هل الشعب التركي عنصري؟

  • 2021/11/21
  • 10:59 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

أثارت زاوية “تعا تفرج” المنشورة في العدد السابق من صحيفة “عنب بلدي” اهتمام محرر في راديو “سوا”، فاتصل بي ليناقش معي فكرتها. الفكرة، إذا كنتم تذكرون، تمحورت حول الهوشة الإعلامية التي نتجت عن تصريح لرجل تركي عادي بأن اللاجئ السوري يأكل الكثير من الموز، بينما هو لا يستطيع شراءه.

الأمر الأكثر إثارة في ذلك الموضوع، أن أحد الأشخاص ممن لم يعيشوا في تركيا، أحب أن يدلي بدلوه، وقرر، بكل بساطة، أن الشعب التركي عنصري! وأنا الذي عشتُ في تركيا ثماني سنوات، نفيت هذه التهمة الخطيرة عن الشعب التركي.6

العنصرية، بمعناها المتعارَف عليه، أن تنظرَ إلى شعب، أو فئة، أو شريحة من الناس نظرة احتقار، بسبب لون بشرتهم، أو جنسيتهم، أو دينهم، أو مذهبهم. على سبيل المثال، كانت العنصرية تجاه السود شائعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان الشعب الأمريكي يتبناها صراحة، والسلطة التشريعية أصدرت ما يلزم من قوانين لتكريسها وتنظيمها، واستمر هذا النظام حتى ألغي، في سنة 1862، بقرار سيادي من الرئيس ابراهام لينكولن، ولكن الشعب الأمريكي الأبيض لم يرضخ لهذه المساواة مع أناس كانوا حتى الأمس عبيدًا لهم. فمع أن السود أصبحوا مواطنين أمريكيين قانونًا، بقي النظام العام يفصل بين البيض والسود في الأماكن العامة، ووسائل النقل العام، وأصبحت الحافلات التي تنقل الركاب داخل المدن، أو بين المدن الرئيسة، تفرض على المواطنين السود الجلوس في الخلف، والبيض من الأمام، وفيما بعد تحدت سيدة زنجية اسمها “روزا باركس” هذا النظام، ورفضت أن تترك مكانها في الباص لرجل أبيض، ما أدى إلى حصول عصيان مدني، وأضرب المواطنون السود عن ركوب وسائل النقل العامة. هذه التضحيات حققت قفزة نهائية وحاسمة في مجال إنهاء العنصرية، فإذا أطلت برأسها، على هيئة تصرف فردي، مثلما حصل مع جورج فلويد، ترى المجتمع الأمريكي، والقضاء الأمريكي يقف في وجه القاتل، وقد حُكم عليه بالسجن 22 عامًا، وأُعطيت لعائلة القتيل ملايين الدولارات كتعويض.

أنا، محسوبكم، لستُ معجبًا بالسلطنة العثمانية، ولكنني أزعم أن السلاطين العثمانيين كانوا لا ينظرون إلى شعوب السلطنة من غير الأتراك نظرة عنصرية، ولو أنك ألقيت نظرة إلى سيرة رجال السياسة والأدب السوريين الذين شاركوا في الحياة العامة بعد 1918، لوجدت معظمهم دارسين في اسطنبول، وبعضهم تسلّموا مناصب رفيعة في تركيا نفسها، إبراهيم هنانو، مثلًا، كان واليًا على ولاية أرظروم، وأما مستشارا السلطان عبد الحميد، أبو الهدى الصيادة وعزت العابد، فكلاهما من سوريا.

علّق أحد الأشخاص على الزاوية المنشورة على صفحة عنب بلدي، قائلًا: إن الكاتب (إياي يعني) يستحيل أن يكون قد عاش في تركيا. يا سيدي، أنا عشت في سوريا، وشهدت بعيني كيف كان المواطنون الأتراك يحملون السجاجيد والبطانيات والمفارش ويقدمونها للسوريين، ويوم حدثت التفجيرات في الريحانية 2013، كنت مسافرًا خارج تركيا، فجاء رجل تركي أخذ سيارتي وخبأها في كراج بيته لئلا تتعرض لأذى، وبقي يؤمّن لأسرتي احتياجاتها طوال فترة غيابي.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي