بعد إثبات وقوع الجرائم ضد الإنسانية في النزاع المسلح، تتجه جهود المنظمات الحقوقية إلى تحديد مسؤولية الأفراد تجاه تلك الجرائم، إذ تكون حرية الاختيار هي أساس المسؤولية الجنائية.
كما يتم إيضاح أركان المسؤولية الجزائية خلال هذه الخطوات، وتتمثل في ركني الجريمة والأهلية الجزائية.
وتتعدد أنواع المسؤولية الجنائية الفردية بموجب القانون الدولي، بحيث تنقسم إلى المسؤولية المباشرة، ومسؤولية القيادة.
المسؤولية المباشرة
بحسب مبادئ القانون الدولي العرفي، في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن أي شخص قرر أو حرّض، أمر أو ارتكب أو ساعد أو شجّع، بأي شكل آخر في التخطيط أو الإعداد أو التنفيذ لجريمة بموجب القانون الدولي، قد يحمَّل مسؤولية فردية عن الجريمة.
وليس ضروريًا أن يكون المتهم عضوًا في القوات المسلحة كي تشمله المسؤولية، فيمكن أن يكون المدنيون مسؤولين جنائيًا عن انتهاكات للقانون الجنائي الدولي.
ولا تعفي المتهم حقيقة أنه كان يتصرف بناء على أوامر من الحكومة أو الرئيس من المسؤولية الفردية الجنائية، على الرغم من أن ذلك يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار وفقًا للمبادئ العامة للقانون في تخفيف العقوبة، إذا أمر قائد بتنفيذ أفعال معيّنة.
وبموجب المادة رقم “33” من نظام المحكمة الجنائية، “لا يُعفى الشخص من المسؤولية الجنائية إذا كان ارتكابه لتلك الجريمة قد جرى امتثالًا لأمر حكومة أو رئيس عسكري أو مدني، باستثناء الحالات الآتية:
1- إذا كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس المعني.
2- إذا لم يكن الشخص على علم بأن الأمر غير مشروع.
3- إذا لم تكن مشروعية هذا الأمر ظاهرة.
ومن أجل إعمال هذه المادة على الوجه المطلوب، فإن حالة عدم المشروعية تكون ظاهرة فيما إذا كانت تلك الأوامر من شأنها ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية.
اقرأ أيضًا: ما الفرق بين “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية” و”جرائم الإبادة الجماعية”
مسؤولية القيادة
يكون الرئيس أو القائد مسؤولًا عن الأفعال الجنائية الصادرة عن أفعال مرؤوسيه ممن يعملون تحت قيادته، وبالتالي يكون القائد على علاقة معيّنة مع مرؤوسيه لإعطاء الأوامر فعلًا.
ضمن هذه الحالة، وبموجب مبادئ القانون الجنائي الدولي، يكون القائد مسؤولًا عن أي أفعال جنائية تصدر عن مرؤوسيه.
ويتحمل القائد المسؤولية المباشرة عن أفعال نُفّذت وفقًا لذلك القرار.
ويجب ملاحظة الشخصية القانونية المتميزة لنوعين من مسؤولية الرئاسة، ففي حين أن المسؤولية الجنائية للرئاسة عن أفعال مؤكدة تتبع من المبادئ العامة لمسؤولية التواطؤ، فإن المسؤولية الجنائية للرؤساء لفشلهم في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع السلوك الجرمي من مرؤوسيهم أو قمعه، تُفهم بشكل أفضل عندما يُنظر إليها مقابل المبدأ الذي ينص على أن “المسؤولية الجنائية عن الإهمال تترتب فقط حيث يوجد التزام قانوني للفعل”.
ويفرض القانون الدولي واجبًا جازمًا على الرؤساء بمنع الأشخاص الخاضعين لسيطرتهم من ارتكاب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، وهذا الواجب في النهاية هو ما يقدم الأساس للمسؤولية الجنائية المنسوبة ويحدد ملامحها.
والصفة الرسمية التي يتمتع بها الرؤساء ليست بحد ذاتها سببًا لتخفيف العقوبة، فحصانة الرؤساء لا تُعفي من المسؤولية القانونية في الجرائم ضد الإنسانية.
ويكمن سبب عدم الاعتداد بالحصانة هو مبدأ “سيادة القانون الدولي” على القانون الداخلي، لأن حصانة كل من الرئيس والحكومة إنما تكون وفقًا للقانون الداخلي، وليس لها أن تعترض سبيل تطبيق قواعد القانون الدولي حين تقرر المسؤولية الجنائية لمن ارتكب فعلًا جريمة دولية.
وفيما يخص الحالة السورية، فإن إثبات المسؤولية الجنائية التي يتحملها الضالعون في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، يتطلب من الادعاء العام في أي محاكمة بشأن هذه القضايا تقديم أدلة قوية على أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والقيادات العسكرية التابعة له قد قصدوا بالتحديد ارتكاب هذه الجرائم ضد المدنيين المعارضين للحكم.
–