نساء يتجاوزن عقدة “المحرم” بإدلب

  • 2021/11/21
  • 9:58 ص

مؤسسة مركز "مزايا" النسائي في إدلب، غالية الرحال، تقود سيارتها في إدلب (عنب بلدي)

إدلب- هاديا منصور

“لماذا تقودين السيارة وحدك دون محرم؟”، سؤال متكرر تنتظره روان الخياط (40 عامًا) في أثناء قيادتها لسيارتها ذهابًا وإيابًا في المنطقة، مرورًا بحواجز “هيئة تحرير الشام” الأمنية.

تجيب روان عن هذا السؤال بعدم وجود “محرم” لتحضره معها، وتتابع طريقها بعد أن تكون قد تخلصت من إحدى المضايقات الكثيرة التي تواجهها بشكل يومي، بحسب ما قالته لعنب بلدي.

فقدت روان زوجها في أثناء القصف على مدينتها معرة النعمان أواخر عام 2018، وبحكم عملها الذي يحتاج إلى تنقلات كثيرة بين مستشفيات الشمال السوري المتعاقدة معها، اشترت سيارة وتعلمت قيادتها لتستعين بها على التنقل دون عوائق ومشكلات، وفق ما أضافته.

رغم عدم وجود قانون أو تعميم يمنع النساء من قيادة السيارة في الشمال السوري، لا تزال القيادة حكرًا على الرجال من وجهة نظر المجتمع، غير أن نساء سعين لكسر تلك القاعدة، مدفوعات بالحاجة المُلحة للوصول إلى مكان عملهن وقضاء حوائجهن بأنفسهن، في ظل غياب الزوج أو انشغاله.

أمر مُلح.. ليس للترفيه

اعتبرت مديرة قسم التماسك الاجتماعي بإحدى منظمات المجتمع المدني، أسماء المحمود، في حديث إلى عنب بلدي، أن “قيادة المرأة للسيارة هي بداية قيادتها الصحيحة لحياتها وأفكارها وطموحاتها، ومواجهة ضغوطات الحياة بعزيمة وإصرار، وهو لم يعد أمرًا ترفيهيًا بقدر ما هو حاجة مُلحة”.

تحتاج المحمود، بحكم وظيفتها، إلى الوصول لمكان عملها في الوقت المناسب دون تأخير أو مضايقات في أثناء استقلالها إحدى السيارات الخاصة أو انتظار انطلاق السيارات العامة، بحسب ما قالته.

وأضافت أن خدمة السيارات العامة “سيئة”، ولا تلتزم بالانطلاق بالرحلات في الوقت المحدد، وإنما تنتظر امتلاء السيارات بالركاب، وهو ما كان يؤخرها عن عملها في كثير من الأحيان، ويشعرها بالصعوبات الحقيقية، ما دفعها في نهاية المطاف للاعتماد على نفسها في قيادة سيارتها الخاصة، وإحداث نقلة نوعية في حياتها لتصبح أكثر تنظيمًا، وفق تعبيرها.

واجهت المحمود كثيرًا من المضايقات الأمنية على الحواجز، وتعرضها للأسئلة المتعلقة بوجودها داخل السيارة بمفردها ودون “محرم”، وكانت في كل مرة تقنعهم بأنها بحاجة للذهاب إلى عملها، ولا يمكن لأي شخص أن يدع عمله ويرافقها بشكل يومي، فلكل واحد منهم أعماله التي يلتزم بها، سواء كان أباها أو أخاها أو أي شخص مقرب منها، لتمضي في طريقها بعد أن تشعر بالسرور لنجاحها بالتخلص منهم، وفق قولها.

وأكثر ما كانت تعتبره تحديًا لها، هو “تلك النظرة المجتمعية المليئة بالاستغراب حين يرونني أقود السيارة، وهو ما يعكس الثقافة المجتمعية والنظرة الدونية للمرأة وتنميطها بشكل لا يمكن معه تخيل خروجها من تلك القوقعة التي أدخلها مجتمعها بها”.

وتحدثت المحمود عن وجود “متحرشين ومعتدين، سرعان ما يكسرون سيارتهم عليّ مجرد أن يعرفوا أن من يقود السيارة امرأة، وإن كان الأمر ليس قاعدة تعميمية، وإنما هو ما واجهته بصورة شخصية”.

وحتى في أثناء تعرض السيارة لأعطال بسيطة خلال القيادة، تكون قادرة على حلها، يقفون بجانبها وينهرونها، “ماذا تفعلين؟ اصعدي سيارتك ونحن نصلحها لك”.

للوقوف على تفاصيل التضييق على النساء في إدلب لقيادتهن السيارات دون “محرم”، تواصلت عنب بلدي مع مسؤول التواصل في “تحرير الشام”، تقي الدين عمر، الذي نفى بدوره وجود قرار بهذا الخصوص.

وقال المسؤول، إن كان هذا السؤال صحيحًا، من المحتمل أن يكون خارج المدن وفي ساعات متأخرة من الليل.

نظرة مجتمعية “دونية”

لم تشكّل أسئلة الحواجز الأمنية مشكلة لمديرة مركز “مزايا” النسائي، غالية الرحال، بقدر النظرة المجتمعية الدونية للمرأة التي تُشعرها أنها ليست مؤهلة للقيادة، وغير قادرة عليها وفق قواعد السير وأساسياته.

وقالت الرحال لعنب بلدي، إن التنمر والاستهزاء ونظرات الاستغراب أكثر ما تواجهه النساء في أثناء قيادة السيارة بإدلب وشمال غربي سوريا، وأكثر الأسئلة التي يتعرضن لها هي: “ما الذي يدفعك للقيادة؟ ولمَ أنت من تقودين السيارة؟ والقيادة ليست من اختصاص النساء”.

وأضافت أن “هذه الأسئلة تعكس مدى الاستهتار بقدرات النساء، وسيطرة العادات والتقاليد التي ما زالت تعصف بأفكار الأغلبية العظمى من الناس حتى المثقفين منهم، وأنهنّ المُلامات في أي حادث سير يكنّ طرفًا فيه، وإن كنّ لسن المسؤولات عن الحادث بشكل أو بآخر”.

وتحيط بالمرأة في شمال غربي سوريا تحديات كبيرة، تبدأ بالمخاطر الأمنية ولا تنتهي بالتضييق الاجتماعي الذي يهدف إلى تقليص دورها وحضورها الفاعل، أبرز أسبابها غياب ضوابط وقواعد تعامل السلطات القائمة مع المرأة، ودخول الفهم المحدود للدين في آليات العلاقة مع أدوار المرأة، أو الموروث والعادات الاجتماعية التي تغلب عليها النزعة الذكورية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع