برزت ملامحها في سوريا.. ما الدساتير دون الوطنية
تهدف عمليات بناء الدساتير دون الوطنية غالبًا إلى تأكيد اختلاف سلطات الأمر الواقع خلال النزاع المسلح عن الدولة المركزية وسلطات الأمر الواقع الأخرى، كما هي الحال في الملف السوري.
وفي مجتمع يعاني الانقسام السياسي ضمن نزاع مسلح غير دولي، قد تكون صياغة دستور دون الوطني، أكثر من مجرد قواعد تنظّم هيكل سلطات الأمر الواقع، التي تشكّلت نتيجة عمليات عسكرية عنيفة، بل بالإمكان وصفه بأنه فرصة لبناء شعور مشترك بالمسؤولية تجاه تسيير احتياجات السكان، وحل خلافاتهم داخل مناطق خرجت عن سيطرة قوات النظام السوري.
منذ سبع سنوات، تمارس “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) سلطتها الفعلية على شمال شرقي سوريا، بتقديم “الإدارة الذاتية”، التي أُسست عام 2014، كنموذج مدني للإشراف على المنطقة بمؤسساتها المختلفة، فأنشأت مجالس تحاكي الوزارات، ومحاكم قضائية، وقوة شرطية، وأمنية.
وبرزت ملامح فكرة الدساتير دون الوطنية بمحاولة “الإدارة الذاتية” بناء دستور، دون الوطني، خاص بمناطق سيطرتها العسكرية، لإضفاء الشرعية القانونية على حكمها.
ويعد “ميثاق العقد الاجتماعي” بمنزلة دستور ناظم لعمل مؤسسات ولجان الإدارات المدنية في مناطق شرق الفرات، وقواتها العسكرية وأجهزتها الأمنية في سبع مدن وبلدات منتشرة في أربع محافظات سورية.
اقرأ أيضًا: ميثاق الإدارة الذاتية.. هل يواجه تهمة خطف المكونات
ما الدستور دون الوطني
بحسب دراسة بحثية صدرت عن “المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات” عام 2021، فإن وجود دساتير دون الوطنية، لا يعني بالضرورة استقلالية أكبر لسلطات أمر واقع معيّنة، فدرجة الاستقلالية عن مؤسسات الدولة المركزية، تتوقف بشكل كبير على حجم الحيّز الدستوري الممنوح لهذه السلطات.
و”الحيّز الدستوري بدوره، هو المدى المعطى للكيانات دون الوطنية لتحديد أهدافها، وإنشاء مؤسسات وإجراءات حكم خاصة بها (…) وقد تحدده أحيانًا اتفاقيات السلام أو الترتيبات السياسية الانتقالية، كما أن الوضع القانوني للأطر الدستورية دون الوطنية يخضع للدستور المركزي للدولة”، وفق الدراسة التي حملت عنوان “الدساتير دون الوطنية في البلدان الهشة والمتضررة من النزاعات”.
وبحسب الدراسة، فإن الدساتير دون الوطنية هي “صكوك قانونية مكتوبة تحدد السلطات السياسية دون الوطنية، وتتميز بسموها على القوانين دون الوطنية الأخرى، وتهدف بشكل رئيس إلى تحديد نظام الحكم في الكيانات دون الوطنية، وإلى وضع الإطار القانوني لحقوق المواطنين داخل حدود هذه الكيانات في غالب الأحيان، كما تحدد الهوية السياسية للمجتمع المحلي، ويمكن تعريف الكيانات دون الوطنية على أنها كيانات محددة إقليميًا ومنشِئة لبلد أو دولة”.
وتنشأ هذه الدساتير في البلدان الهشة والمتضررة من النزاعات، غالبًا، نتيجة تسوية سياسية تنطوي على ضمانات بزيادة الحيّز الدستوري والاستقلالية للكيانات السياسية التي ظهرت خلال النزاع المسلح، وقد يكون من مصلحة الدولة المركزية استيعاب المجتمعات السياسية المختلفة ضمن الإطار الدستوري العام للدولة، من أجل ضمان عدم تكرار النزاع، أو قيام نزاعات جديدة وإدارتها من قبل تلك المكوّنات.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :