شركات استثمارية يحتاج إليها الشمال تشق طريقها في سرمدا

  • 2021/11/21
  • 10:04 ص

توزيع أرباح شركة "نماء" في مقر الشركة بمدينة سرمدا (شركة سرمدا)

عنب بلدي – زينب مصري

صنعت مجريات الأحداث في سوريا تحوّلًا أساسيًا في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة الواقعة شمالي البلاد بالقرب من الحدود مع تركيا، وحوّلت بعض القرى والمدن الصغيرة إلى مراكز اقتصادية، بعد أن كانت حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا.

وتُجسّد مدينة سرمدا، الواقعة بالقرب من معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا في ريف محافظة إدلب الشمالي، هذا التحوّل، إضافة إلى بعض القرى الصغيرة الأخرى التي صارت مراكز اقتصادية مع قريتي أطمة وقاح، والتي تشهد كثافة سكانية عالية نظرًا إلى انتشار أعداد كبيرة من مخيمات النازحين فيها.

وانتشرت العديد من الشركات والمشاريع الاستثمارية في هذه المدن، نظرًا إلى كثافتها السكانية وقربها من الحدود التركية وانتشار الأمان بشكل نسبي فيها.

ما الحاجة إلى الاستثمار في الشمال؟

وتنبع الحاجة إلى وجود شركات استثمار في الشمال السوري من وجود رأسمال معقول بين أيدي الناس، لكنه في حالة “عطالة وتآكل” بفعل التضخم، مع وجود فرص استثمارية جيدة، لما تتمتع به محافظة إدلب من إمكانات وكثافة سكانية وموقع جغرافي جيد.

ووجود شركات استثمارية سيسمح باستغلال الفرص الاستثمارية، ما يزيد من الحركة الاقتصادية وتحقيق التنمية للمنطقة، وهو ما يؤدي إلى تشغيل المزيد من الأيدي العاملة وخصوصًا خريجي الجامعات، بحسب ما قاله مكتب العلاقات العامة في شركة “نماء” الاستثمارية العاملة في الشمال، لعنب بلدي.

وشركة “نماء” واحدة من الشركات المختصة في مجال التمويل الاستثماري بالمنطقة، تعمل برأسمال مدفوع بالكامل من قبل مساهمين أفراد ومؤسسات، على أن تستثمر رأس المال هذا في مشاريع عدة، من تأسيس الشركات التجارية إلى مشاريع التطوير العقاري، مرورًا بتجارة المحروقات، وغيرها من تمويل صفقات الاستيراد والتجارة العامة.

العقارات على رأس الاستثمارات

وأضاف مكتب العلاقات العامة في الشركة، أن أهم مجالات الاستثمار في المنطقة تشمل القطاع العقاري، والقطاع الصحي، وتمويل المناقصات، بالإضافة إلى الاستثمار في استخراج الحجر والرخام وتصديره، ما يؤدي إلى إدخال العملة الصعبة إلى الشمال السوري.

وأشار إلى وجود فرص واعدة لمجالات أخرى قد تكون ذات قيمة استثمارية عليا، كالاستثمار في الثروة الحيوانية والطاقة النظيفة وبعض التخصصات الصناعية.

وأوضحت الشركة أن أهم عائق أمام شركات الاستثمار بشكل عام في الشمال هو حالة عدم الاستقرار في الوقت الحالي، في ظل وجود احتمال لاندلاع مواجهات عسكرية، إذ يقدم الناس في مثل هذه الحالات على حفظ أموالهم وعدم المساس بها كإجراء احتياطي تحسبًا لموجات تهجير جديدة.

كما توجد أمور أخرى تزيد من صعوبة العمل الاستثماري، كقلة الخبرات المطلوبة، الخبرات المحاسبية على وجه الخصوص، وصعوبة الدخول في المجالات الصناعية بسبب عدم الاستقرار، وحالة شبه الحصار التي يتعرض لها الشمال.

وكان للأزمة الاقتصادية العالمية بعد انتشار جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) انعكاسات مهمة على مناطق الشمال، أدت إلى موجة غلاء عامة وخصوصًا أسعار المحروقات والواردات بشكل عام، وأدت أيضًا إلى انهيارات في قيمة الليرة التركية، وهي العملة الرئيسة المعتمدة في منطقة إدلب.

التحدي الأكبر.. غياب الاستقرار

الخبير والباحث الاقتصادي خالد تركاوي قال لعنب بلدي، إن سبب انتشار الاستثمار في المناطق الحدودية بالشمال السوري كسرمدا والدانا، وانتشار العديد من المحال فيها وبعض المصانع والورشات، هو الأمان النسبي.

وأضاف أن فكرة الأمان شجعت على وجود استثمارات في المنطقة، وجعلتها تكتظ بالسكان، ما سيعطيها أهمية لأن وجود الناس فيها يوسع السوق.

ومستقبل هذه المناطق هو التوسع، بحسب تركاوي، لأن الناس يبحثون عن مزيد من الفرص، وبدأت مدن صناعية تنشأ في الشمال السوري، ما سيؤدي إلى نشوء أسواق جديدة في مناطق أخرى، وبالتالي توسع للنشاط الاقتصادي على الحدود.

من جهته، قال الباحث والدكتور في الاقتصاد كرم شعار، إن المشكلة الأساسية التي تعاني منها الاستثمارات أو المشاريع التي بدأت بالظهور في مدن مثل سرمدا والدانا وحتى المدن الصناعية في ريف حلب، هي تخوف المستثمرين من تأسيس أي أنشطة طويلة الأجل.

وأرجع الباحث ذلك، في حديثه لعنب بلدي، إلى غياب الوضوح في مستقبل هذه المشاريع، كما أن رأس المال “جبان”، بحسب تعبيره، وهذا ما يجعل الاستثمار محدودًا في المنطقة.

وبناء على ذلك، تكون أغلبية المشاريع ذات عائد سريع جدًا، وتخلو من الإنفاق الاستثماري الكبير، بمعنى أنها مشاريع ترتبط، على سبيل المثال، بحصاد بعض المنتجات الزراعية، أو تعليب بعض السلع وتصديرها إلى تركيا، أو عصر الزيتون وبيعه خارج سوريا.

ويرى شعار أن وجود هذه الاستثمارات في الشمال له أثر إيجابي على سكان المنطقة، كما أن أحد الحوافز الكبيرة للاستثمار بمناطق شمال غربي سوريا بشكل عام هو اليد العاملة الرخيصة، ولكن عدم الاستقرار الأمني، وعدم وضوح الأفق السياسي والاقتصادي للمنطقة يجعل الاستثمار فيها “غير جذاب”.

الاستثمار يحسّن واقع المعيشة

وترى شركة “نماء” أن الأثر الأهم لوجود الشركات الاستثمارية في الشمال هو تشغيل أموال المواطنين في مجالات استثمارية تعود بالنفع العام على المنطقة، ما يسهم أيضًا في التقليل من نسب البطالة، وحينما يتم توجيه هذه الاستثمارات بشكل مدروس وتوجد التسهيلات اللازمة، ستحل المشكلات الاقتصادية في الشمال مع مرور الوقت.

كما أن تطوير العمل الاستثماري في المنطقة يجلب رؤوس أموال من الخارج لتشغيلها في المنطقة، ما يترك أثرًا مهمًا جدًا في تحسين الوضع المعيشي لسكان الشمال ككل، ويسهم في تحسين جودة الصحة والتعليم، ويرفع معدلات التنمية.

ما الذي يميّز المنطقة؟

وتُشكّل المنطقة الفاصلة التي تشمل سرمدا وباب الهوى ظاهرة “غير مألوفة”، فهي ليست منطقة حدودية تقليدية تفصل بين دولتين سياديتين، على الرغم من أنها تستوفي فعليًا هذا الدور، ولا هي منطقة حرّة أنشأتها دولتان سياديتان لتسهيل التجارة، علمًا بأنها تؤدي هذا الدور أيضًا، بحسب دراسة بعنوان “كيف تحولت بلدة سرمدا الصغيرة إلى بوابة سوريا إلى العالم الخارجي”، صادرة في 2 من حزيران الماضي، عن مركز “مالكوم كير-كارينغي” للشرق الأوسط.

وقالت الدراسة، إنه يمكن النظر إلى ظاهرة “سرمدا- باب الهوى” على أنها بوابة متعددة المنافذ نشأت بصورة طبيعية، أي وُلدت من رحم الظروف القائمة أكثر منه عن سابق تصوّر وتصميم، بين المنظومات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المختلفة في تركيا وسوريا.

إذ تعد سرمدا من الناحية الاقتصادية بمنزلة صلة وصل بين المنظومة المالية- المصرفية الواضحة المعالم والمعترف بها دوليًا في تركيا وسائر أنحاء العالم، وبين المنظومة المالية- المصرفية “الغامضة” نسبيًا في إدلب، والتي يديرها أفرقاء غير دوليين، وتفتقر إلى إطار تنظيمي واضح.

وتكمن فرادة هذه البوابة المتعددة المنافذ في عدم ممارسة أي فريق سيطرة محكمة عليها، بحسب الدراسة، فتركيا مثلًا، وهي الجهة الدولية الوحيدة ذات الحضور القوي على الأرض في إدلب، تمارس نفوذًا في المنطقة، ولكنها لا تتمتّع بسيطرة محكمة هناك.

وينطبق هذا الأمر أيضًا على “هيئة تحرير الشام” التي تحكم الجزء الأكبر من إدلب بالمعنى الجغرافي المباشر، والتي تحكّمت بمنطقة سرمدا- باب الهوى وحصدت بعض المنافع، لكنها أحجمت عن ممارسة سيطرة كاملة على المنطقة، لأن خطوة كهذه قد ترتد بنتائج عكسية عليها.

مقالات متعلقة

  1. مدينة "باب الهوى" الصناعية.. محاولة لخلق بيئة اقتصادية
  2. ضحايا مدنيون جراء انفجار "مفخخة" في سرمدا
  3. تفاصيل اقتحام "تحرير الشام" مدينة سرمدا بريف إدلب
  4. مجزرة جديدة ينفذها الطيران الحربي في سرمدا الحدودية

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية