عنب بلدي – جنى العيسى
زادت وتيرة استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي مواقع في سوريا، منها مواقع إيرانية، بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 22 من تشرين الأول الماضي.
ومنذ ذلك اللقاء، تداولت العديد من وسائل الإعلام منها الإسرائيلية، الحديث عن توافق روسي- إسرائيلي على إخراج إيران من المشهد السوري، وعلى استمرار سياسة إسرائيل تجاه سوريا، بما فيها السماح لها بالقيام بضرباتها الجوية ضد مواقع في سوريا.
إلا أن التصريحات الرسمية الروسية العلنية تشير إلى عدم وجود اتفاق مع إسرائيل على السماح لها باستهداف مواقع في سوريا، بل وتظهر “عدم رضاها” بذلك أيضًا.
وتفسر سياسة روسيا حيال هذا الموضوع بمصالح قد تُحصلها جراء استهداف إسرائيل مواقع إيرانية في سوريا، لكنها لا تريد إعلان ضلوعها في الاتفاق لأسباب عديدة، ربما منها “وجودها ضمن تحالف إيران والنظام السوري”.
“من تحت الطاولة”.. روسيا توافق إسرائيل
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في 24 من تشرين الأول الماضي، عقب لقائه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن روسيا أبدت اهتمامًا واضحًا باحتياجات إسرائيل الأمنية فيما يتعلق بالوضع في سوريا.
وأوضح بينيت أن الاجتماع مع بوتين شهد اتفاقات جديدة ومستقرة (لم يذكر تفاصيلها)، مضيفًا أنه وجد لدى الرئيس الروسي “أذنًا مصغية بشأن احتياجات إسرائيل الأمنية”.
وفي 2 من تشرين الثاني الحالي، تحدثت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عن توافق روسي- إسرائيلي على إخراج إيران من المشهد السوري، جرى خلال لقاء بينيت وبوتين في 22 من تشرين الأول الماضي.
وذكرت الصحيفة أن إسرائيل تعمل على “المهمة الصعبة المتمثلة بتدمير أحلام إيران بالهيمنة الإقليمية”، عبر شنّ مئات الضربات الجوية ضد مواقعها في سوريا.
وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، زئيف إلكين، الذي كان مترجمًا للقاء بوتين وبينيت، قال بحسب ما نقلته الصحيفة، إن الجانبين اتفقا على استمرار سياسة إسرائيل تجاه سوريا، بما في ذلك الضربات الجوية.
كما نقلت الصحيفة عن ضابط في سلاح الجو الإسرائيلي لم تسمّه قوله، إن من المحتمل أن يكون اللقاء الروسي- الإسرائيلي في سوتشي، هو اللقاء الذي وافق خلاله قادة الجانبين على العمل لإخراج إيران من سوريا.
الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر، أكد أن التفاهمات الإسرائيلية- الروسية الحالية ليست جديدة، وإنما هي تفاهمات قديمة بدأت منذ بدء التدخل الروسي في سوريا عام 2015، معتبرًا أن الرئيس الروسي جدد الاتفاق عليها فقط مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وهو ما يفسر تزايد وتيرة الهجمات الإسرائيلية منذ لقاء الجانبين خلال الشهر الماضي.
وأوضح جبر، في حديث إلى عنب بلدي، أن التفاهمات منذ بدايتها تضمنت نقاطًا أساسية عدة، تمحورت حول عدم السماح بتحول الأراضي السورية إلى مصدر تهديد لـ”أمن إسرائيل”، والسماح للأخيرة بتوجيه ضربات عسكرية على المناطق التي قد تحمل التهديد أو المخاطر لأمنها، بالإضافة إلى شروط تفرض بأن “تسوية” ستحدث في سوريا يجب أن تتضمن مصالح إسرائيل الأمنية.
وأضاف الصحفي رائد جبر، أن هذه التفاهمات ظلت قيد التنفيذ على مدار سنوات طويلة، غضت موسكو خلالها النظر عن جميع الضربات الإسرائيلية الموجهة إلى مواقع إيرانية أو حتى تابعة للنظام في سوريا.
واعتبر جبر أن مصلحة روسيا في تلك التفاهمات، تكمن في رغبتها بإضعاف النفوذ الإيراني ووجودها العسكري في سوريا، الأمر الذي يدخل في إطار التنافس الروسي- الإيراني الحاصل حاليًا على الأراضي السورية.
كما أكد الكاتب والباحث في الشأن الإيراني ضياء قدور، أن التفاهمات الإسرائيلية- الروسية حيال الضربات الإسرائيلية في سوريا، تفاهمات قديمة تم تجديدها والتأكيد عليها “لضرورتها الأمنية”، مستندًا إلى مؤشرات واضحة على الأرض.
وأوضح قدور، في حديث إلى عنب بلدي، أن “ضرورة التفاهمات” تأتي في سياق الحاجة إلى التنسيق الأمني والعسكري من أجل “تفادي الأخطاء” التي حدثت سابقًا، مذكرًا بحادثة إسقاط المضادات الجوية التابعة للنظام السوري طائرة روسية عن طريق الخطأ عام 2018.
واعتبر قدور، وهو ضابط ومهندس منشق عن النظام السوري، أن كمّ الضربات الإسرائيلية “الناجعة” باستهداف إيران في سوريا، مؤشر كافٍ يؤكد إعطاء روسيا الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفذ هجماتها، فضلًا عن استهدافها مواقع إيرانية لا تبعد سوى بعض الكيلومترات عن قواعد ونقاط عسكرية روسية، لم يتأذَّ خلالها أي موقع أو جندي عسكري، ما يوضح “التنسيق العالي المستوى” بين الجانبين.
في العلن.. روسيا “غير راضية”
رغم تأكيد مصادر سياسية عدة عدم معارضة روسيا ضمنيًا استهداف إسرائيل مواقع إيرانية في سوريا، فإن التصريحات الرسمية الروسية تناقض حديث تلك المصادر، إذ تندد بتلك الضربات وتبدي عدم الرضا الروسي عنها.
ففي 15 من تشرين الثاني الحالي، قال السفير الروسي في إسرائيل، أناتولي فيكتوروف، إن بلاده غير راضية عن زيادة الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل في سوريا.
وعبّر فيكتوروف عن الموقف الروسي من الهجمات الإسرائيلية في سوريا بالقول، “ليست هذه هي الطريقة المناسبة، ومن الواضح أننا لا نحب ذلك، ويجب ألا تصبح سوريا ساحة لمواجهات بين الدول الأخرى”.
كما علّق المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، عقب لقاء جمعه مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بدمشق في 17 من تشرين الثاني الحالي، على الهجمات الإسرائيلية على سوريا.
وقال لافرنتييف، إن بلاده “ترفض بشكل قاطع هذه الأعمال اللاإنسانية”، داعيًا إلى التواصل مع الطرف الإسرائيلي على جميع المستويات، “لضرورة احترام سيادة سوريا، ووقف عمليات القصف على أراضيها”.
وأضاف المبعوث الخاص لبوتين، أن الرد على الهجمات الإسرائيلية باستخدام القوة “سيكون غير بنّاء، لأن لا أحد يحتاج إلى حرب جديدة على الأراضي السورية”.
وقد توحي مختلف التصريحات الروسية العلنية، بأنها تقف تمامًا ضد إسرائيل في استهدافها مواقع إيرانية في سوريا، عكس التسريبات والتصريحات الإسرائيلية التي تؤكد وجود تفاهمات في هذا السياق بين البلدين.
ولا تعلن موسكو عن وجود تلك التفاهمات بسبب تحالفها مع إيران من جهة، ولمحاولتها المحافظة على “توازن دقيق وصعب” في علاقاتها مع الأطراف المختلفة الموجودة في سوريا من جهة ثانية، بحسب ما يراه الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر.
