عائلات تختار تدريس ابن واحد فقط
اكتظاظ وبنية متهالكة ترمي بالطلاب خارج مدارس ريف إدلب
عنب بلدي- ريف إدلب الشمالي
لدى محمد الياسر (46 عامًا) ثلاثة أبناء، سجّل ابنه الأكبر أحمد (14 عامًا) في مدرسة خاصة بقرية كفر عروق بريف إدلب الشمالي، دون بقية إخوته، جراء عدم تمكّنه من دفع مصاريف التعليم الخاصة بجميع أبنائه.
اختار محمد الياسر إكمال تعليم ابنه أحمد في المستوى الإعدادي بعد حصوله على درجات عالية في أغلب مواده التعليمية.
وتبلغ تكلفة تعليم الطالب 100 دولار في العام الدراسي ضمن مدارس التعليم الخاص، وفق تقدير محمد الياسر، وتختلف هذه التكلفة بين مرحلة تعليمية وأخرى.
يعدّ المبنى المدرسي البيئة التعليمية الأهم ضمن الخدمات التعليمية التي تُقدم للطلاب، إلا أن المدارس العامة في قرية كفر عروق متهالكة، وتعاني كثافة طلابية داخل فصولها، لذلك، لا يستطيع محمد الياسر إرسال أبنائه إلى تلك المدارس خوفًا من تعرضهم لأي إصابة بأي مرض معدٍ، خصوصًا مع انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في الشمال السوري، دون أي وقاية من أغلبية السكان.
يعمل محمد الياسر مدرّسًا في إحدى المدارس الابتدائية، يعلم جيدًا أهمية حصول أبنائه على شهادة تعليمية تؤمّن مستقبلهم، إلا أن إمكانياته المادية “تمنع” تحقيق ذلك.
كثافة طلابية
تضم المدارس الخاصة في ريف إدلب ضمن صفوفها من 20 إلى 30 طالبًا، بينما في المدارس العامة يبلغ عدد الطلاب من 50 إلى 60 طالبًا، وفي بعض الأوقات يزيد عدد الطلاب على هذا المعدل.
تسبب كثافة الطلاب في الفصول مشكلات تتنوع آثارها التي تعود بالنهاية بشكل سلبي على الطالب نفسه، إذ إن الكثافة لا تحقق المتطلبات البيئية والوظيفية المرجوة من العملية التعليمية، بحسب ما قاله المتخصص بالتربية المدرسية جمال غراء، المقيم في شمالي إدلب، لعنب بلدي.
كثافة الطلاب الزائدة على الحد المقبول في الفصول الدراسية تنتج بالضرورة ضجيجًا يعوق الحاجة إلى الاستقرار الذهني للمعلم والطالب، كي تصل المعلومات بشكل سليم لذهن الطالب، فعندما لا يتوفر الهدوء في بيئة الفصل الدراسي، ينعدم تحقيق الفهم والاستيعاب، وفق ما قاله المتخصص بالتربية المدرسية.
وارتفاع أعداد الطلاب في الفصل الدراسي الواحد، سببه المباشر العجز عن استيعاب أعداد الطلاب، وفق ما يراه جمال غراء، ما يعني عدم ملاءمة كمّ الطلاب مع ما هو مخصص لهم من فصول دراسية.
وعدا عن الكثافة الطلابية، فإن الأوضاع المعيشية الصعبة للأهالي، خصوصًا في ظل ظروف النزوح المتكرر، دفع بكثير منهم لعدم إرسال أبنائهم إلى المدارس، سواء العامة أو الخاصة، نظرًا إلى التكاليف الباهظة.
وفي المدارس العامة، فإن أغلب الكادر التدريسي يعمل من دون رواتب شهرية ثابتة، الأمر الذي يشوّش ذهن المعلم في أثناء ممارسته لعمله، وفق ما قاله المتخصص بالتربية المدرسية، الأمر الذي سيؤثر على العملية التعليمية.
امتيازات خاصة
يعتقد المتخصص بالتربية المدرسية جمال غراء أن أولئك الذين بمقدورهم إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة، يمتلكون فرصة أكبر لتحفيزهم على استكمال التعليم، كون تلك المدارس تمتاز بمسيرتها التعليمية من خلال الأنشطة المتنوعة، مثل السباحة، والذهاب إلى الحدائق والأماكن الترفيهية، وهذه العوامل تبعث الفرح في نفوس الطلاب الذين عاشوا آلام النزاع والقصف والنزوح.
كما أدخلت بعض المدارس الخاصة تعليم اللغة الفرنسية في مناهجها من بداية مرحلة التعليم الأساسي، بالإضافة إلى إدخال تعليم اللغة التركية في المناهج من الصف السابع، وقد تكون اللغة التركية ضرورية في الوقت الحالي، وهي غير موجودة بالمدارس العامة.
محاولات لمعالجة واقع التعليم
في أيار 2020، قالت منظمة “أنقذوا الأطفال“، إن الهجمات على المدارس في شمال غربي سوريا مستمرة على الرغم من وقف إطلاق النار.
وقالت مديرة المنظمة في سوريا، سونيا كوش، ضمن التقرير، “إنه لأمر مفجع أن نرى الأطفال لا يزالون ضحايا للصراع السوري، ويدفعون الثمن الأعلى له، يجب أن تكون المدارس ملاذات آمنة للأطفال وليست مناطق حرب”.
وبحسب ما قاله وزير التربية والتعليم في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، بسام صهيوني، في حديث إلى عنب بلدي، فإن “التهجير القسري الممنهج” في مناطق عدة باتجاه الشمال السوري، نتج عنه وجود أعداد كبيرة من الطلاب، الأمر الذي يتطلب بنية مدرسية كافية لاستيعاب هذه الأعداد، لذلك توجه عدد لا بأس به للتعليم الخاص ممن يمتلكون القدرة على تدريس أبنائهم في هذا القطاع.
ووضعت وزارة التربية والتعليم في حكومة “الإنقاذ” أسسًا وشروطًا لترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة، و”تتم متابعتها ضمن جولات إشرافية لمنحها الترخيص أصولًا”، وفق ما قاله الوزير صهيوني، إذ “لا يجوز افتتاح مؤسسة خاصة إلا إذا انطبقت عليها الشروط والمواصفات، والالتزام بجميع القرارات والتعليمات الصادرة عن الوزارة”.
و”جميع المدارس الخاصة حاصلة على قرار ترخيص وشهادة ترخيص من وزارة التربية والتعليم”، بحسب ما أوضحه صهيوني، و”لا يسمح لمؤسسة خاصة بافتتاح وممارسة العمل التعليمي دون ترخيص تحت طائلة إغلاق العقار”.
وأضاف صهيوني أن لدى الوزارة خططًا لتطوير التعليم من خلال تشكيل لجان تربوية ومجلس تخطيط استشاري لبحث الأسس والوسائل التي تسهم في تطوير التعليم والاستفادة من الخبرات العالمية والمحلية الأكاديمية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :