجر البعيدة عن المراقبة.
ثقب الخطوط
خطوط الجر، هي خطوط مصنوعة من “الفونت” أو من المعادن غير القابلة للصدأ، وبقطر لا يقل عن متر واحد، وتنقل المياه من نبع “السن” إلى اللاذقية، وهي تقع كلها تحت الأرض، على عمق بين ثلاثة وخمسة أمتار، وتُعرف مساراتها بسبب وجود نقاط معروفة باسم “فناطيس” هوائية، وهي أجهزة لتسريب ضغط الهواء من الأنابيب، كما يقول مهندس من مديرية الضخ في المحطة (جرى التحفظ على اسمه لأسباب أمنية)، وأغلبية مسارات “مرورها تحت اﻷرض معروفة بالنسبة إلى سكان المنطقة”.
تعني التعديات على هذه الخطوط، حسب حديث “حسين” (اسم مستعار لأسباب أمنية)، العامل في مؤسسة المياه باللاذقية، ثقب هذه الخطوط باستخدام أدوات ثقب كهربائية أو يدوية، وإحداث فجوات دائرية بأقطار مختلفة في جسم الأنبوب، ثم تركيب صمامات عليها تليها أنابيب لنقل المياه منها إلى أماكن أخرى، يساعد ضغط الضخ الكبير من محطة “السن” على سهولة انسياب المياه إلى أماكن تجميعها، وعلى عدم الحاجة إلى مضخات تعمل على الطاقة الكهربائية.
وتعتبر أغلبية التعديات التي يقوم بها المزارعون صغيرة الحجم بأقطار 0.75- 0.5 إنش (وحدة قياس تدفق المياه)، وتجري على الفروع الخارجة من خطوط الجر الرئيسة، وهي الخطوط المكشوفة، ولكن التعديات غير الظاهرة للعيان، هي اﻷهم واﻷكثر تأثيرًا، وتقع على خطوط الجر الرئيسة المخفية تحت اﻷرض، ولا يمكن كشفها دون توفر أجهزة مختصّة، إضافة إلى معرفة مواقع التعديات عبر شهادات اﻷهالي.
خسائر بمئات الملايين
لتقدير الخسائر المالية نتيجة التعديات والسرقة من خطوط الجرّ، جرى حساب السعر على أساس استخدامات المياه المسروقة، وهي سقاية المحاصيل وملء المسابح، ما يعني أنها تندرج في شريحة الاستخدام التجاري والصناعي والسياحي، إذ يبلغ سعر المتر المكعب 60 ليرة سورية حسب موقع مؤسسة مياه اللاذقية.
وعند حساب الأرقام والأسعار فإن قيمة المياه المسروقة تساوي كميتها مضروبة بسعرها، لتصل إلى نحو 449 مليون ليرة في السنة، على أساس الفاقد المسروق المؤكد، وإذا أضفنا الفاقد المسروق الكلّي حسب التقديرات، فإن القيمة الاقتصادية للمياه المسروقة ستصل إلى 897 مليون ليرة سورية، وهو المبلغ الذي كان من الممكن الاستفادة منه في مواقع أخرى، مثل حفر آبار جديدة أو إصلاح المتهالكة وغيرها. إذًا، أين تذهب هذه الكمية؟
جولة كشف المستور
في جولة التحقيق على مسار خط الجر الثاني الذي يمشي مع طريق بانياس- جبلة القديم، جرى توثيق عدد من التعديات وتسجيل إحداثياتها عبر “Google Earth”، حيث أكد عدد من المزارعين وجود تعديات بشكل دائم، بهدف سقاية الزراعات المحمية وأغلبها بيوت بلاستيكية مخصصة لزراعة الخضراوات، لكن اكتشافها ليس سهلًا، بحكم أنّ مرتكبها يتعرض للمساءلة القانونية، ولا يصرّح أصحاب التعديات عن سبب هذا التعدي مباشرة في ظل وجود قنوات جر مياه مخصصة للري.
