في حزيران 2020، قال وزير الهجرة والاندماج الدنماركي، ماتياس تيسفاي، إنه يجب على دائرة الهجرة البدء بمراجعة تصاريح الإقامة الممنوحة في الدنمارك للاجئين السوريين القادمين من دمشق.
وأضاف تيسفاني، “نحن مستعدون بحقيبة كبيرة من أموال السفر ذهابًا وإيابًا، لأولئك الذين يتعيّن عليهم العودة وإعادة بناء حياتهم في سوريا”.
وبتلك التصريحات، اتبعت الدنمارك واحدة من أكثر سياسات الهجرة تقييدًا في أوروبا، والتي واصلتها رئيسة الوزراء الدنماركية من الحزب “الاشتراكي الديمقراطي”، ميت فريدريكسن، منذ وصولها إلى السلطة في حزيران 2019.
قالت رئيسة الوزراء فريدريكسن، في كانون الثاني الماضي، للبرلمان، إنها لا تريد أن يأتي أي طالب لجوء على الإطلاق إلى الدنمارك.
وتابعت، “لا يمكننا أن نعد بعدم وجود أي طالب لجوء، لكن يمكننا وضع هذه الرؤية، كما فعلنا قبل الانتخابات (…) نريد نظام لجوء جديدًا وسنفعل ما في وسعنا لتقديمه”.
وتصنَّف الدنمارك من بين الدول الموقعة على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تمنع ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين إذا تعرضوا لخطر التعذيب أو الاضطهاد في بلدانهم الأصلية.
وأورد قانون اللاجئين الدولي المبادئ الرئيسة التي تستند إليها الحماية الدولية للاجئين، والوثائق الأساسية هي اتفاقية عام 1951، التي تعتبر حجر الزاوية للحماية الدولية للاجئين وبروتوكول 1967، وتتضمن أحكامها حظر إعادة اللاجئين وطالبي اللجوء إلى خطر الاضطهاد ضمن مبدأ “عدم الإبعاد“، وشرط معاملة جميع اللاجئين بشكل غير تمييزي.
واللاجئ هو الذي مُنح سبب اللجوء بسبب تعرضه لاضطهاد حقيقي يهدد حياته، وبالتالي أي قرار للإعادة غير الطوعية هو محل اعتراض وطعن به أمام محكمة “العدل الأوروبية”، لمخالفته الصريحة لبنود هذه الاتفاقية.
تنص المادة رقم “33” من اتفاقية 1951، على عدم المس بالحقوق الأساسية للاجئ، إذ “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئًا أو أن تعيده قسرًا بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها، بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة، أو بسبب آرائه السياسية”.
ولا يزال عشرات الآلاف من المدنيين الذين اعتُقلوا تعسفيًا في سوريا مختفين قسرًا، بينما تعرض آلاف آخرون للتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، أو الموت رهن الاحتجاز، وفقًا لتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، المنشور في آذار الماضي.
حكم قضائي
في تشرين الثاني عام 2020، أصدرت محكمة “العدل الأوروبية” حكمها بأن هناك “افتراضًا قويًا” أن رفض أداء الخدمة العسكرية بسياق النزاع المسلح القائم في سوريا حاليًا مرتبط بأسباب قد تؤدي إلى استحقاق الاعتراف بحق اللجوء، لأنه في حالات كثيرة يكون هذا الرفض تعبيرًا عن آراء سياسية أو معتقدات دينية.
وجدت المحكمة، وهي أعلى هيئة قضائية لدول الاتحاد الأوروبي، أن رفض الشخص أداء الخدمة العسكرية مرتبط بأحد الأسباب الخمسة التي تؤدي إلى الاعتراف به كلاجئ.
وترى المحكمة أن “جرائم الحرب المرتكبة من قبل الجيش السوري موثقة بشكل جيد، كما أن الفرار من الخدمة العسكرية يصنَّف لدى السلطات السورية على أنه فعل ضد النظام”.
و”من المحتمل جدًا أن تفسر السلطات رفض أداء الخدمة العسكرية على أنه تعبير عن المعارضة السياسية”، وفق “العدل الأوروبية”.
ودعت المحكمة سلطات الدولة الأوروبية التي تدرس طلب اللجوء، إلى فحص سبب رفض أداء الخدمة العسكرية، وما إذا كان سيعرّض ملتمس اللجوء لأحد أشكال الاضطهاد الخمسة القائمة على العرق، أو الدين، أو الجنسية، أو الآراء السياسية، أو العضوية في فئة اجتماعية معيّنة.
إلا أن تلك القرارات القضائية والاتفاقيات الدولية تواجه تحديات سياسية في الدنمارك، حيث اقترح أحد الأحزاب الدنماركية المعارضة في شباط الماضي، إيجاد طريقة للتعاون مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على إعادة اللاجئين السوريين الذين رُفضت طلبات لجوئهم أو سُحبت، وذلك على اعتبار أن مدينة دمشق “منطقة آمنة للعودة إليها”.
آلية حماية حق اللجوء
وتعتبر المحكمة المختصة بقضايا ترحيل اللاجئين في أوروبا هي “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، ومقرها فرنسا، وفق ما أوضحه المحامي السوري والحقوقي في قضايا اللجوء هشام مسالمة، في حديث إلى عنب بلدي.
تعتبر “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” هيئة قضائية دولية، تتألف من عدد من القضاة يعادل عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي صدّقت على “الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان” والحريات الأساسية، وفق ما أوضحه المحامي مسالمة، ويبلغ عدد هذه الدول 47 دولة.
ويقضي القضاة في المحكمة بصفة فردية، وفق المحامي، أي أنهم لا يمثلون أي دولة في معالجة القضايا المتقدم بها أمامها، ضمن إجراءات وضوابط معيّنة، وحين تصدر حكمها فلهذا الحكم قوة ملزمة، إذ يجب على البلد المعني تطبيقه.
ويمكن لأي شخص التقدم بالقضية أمام هذه المحكمة إذا كان يعتبر نفسه، شخصيًا ومباشرة، ضحية لانتهاك الحقوق والضمانات المنصوص عليها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بحسب المحامي، ويجب أن يكون الانتهاك مرتكبًا من إحدى الدول الملزمة بالاتفاقية.
ومن ضمن المحظورات المنصوص عليها في الاتفاقية “الطرد الجماعي لأجانب”.
ولا تنظر المحكمة بقضية أي لاجئ إلا في حال استوفى جميع الإجراءات الإدارية والطرق القضائية للحصول على حقه في اللجوء.
وبحسب ما أوصى به المحامي مسالمة، يجب توكيل محامٍ من أجل تقديم القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بسبب وجود عدة إجراءات وطلبات شكلية دونها ستُرفض القضية شكليًا قبل النظر فيها موضوعيًا، وقد تنقضي مدة عام قبل نظر المحكمة لأول مرة في القضية، لكن يمكن إعطاء بعض القضايا صفة الاستعجال ومعالجتها بشكل أولي، خصوصًا في الحالات التي يوجد فيها خطر يهدد سلامة اللاجئ.
وإذا أُعلن عدم قبول القضية، يكون هذا القرار نهائيًا وغير قابل للرجوع عنه.
وإذا أُعلن قبول القضية، تشجع المحكمة الطرفين (اللاجئ والدولة التي أصدرت قرار ترحيله) على التوصل إلى تسوية بالتراضي، وفي حال انعدام التسوية بالتراضي، تبادر المحكمة حينها إلى النظر في موضوع القضية، أي أن تنظر المحكمة في حصول انتهاك للاتفاقية من عدمه.
لكن ليس من اختصاص المحكمة تنفيذ الأحكام أو إلغاء القرارات المحلية للدولة، إذ تبقى مسؤولية تنفيذ الأحكام ضمن نطاق “لجنة الوزراء” في الاتحاد الأوروبي المكلفة بمراقبة تطبيق الحكم، وبالتالي فلا تتدخل المحكمة مباشرة في سلطة الدولة التي يشكو منها اللاجئ.
–