واعتبر جبر أن أبرز ما يشير إلى أن روسيا “ملتزمة تمامًا” بهذه التفاهمات، حديث المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، بعد لقائه بالأسد في دمشق، مشيرًا إلى أن طلب المبعوث التواصل مع تل أبيب ورفض روسيا للهجمات، “عبارات واضحة” تؤكد درجة التزامها بالاتفاق من جهة، وتؤكد عدم إعلانها الموافقة من جهة أخرى، بالإضافة إلى تصعيد الضربات الإسرائيلية الواضح بعد زيارة بينيت إلى موسكو.
ما مصلحة روسيا؟
يرى الكاتب والباحث في الشأن الإيراني ضياء قدور، أن مصلحة روسيا في موافقتها على شنّ إسرائيل ضربات تستهدف إيران في سوريا، تأتي انطلاقًا من رغبتها في إخراج إيران والحدّ من هيمنة نفوذها على الأراضي السورية.
وأضاف قدور أن روسيا ترى في النفوذ الإيراني “تهديدًا لمصالحها المستقبلية”، إذ يهدف الوجود الإيراني في سوريا بشكل أساسي إلى تحويل سوريا لجبهة ضد إسرائيل، وهذا ما لا ترغب به روسيا.
بينما تريد روسيا من وجودها على الأراضي السورية تحقيق الاستقرار فيها، ليتسنى لها البدء باستثماراتها، وتعويض ما خسرته خلال مشاركتها في الحرب، وفقًا لحديث قدور.
وفي 17 من تشرين الثاني الحالي، تحدث السفير الإسرائيلي السابق لدى روسيا، تسفي ماغين، في مقابلة له مع قناة “i24 News“، عن “تنسيق ناجع” بين روسيا وإسرائيل حول سوريا.
وأضاف ماغين أن روسيا تضطر من أجل تعزيز مصالحها في سوريا، إلى تأمين الجبهات في سوريا من قبل جهات أخرى كإسرائيل، مفسرًا أنها اضطرت بسبب ذلك إلى إجراء تفاهمات وتنسيقات مع إسرائيل، التي من مصلحتها أيضًا أن تحمي حدودها وتواجه أعدائها في سوريا كإيران.
واعتبر السفير الإسرائيلي السابق لدى روسيا، أن “إسرائيل لا تزعج الوجود الروسي في سوريا، ولا تضر بمصالح روسيا فيها، وبالمقابل فإن روسيا لا تضايق إسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني من سوريا”.
وأوضح الباحث في الشأن الإيراني ضياء قدور، أنه ما لم تتخلَّ إيران عن طموحها في تحويل الجبهة الجنوبية من سوريا إلى جبهة ضد إسرائيل، لن تتوقف الأخيرة عن هجماتها.
واعتبر قدور أن اكتفاء إيران بوجودها في المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية في سوريا، قد يجنّبها تلك الضربات، إذ إنها بابتعادها عن القطاع العسكري، لن تعتبرها إسرائيل حينها “تهدد أمنها القومي”.
وأوضح الباحث ضياء قدور أن أغلب الهجمات الإسرائيلية تستهدف “شحنات أسلحة دقيقة” و”مخازن صواريخ”، مشيرًا إلى أن عناصر الميليشيات الإيرانية لا يهمّون إسرائيل بقدر ما يهمّها استهداف الأسلحة النوعية التي تسبب خللًا في التوازن الإقليمي بالمنطقة.
ولا تعلن إسرائيل عادة عن هجماتها، لكن الجيش الإسرائيلي تحدث في تقريره السنوي عن تنفيذ 50 ضربة جوية في 2020، دون تحديد الأماكن المستهدفة.
ومع كل استهداف، يعلن النظام السوري تصديه للهجمات عبر المضادات الأرضية، في حين أن صور الأقمار الصناعية تظهر دمارًا في بعض مواقع النظام العسكرية والمنشآت بعد الاستهداف.