أحد المزارعين (طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية)، برّر ذلك بالقول: “نحن أقرب إلى نهر السن من أي مدينة أو قرية أخرى، ومع ذلك فإننا نعاني من انقطاع مياه الشرب في كثير من اﻷوقات، ولذلك كان الحل هو الحصول على المياه من خطوط الجر الفرعية المتجهة إلى القرى اﻷخرى نفسها، وإخفاء هذه الخطوط عن أعين الضابطة المائية”.
عند اكتشافها من قبل الضابطة المائية، نتيجة إخباريات الجيران أو جهات أخرى، تقوم الضابطة المائية بتحرير محضر بالمخالفة ونزع ومصادرة اﻷنابيب، ولكن قد يحدث أن يتم فك اﻷنابيب دون تحرير ضبط بالمخالفة، حسب كل حالة، ويقول الموظف في مديرية المياه “أحمد” (اسم مستعار)، إنّ الضابطة المائية اكتشفت سرقات عديدة في الفترة الماضية بمنطقة بساتين الصوّاج (قرب مدينة جبلة).
إلى الحيتان
خلال مراقبة وعلى مدار أشهر لمسارات خطوط الجر في عدد من النقاط، مع الاستماع بشكل غير مباشر لأحاديث الناس، تبين أن الأهالي من سكان المنطقة يتداولون أسماء عدد من الضباط، بينهم من لا يزال على رأس عمله، وآخرون متقاعدون لكن يبدو أن سلطتهم لم تنتهِ بعد، بدليل وجود حراس يرتدون اللباس العسكري على مداخل فيلاتهم، إلا أن صعوبة معاينة نقاط سرقة المياه من داخل الفيلات التي يملكها هؤلاء الضباط، والمحاطة بالأسوار والحراسات، منعت توثيق التعديات بشكل مؤكد.
وفي إطار عملية بحث مستمرة، استطعنا التقاط طرف خيط قد يكون تأكيدًا لكلام الأهالي، فقد أشار صاحب محل على أوتوستراد اللاذقيةـ طرطوس إلى وجود تعدٍّ في منطقة مدخل مدينة جبلة، وتأكد فريق التحقيق من وجود مسبح (بركة سباحة) داخل الفيلا المحاطة بالحراس على مدار 24 ساعة.
(الصورة في الأسفل: الفيلا في لقطة قريبة، ومن الجو عبر تقنية “جوجل إيرث”)
وبناء على مساعدة موظف متخصص برصد المخالفات، وأحد الأشخاص، عمل حارسًا للفيلا في وقت سابق، (لا يمكن ذكر اسميهما لأسباب أمنية)، فإنّ المسبح تعود ملكيته للعقيد محمد علوش، وهو ضابط من مرتبات القصر الجمهوري.
الشاهدان أكدا أن المسبح يُملَأ عبر أنابيب خاصة مصدرها خط الجر اﻷول، تم تنفيذها منذ سنوات من قبل الحراس بأمر من الضابط مالك الفيلا، يضاف إليها سقاية ما لا يقل عن ثلاثة دونمات من أشجار الليمون والفواكه.
قمنا بجولة بالسيارة لتصوير محيط الفيلا (جرى توثيقها بالفيديو)، حيث واجهتنا مشكلة وجود حاجز أمني، على مسافة أمتار على الشارع العام قبالة الفيلا.
في موقع آخر أقرب إلى مدينة اللاذقية، ساعدنا الموظف المتخصص برصد المخالفات في التعرف إلى تعدّ آخر، إذ تبين أن الفيلا الموجودة على طريق جبلة اللاذقية تتزود بمياه الشرب عبر مصدرين، الأول خطوط مياه نظامية يتم استخدامها بشكل أقلّ، والثاني خط مسحوب بشكل مخالف من خط الجر اﻷول، الممتد تحت الأرض شمال الفيلا، وهي مياه مخصصة لبركة السباحة.
الموظف المتخصص تطابقت شهادته مع شهود من الجوار، ومع شهادة لأحد الحراس سأله فريق التحقيق، فأجاب بأن الخط المخالف موجود منذ سنوات.
تعرفنا بمقاطعة الشهادات أن الفيلا تعود ملكيتها إلى العميد إبراهيم محمد، وهو ضابط في الحرس الجمهوري، ومن خلال وجود الحراسة بلباس عسكري، يتبين أن مالكها شخص ذو منصب مرموق، لا يزال له حضوره وقوته الملحوظة.
الحارس قال، “معلمي (الضابط إبراهيم محمد)، لا يزور (الفيلا) إلا في فترات فصل الصيف”.
وفي منطقة رأس العين التابعة لمنطقة جبلة، استطاع التحقيق رصد مخالفة أخرى، في فيلا قرب جسر المرجان.
الموظف الذي وثق المخالفة سابقًا، دون أن تتمكن مؤسسة المياه من معالجتها، قال إن “هناك فعلًا أنبوبًا بقطر أربعة إنشات (نحو عشرة سنتيمترات) في مكان مخفيّ عن الأنظار، ويصل مباشرة من خط الجر الثاني إلى الفيلا المحاطة باﻷسوار”.
سيدة في الستينيات من عمرها قالت، إن الجميع في الجوار يعرف أن مالك الفيلا يسرق مياه الشرب، لكن لا أحد يجرؤ على محاسبته.
سعى التحقيق لتحديد اسم صاحب الفيلا، ليتبين أن ملكيتها تعود إلى العميد المتقاعد محمد ساتر، وهو ضابط سابق في القصر الجمهوري، عمل لسنوات طويلة في لبنان.
عقوبات تشجع على الفساد
حمل التحقيق تلك التعديات إلى عدد من الإداريين في مؤسسة المياه، إلا أنهم رفضوا التعليق على هذا الأمر، ولكنّ أحد الموظفين أشار لنا إلى أنّ المؤسسة حاولت عدة مرات إزالة مثل هذه التعديات، لكنها فشلت بسبب ارتباطات اﻷشخاص اﻷمنية والعسكرية العالية، ولكن هذا المصدر لم يستطع تحديد عدد الأفراد الذين يقومون بسرقة المياه والتعديات.
وفيما يخص الجانب القانوني للتعديات، قال المحامي “مرهف. م” إنها تشكّل “مخالفة قانونية صريحة في تعديها على اﻷملاك العامة وتسببها بالضرر الجزئي أو الكلي للآخرين”، حيث ينص قانون الاستثمار المائي رقم “31” لعام 2005 على أنه، مع عدم الإخلال بالعقوبات الأشد المنصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر، فإنه وفق المادة “35”: “يعاقَب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة حتى 200 ألف ليرة سورية (80 دولارًا حاليًا) كل من أقدم قصدًا على هدم أو تخريب كلي أو جزئي لإحدى منشآت الري الرئيسة، كالسدود ومحطات الضخ، أو قام قصدًا بتلويث مصادر المياه. وتنخفض العقوبة إلى الحبس من ستة أشهر إلى سنة والغرامة حتى 100 ألف ليرة سورية (40 دولارًا) لكل من أقدم قصدًا على هدم أو تخريب كلي أو جزئي لإحدى منشآت الانتفاع بالمياه وملحقاتها، كالعبارات وأقنية الشرب والري والصرف الرئيسة. كما يلزم الفاعل في كل الحالات بقيمة الأضرار الناتجة عن فعله”.
ويشير المحامي إلى أنه وقت صدور القانون كانت تلك المبالغ تعادل وسطيًا حوالي 500 دولار، وأنها كانت قيمة مرتفعة وقت صدورها، في دلالة على جدية المشرّع وحَزْمه في قمع هذه التعديات، ولكن في الوقت الحالي، فإنّ اﻷمر ليس ذا قيمة كبيرة، وهو ما يشجّع على استمرار هذه التعديات من جانب، ويسمح في الوقت نفسه بتغاضي الضابطة المائية عنها، مقابل فساد متوقّع منتشر وفي غياب آليات قانونية تنفيذية غير مرتبطة باﻷفراد أنفسهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :