عنب بلدي – خاص
تركت تفجيرات باريس الدامية، مساء الجمعة 13 تشرين الثاني، أثرًا كبيرًا على اجتماع فيينا بشأن الأزمة السورية، فـ “الإرهاب” الذي يعصف بأوروبا من المرجح أن يعطي زخمًا لهذه المحادثات وجديّة أكبر في إيجاد حل للصراع السوري ولوضع أسس أكثر فعالية لمحاربة تنظيم “الدولة” في سوريا والعراق، والتفاهم حول مصير الأسد.
نحو 130 شخصًا قتلوا في العاصمة باريس، في سلسلة هجمات متزامنة، هي الأسوأ في أوروبا منذ تفجيرات القطار في مدريد عام 2004 والتي قتل فيها 191 شخصًا.
ووفق وكالة رويترز، تمت تعبئة أجهزة الطوارئ وألغيت إجازات الشرطة واستدعي 1500 فرد من تعزيزات الجيش إلى منطقة باريس واستدعت المستشفيات أطقمها للتعامل مع الضحايا.
وبثت محطات الإذاعة تنبيهات لسكان باريس بضرورة البقاء في بيوتهم وإخلاء الشوارع وتحث السكان على إيواء أي شخص تقطعت به السبل في الشارع.
وقال مسؤول في مجلس مدينة باريس إن 4 مسلحين قتلوا بطريقة ممنهجة 87 شابًا على الأقل كانوا يحضرون حفلًا لموسيقى الروك في قاعة باتاكلان، وفجر المسلحون أحزمة ناسفة بينما أنقذ عشرات الناجين واستمر نقل الجثث حتى صباح السبت 14 تشرين الثاني.
وأضاف المسؤول أن نحو 40 شخصًا آخرين قتلوا في 5 هجمات أخرى بمنطقة باريس ومن بينها تفجير انتحاري مزدوج على ما يبدو خارج استاد فرنسا، حيث كان الرئيس الفرنسي ووزير الخارجية الألماني يحضران مباراة كرة قدم دولية ودية.
مزيدٌ من التصعيد ضدّ “الدولة الإسلامية”
وعقب التفجيرات صرح وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، لدى وصوله إلى فيينا أن “أحد أهداف الاجتماع هو تحديدًا أن نرى بشكل ملموس كيف يمكننا تعزيز التنسيق الدولي في مجال مكافحة داعش”.
فيما قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاوند “إن تنظيم الدولة الإسلامية نفذ الهجمات”.
أما الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود تحالفًا دوليًا ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، فقد شنت وحلفاءها عقب الهجمات 20 ضربة جوية ضد التنظيم في العراق السبت 14 تشرين الثاني، و7 ضربات في سوريا.
وذكر بيان للجيش الأمريكي أن 9 ضربات في العراق نفذت قرب الرمادي وأصابت وحدات تكتيكية وقتالية لـ “الدولة الإسلامية” ومخابئ أسلحة ونفقين. وفي سوريا وقعت الهجمات قرب الهول والرقة وأصابت وحدات تكتيكية وأبنية لـ”الدولة الإسلامية”، وذلك حسب وكالة رويترز.
تنظيم “الدولة” يتبنى وفصائل الثورة “تعزّي”
وعلى الفور أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤوليته عن هجمات باريس، وقال في بيان رسمي “قام ثمانية إخوة ملتحفين أحزمة ناسفة وبنادق رشاشة باستهداف مواقع منتخبة بدقة في قلب عاصمة فرنسا منها ملعب دي فرانس أثناء مباراة فريقي ألمانيا وفرنسا الصليبيتين، ومركز باتاكلون للمؤتمرات وأهدافًا أخرى”.
في حين ذكرت مصادر إعلامية أن التفجيرات جاءت انتقامًا لمقتل الجهادي البريطاني محمد أموازي “الجهادي جون” أو الملقب بـ “ذباح داعش” بعد أن استهدفته طائرتان بريطانية وأمريكية دون طيار في الرقة، وقتل معه عدد من أفراد التنظيم الجمعة 13 تشرين الثاني.
أما رئيس النظام السوري، بشار الأسد، فأشار إلى أن سياسات الغرب “الخاطئة” في سوريا، لا سيما فرنسا هي التي ساهمت في تمدد “الإرهاب”.
بينما تداول ناشطون معارضون تحذير الأسد منذ وقت طويل من أن الدول الغربية ستدفع في نهاية المطاف ثمنًا باهظًا نظير دعمها لمقاتلي المعارضة السورية الذين يحاربون للإطاحة به منذ عام 2011، مستدلّين بتسجيل مصوّر لمفتي النظام، أحمد حسون، يتوعّد أوروبا وأمريكا بـ “الاستشهاديين”.
كبرى فصائل الثورة السورية وعلى رأسها جيش الإسلام، فيلق الشام، الفرقة الأولى الساحلية، وجيش النصر إضافة إلى مؤسسات في المعارضة كمجلس ثوار حلب، أصدرت بيانًا مشتركًا نددت فيه بـ “الهجمات الإرهابية ضد المدنيين الآمنين في باريس”.
واعتبر البيان “هذا الإرهاب لا يختلف عن الإرهاب الذي يعانيه الشعب السوري منذ 5 سنوات، وكلاهما ينبع من مصدر واحد وهو النظام الأسدي وذراعه داعش”.
مستقبل الأسد.. العقبة الأكبر
إلى فيينا، والتي شهدت طاولة المفاوضات الثانية للبحث عن “حل للأزمة السورية”، طار نحو 20 وفدًا دوليًا للتباحث بشأن سوريا، رغم التوقعات التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وخفض بموجبها سقف التوقعات بشأن نتائج الاجتماعات، وعلى وقع التهديدات الإيرانية بالانسحاب من الاجتماع وامتناع وزير الخارجية جواد ظريف عن الحضور، سرعان ما قرر العودة والتوجه إلى فيينا بعد التفجيرات، وذلك من أجل إعطاء زخم لجهود “مكافحة الإرهاب”، بحسب تعبير طهران.
وقال كيري إن الأطراف المشاركة اتفقت على تسريع الجهود لإنهاء الصراع ببدء مفاوضات بين الحكومة والمعارضة في كانون الثاني المقبل، وإجراء انتخابات خلال 18 شهرًا.
وأضاف الوزير الأمريكي، في مؤتمر صحفي بعد المحادثات، أن الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وافقوا على إصدار قرار لصالح وقف إطلاق النار في سوريا.
بدوره، قال وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، للصحفيين في مؤتمر مع نظيره المصري، سامح شكري، “هناك عدد من القضايا الصعبة ومستقبل بشار الأسد ربما هو الأصعب من بينها وهذا سيكون موضوعًا هامًا”.
ومن جهتها، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فديريكا موغيريني، إن اجتماع فيينا “يأخذ معنىً آخر” بعد اعتداءات باريس. وأضافت أن “الدول المجتمعة حول الطاولة عانت جميعها من الألم نفسه والرعب نفسه والصدمة نفسها خلال الأسابيع الأخيرة”، مشيرة على سبيل المثال إلى “لبنان وروسيا ومصر وتركيا”.
نتائج مخيّبة
وفي استقراء لنتائج الاجتماع، يرى السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد، أنها “لن تنهي الحرب”، وأضاف للعربية نت “المعطيات بين الفرقاء لم تتغير منذ عام 2011، فروسيا لم تغير موقفها وتصرّ على بقاء الأسد في الحكم، ولا ترى ضرورة لفترة انتقالية”، منتقدًا “فكرة عقد انتخابات حرة وديمقراطية في بلد يصل فيه عدد اللاجئين والنازحين إلى 12 مليونًا”.
مفاوضات فيينا لن تحقق أي نجاح أو تنهي الحرب، بحسب فورد، وهي مبنية على “استراتيجية الأمل فقط”، مردفًا “لا يوجد حل قريب”.