الشمال السوري محكوم بالليرة التركية رغم المخاطر الاقتصادية

  • 2021/11/28
  • 9:14 ص

بائع خضرة وفواكه في سوق مدينة إدلب- 7 من نيسان (عنب بلدي)

عنب بلدي – زينب مصري

انعكست آثار انخفاض الليرة التركية على الاقتصاد ومعيشة السكان في الشمال السوري، كونها العملة المستخدمة في التعاملات المالية والأعمال التجارية بعد اعتمادها بديلة عن الليرة السورية، التي شهدت تدهورًا غير مسبوق أدى إلى غلاء عام وانخفاض قدرة المواطنين الشرائية.

هذه الآثار أنتجت دعوات لاعتماد الدولار الأمريكي أساسًا للتعاملات المالية في الشمال أو العودة لاعتماد الليرة السورية بدل التركية، لكون الانخفاضات التي تشهدها مقابل الدولار، وما تسببه من ارتفاع في الأسعار، أقل من حيث القيمة مقارنة بانخفاض الليرة التركية وما يترتب عليه من ارتفاع في الأسعار، بحسب ما رصدته عنب بلدي من تعليقات سوريين مقيمين في الشمال على أنباء انخفاض الليرة التركية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هل العودة إلى الليرة السورية ممكنة؟

اعتمدت حكومتا “الإنقاذ” و”السورية المؤقتة” العاملتان في الشمال السوري الليرة التركية كعملة للتداول في حزيران 2020، كونها أكثر استقرارًا من الليرة السورية، إلى جانب تداول الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية الخارجية.

وجاء استبدال العملة التركية بالسورية في الشمال السوري بعد وصول سعر الصرف إلى حدود 3500 ليرة سورية للدولار الواحد في حزيران 2020، وسط مطالبات من سوريين بأن يكون الاستبدال حلًا مؤقتًا لحين الوصول إلى حل سياسي.

عند اتخاذ قرار استبدال الليرة التركية بالسورية لم تكن البدائل واسعة، فالليرة السورية بلغت حدًا من التدهور غير مسبوق، وحاليًا وعلى الرغم من الاستقرار النسبي لليرة السورية لمدة تزيد على ستة أشهر، لا وجود لأي ضمان اقتصادي بأن هذا الاستقرار مستمر.

فالاقتصاد السوري متهالك، وهذا ينعكس على الليرة، كما أن استمرار التقلّب بين الليرة السورية والتركية يضر باقتصاد الشمال السوري، ناهيك عن أن التدني الحالي في قيمة الليرة التركية ليس دائمًا، ومن المتوقع أن تعود للاستقرار قريبًا، بحسب الباحث قي الاقتصاد السياسي الدكتور يحيى السيد عمر.

من جهته، قال وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، في حديث إلى عنب بلدي، إن المواطنين في الشمال السوري معتادون على التعامل بالليرة السورية، ولا يدل انخفاض الليرة التركية (حتى لمستويات متدنية أكثر) على أن الاقتصاد التركي منهار.

وأضاف المصري أن الاقتصاد السوري منهار ولا يوجد ناتج محلي أو صادرات، ومن الممكن أن يصل سعر الدولار مقابل الليرة السورية إلى عشرة آلاف ليرة، ولولا الدعم المقدم من حلفاء النظام روسيا وإيران (الذي لا يطالبون به الآن) لوصل سعر الصرف إلى مستويات متدنية قياسية، وإذا طالب حلفاء النظام بأموالهم التي لا تُعرف قيمتها، من الممكن انهيار الاقتصاد السوري، ولذلك لا يمكن العودة إلى التعامل بالليرة السورية في الشمال.

بينما تركيا واحدة من الدول الـ20 القوية اقتصاديًا، وناتجها المحلي يُقدر بـ750 مليار دولار، لذلك لا يمكن مقارنة عملتها بالعملة السورية.

لماذا لم يُعتمد الدولار منذ البداية؟

من غير الممكن استبدال الدولار بالعملات المستخدمة في الشمال، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر في حديثه إلى عنب بلدي، فحتى تستبدل عملة بأخرى يجب توفر مصادر إمداد مستقرة من العملة الجديدة.

وأضاف أن لا مصادر للدولار الأمريكي في الشمال السوري إلا تحويلات المغتربين وبعض التصدير إلى تركيا الذي لا يلبي الطلب الفعلي على الدولار، وهذا ما يعني وقوع المنطقة بعجز نقدي في حال اعتماد الدولار.

بينما في حال الليرة، فالدولة التركية قدمت مصادر توريد مستقرة من عملتها من خلال مكاتب البريد، لذلك فاستبدال الدولار بالليرة السورية من شأنه الإضرار باقتصاد الداخل السوري.

ولتوضيح هذه النقطة، قدم السيد عمر الحالة اللبنانية كمثال، فعقب انهيار الليرة اللبنانية في الحرب الأهلية اللبنانية تم اعتماد الدولار بالتوازي مع الليرة اللبنانية، ونجحت عملية إدخال الدولار في التداول نتيجة وجود مصادر مستقرة للدولار، تتمثل بالسياحة بالدرجة الأولى إضافة إلى تصدير المنتجات الزراعية وغيرها.

الحل بالدعم الحكومي أم بزيادة الأجور؟

مع الانخفاض المتواصل لليرة التركية خلال الفترة الماضية، رفعت شركة “وتد” للمحروقات العاملة في الشمال أسعار المحروقات والغاز المنزلي خمس مرات خلال تشرين الثاني الحالي، قبل أن تعود لتخفيض الأسعار مع تحسّن طفيف بالليرة جرى مع زيارة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى تركيا.

وأعلنت حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب عن تسعيرة جديدة للخبز في 17 من تشرين الثاني الحالي، تبلغ 2.5 ليرة تركية لربطة الخبز التي تحتوي خمسة أرغفة بوزن 450 غرامًا، ما أثار غضبًا بين السكان بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

وإثر ذلك، عقد “مجلس الشورى” التابع للحكومة اجتماعًا مع وزارة الاقتصاد في 23 من تشرين الثاني الحالي، بحضور قيادات عاملة في الشمال ووزراء في حكومة “الإنقاذ”، وعدد من الشخصيات المعنية بالوضع الاقتصادي، والقائد العام لـ”هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”.

وجاء في الاجتماع دعم حكومة “الإنقاذ” مادة الخبز بمبلغ معيّن، يتمثل بدعم الأفران الحكومية، والأفران العاملة في المنطقة، ويشمل الدعم من 35 إلى 40 فرنًا، وتحديد سعر ربطة الخبز بـ2.5 ليرة تركية بوزن 600 غرام، إلى حين انتهاء “الأزمة الاقتصادية”.

وأوضح الباحث أن لتدني قيمة الليرة التركية أثرًا واضحًا على الأسعار في الشمال، ويمكن اتخاذ عدة إجراءات لمعالجة هذه الحالة، منها وضع حد أدنى للأجور والرواتب بحيث يتناسب مع الأسعار الجديدة.

واستبعد الباحث فكرة الدعم الحكومي للمواد الأساسية، لأنه منخفض الفعالية كونه يعد نظامًا ذا بيئة خصبة للفساد المالي، ويظهر هذا من خلال الفساد “الهائل” في مؤسسات النظام الذي يتبع مبدأ دعم المواد الأساسية.

ويرى السيد عمر أن الحل يكمن في رفع مستوى الأجور، والرقابة على الأسعار بحيث لا تتجاوز مقدار التدني في قيمة الليرة، ففي ظل ظروف كهذه، يستغل العديد من التجار ضبابية الأسعار لتحقيق أرباح إضافية على حساب المستهلكين.

وأشار وزير الاقتصاد، عبد الحكيم المصري، إلى أن الحكومة “المؤقتة” تحدد كل شهرين الحد الأدنى من حاجة العائلة في الشمال، وتعممها لجميع الوزارات والهيئات وتشاركها مع الإعلام عند الطلب، وعلى هذا الأساس تُحدد الأجور.

ولكن لا أحد يلتزم بهذا التحديد، حتى لو تم، بحسب الوزير، بسبب ارتفاع مستويات البطالة، ووجود عرض لليد العاملة ما يفرض أجورًا منخفضة.

ويقع على عاتق الحكومة تأمين الخبز والطحين، ففي عدد كبير من المناطق تُباع ربطة الخبز بوزن 700 غرام بليرة تركية واحدة، بحسب المصري الذي أوضح عدم وجود رسوم للوقود والمحروقات، وانخفاض الرسوم الجمركية للمواد الغذائية لكيلا تتأثر أسعار المواد الغذائية، بالإضافة إلى فتح الاستيراد أمام جميع الناس لخلق منافسة تامة ما يجعل الأسعار بحدها المقبول.

ويعاني حوالي 12.4 مليون شخص (ما يقرب من 60% من السكان) من انعدام الأمن الغذائي في سوريا، ولا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، وهذا أعلى رقم سُجل في تاريخ سوريا بزيادة نسبتها 57% عن عام 2019، بحسب إحصائيات لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

وارتفع سعر سلة الأغذية الأساسية أكثر من الضعف، مقارنة بعام 2020 فقط، و”أصبح الآن بعيدًا عن متناول ملايين العائلات”، بحسب الإحصائيات الأممية.

لماذا انخفضت الليرة التركية؟

أردوغان يخوض “حرب الاستقلال الاقتصادي”.. الليرة تنهار

بعد أن استقرت عند متوسط 8.5 ليرة للدولار الواحد، بدأت العملة التركية تشهد انخفاضًا عقب تخفيض المصرف المركزي التركي سعر الفائدة 100 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء (الريبو) لأجل أسبوع ليصبح 18%، في 23 من أيلول الماضي.

وبسبب معارضتهم لهذا التخفيض، استبدل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أعضاء لجنة السياسة النقدية في المصرف المركزي، ما تسبب في مزيد من الانخفاض، بحسب ما تداولته وسائل إعلام تركية معارضة.

وفي 14 من تشرين الأول الماضي، أقال أردوغان نائبي حاكم المصرف المركزي، سميح تومن، وأوغور نامق كوتشوك، وعضو مجلس السياسة النقدية عبد الله يافاش، ما أدى إلى انخفاض الليرة لتسجل 9.16 ليرة مقابل الدولار الواحد.

وعيّن أردوغان، بدلًا عن المُقالين، طه تشاكماك نائبًا جديدًا لحاكم المصرف المركزي، ويوسف تونا عضوًا جديدًا في لجنة السياسة النقدية.

وما تسبب بمواصلة التدهور في قيمة الليرة، تخفيض أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال شهرين، إذ خفّض المركزي سعر الفائدة بمعدل 200 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء (الريبو) لأجل أسبوع ليصبح 16%، في 21 من تشرين الأول الماضي.

وفي 18 من تشرين الثاني الحالي، أعلن البنك المركزي التركي عن خفض سعر الفائدة من 16% إلى 15% بمعدل 100 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء (الريبو)، لمدة أسبوع واحد، ما أدى إلى وصول سعر صرف الدولار إلى 11 ليرة تركية.

وواصلت الليرة التركية تكبّد خسائر مع إعلان الرئيس التركي، في 22 من تشرين الثاني الحالي، أن السياسة المتشددة لأسعار الفائدة لن تخفض التضخم، وتعهده بالنجاح في ما سماها “حرب الاستقلال الاقتصادي”، وإعلان المركزي التركي تطبيقه نظام تحديد سعر الصرف العائم، وعدم وجود أي التزام بأي مستوى لسعر الصرف.

واعتبر بيان صادر عن المركزي، في 23 من تشرين الثاني الحالي، أن هناك موجة مبيعات في الليرة التركية “غير واقعية ومنفصلة تمامًا عن الواقع، مشيرًا إلى إمكانية تدخله فقط في ظل ظروف معيّنة لتقلبات مفرطة، ليلامس سعر الصرف عتبة 13 ليرة تركية للدولار الواحد.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية