اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة، بأن غارات جوية لم يُكشف عنها في سوريا نُفّذت قبل أيام من سقوط تنظيم “الدولة الإسلامية” في عام 2019، ما أسفر عن مقتل عدة مدنيين بينهم نساء وأطفال، بحسب القيادة المركزية الأمريكية.
جاء هذا الاعتراف بعد نشر تحقيق أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” بشأن الضربات الجوية الأمريكية، نُشر في 15 من تشرين الثاني الحالي.
وبحسب ما جاء في تحقيق الصحيفة، اخترقت طائرة مقاتلة أمريكية من طراز “F-15E”، دون سابق إنذار، مجال الرؤية عالي الدقة للطائرة من دون طيار، وأسقطت قنبلة وزنها 500 رطل على مجموعة من الناس، ثم قامت طائرة تتبعها بإلقاء قنبلة زنة 2000 رطل، ما أدى إلى مقتل معظم المدنيين في هذه المجموعة.
وفي آذار 2019، طلبت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المسيطرة على شمال شرقي سوريا، دعمًا جويًا من أمريكا حين تعرضت لعدة هجمات مكثفة من تنظيم “الدولة الإسلامية”، وبناء على ذلك، حاصرت قوات “التحالف الدولي” بقيادة أمريكا آخر معاقل “التنظيم” في بلدة الباغوز بريف البوكمال الشرقي قرب الحدود السورية- العراقية.
وفي الأيام الأخيرة من الحصار، شن تنظيم “الدولة” هجومه المضاد باستخدام الأسلحة الصغيرة والقذائف الصاروخية والتفجيرات الانتحارية.
وكان التحالف الدولي أعلن مسؤوليته عن مقتل 1257 مدنيًا في أكثر من 34 ألف غارة شنها ضد مواقع تنظيم “الدولة” في العراق وسوريا خلال ما يزيد على أربعة أعوام، حسبما نقلت وكالة “أسوشيتيد بريس“، في 28 من آذار 2019.
تعويضات على سبيل الهبة
بناء على هذه المعطيات، تم إنشاء برنامج أمريكي للتعويضات في شمال شرقي سوريا، في تشرين الثاني الحالي، يستهدف ضحايا معيّنين جراء الضربات الجوية الأمريكية، ضمن برامج واسعة النطاق لإصلاح البنية التحتية في المنطقة، وفق ما جاء في ورقة بحثية صادرة عن “المركز السوري للعدالة والمساءلة”.
ويهدف هذا البرنامج إلى دعم جميع المجتمعات المحلية التي تضررت جراء قصف التحالف، ويضمن البرنامج تقديم الولايات المتحدة تعويضات محددة كلما أمكن.
كما سيكون بإمكان الضحايا الذين لا يحق لهم التقدم لطلب الحصول على تعويضات، بسبب عدم توفر الوثائق الثبوتية المتعلقة بتلك الحوادث أو بسبب عدم الشعور بالراحة من الناحية المعنوية عند تسلّم مبلغ بعد وفاة أحد الأقارب، الحصول على تعويضات على المستوى المحلي، بمعنى الحصول على تعويضات كونهم من عاشوا في تلك المنطقة في أثناء قصف التحالف.
ويعتبر توصيف تلك المبالغ المدفوعة ضمن التعويضات، وفق الورقة البحثية المنشورة، على سبيل الهبة، بما في ذلك التعويض النقدي والاعتذار الرسمي على حد سواء.
وتعتبر الورقة البحثية أن برنامج المبالغ المدفوعة على سبيل الهبة أمر “مجدٍ ومناسب” بالنظر إلى التبعات التي لحقت بالضحايا المدنيين جراء الأعمال العسكرية الأمريكية.
وقد تكون منظمات حقوق الإنسان، ومن ضمنها “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، قادرة على تقديم الوثائق الثبوتية والتحقق من المعلومات المتعلقة بالمطالبات والادعاءات.
إيجاد معيار واضح للتعويضات
ويجب على الولايات المتحدة إيجاد نظام معياري يسهل الوصول إليه لتقديم طلبات الحصول على التعويضات المالية، كما ينبغي أن يسمح نظام كهذا بتقديم الطلبات من قبل الضحايا والأطراف الخارجية، مثل المنظمات المدنية غير الحكومية، وأفراد التحالف.
وبما أن الضحايا قد يكونون في مناطق متفرقة، يجب على نظام التعويضات السماح بتقديم الطلبات سواء بشكل إلكتروني أو شخصي، أو عبر هاتف مخصص، وباللغات الإنجليزية أو العربية أو الكردية، والتحقق من كل مطالبة بالاستفادة من السجلات والوثائق الموجودة لدى الحكومة الأمريكية، بالإضافة إلى سجلات المصادر المفتوحة، وتلك التي يتم جمعها من قبل المنظمات غير الحكومية.
وبحسب الورقة البحثية، يجب أن يُختتم كل تحقيق بإعداد تقرير يفصّل المطالبة والسبب وراء قبولها أو رفضها.
وبالنسبة إلى بعض السوريين الذين أصيبوا جراء الضربات الجوية للتحالف، لن يكون تقديم مبلغ لمرة واحدة كافيًا للتعويض عن الضرر الحاصل، وفق ما قدّرته الورقة البحثية، وبسبب الافتقار إلى البنية التحتية الطبية محليًا، قد يحتاج هؤلاء الضحايا إلى الحصول على العلاج في الولايات المتحدة.
تقييم الضربات قانونيًا
بحسب ما قاله مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، عبر صفحته في “فيس بوك”، فإن هناك نوعين من الضربات الجوية التي قام بها “التحالف الدولي” للقضاء على تنظيم “الدولة”، وهي ضربات قانونية وغير قانونية.
تعتبر الضربات القانونية تلك التي استهدفت قواعد ومقرات عسكرية واضحة يمكن تحديدها والوصول إلى نتائج عسكرية منها.
أما الضربات غير القانونية، فهي أيضًا يمكن أن تستهدف مواقع عسكرية، إلا أنها لا تحترم المعايير التي وضعها القانون الإنساني.
ومن أجل تحديد ما إذا كانت الضربات في شمال شرقي سوريا قانونية أو غير قانونية، فيجب النظر إلى كل ضربة على حدة، عن طريق التحقيق بكل ضربة، من خلال تنقيحها وتحليلها.
ماذا بالنسبة إلى المفقودين
حين دخل تنظيم “الدولة” إلى شمال شرقي سوريا، تعرّض من تصدى للتنظيم للخطف والاختفاء، وكانت هناك آمال بأن يجدوا عائلات المفقودين والمخطوفين، وأن تنكشف المعلومات بشأن أحبائهم بعد هزيمة التنظيم.
إلا أن تلك المعلومات بقيت صعبة المنال، بما في ذلك للعائلات البالغ عددها 12 ألفًا والتي أبلغت فريق “الاستجابة الأولي المحلي” عن أشخاص مفقودين.
ويجب على الولايات المتحدة، بحسب الورقة البحثية، فتح تحقيق ومراجعة الأدلة على الجرائم التي ارتكبها تنظيم “الدولة”، والتي جُمعت من قبل أمريكا والقوات المسيطرة حاليًا على شمال شرقي سوريا، متمثلة بـ”قسد”.
كما يجب تيسير استجواب مقاتلي تنظيم “الدولة” المحتجزين في شمال شرقي سوريا، والتحقيق معهم بشأن المفقودين والمختطفين من قبل التنظيم.
–