“صدّام التسعينيات”.. انقسام عربي حيال التطبيع مع الأسد

  • 2021/11/14
  • 9:18 ص

رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ووزير الخارجية الإماراتية، عبد الله بن زايد، في دمشق تشرين الثاني 2021- (رئاسة الجمهورية العربية السورية)

عنب بلدي – ديانا رحيمة

تتباين مواقف الدول العربية مع اقتراب انعقاد قمة الجامعة العربية، في آذار عام 2022، من التطبيع مع النظام السوري، الذي أُقصي من الجامعة العربية في تشرين الثاني عام 2011، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي قامت ضده آنذاك واستخدامه العنف في قمعها.

شجع اتصال الملك الأردني، عبد الله الثاني، في 3 من تشرين الأول الماضي، برئيس النظام السوري، بشار الأسد، والذي كان الأول من نوعه منذ عام 2011، الدول العربية المترددة في إعادة علاقاتها مع الأسد.

وزار وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، الأسد في دمشق، في9  من تشرين الثاني الحالي، لتتسارع وتيرة التطبيع العربي مع النظام.

كما قال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في10 من الشهر ذاته، إن بلاده، التي ستحتضن قمة جامعة الدول العربية المقبلة، تبحث عن توافق عربي لضمان عودة سوريا إلى الجامعة.

وأضاف الوزير الجزائري أن بلاده “سبق أن أكدت أنه حان الوقت لاستعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، لكن دون التدخل في شؤونها الداخلية”.

وفي عام 2020، طلب وزير الخارجية الجزائري السابق، صبري بوقادوم، إنهاء تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية.

وقال بوقادوم، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إن الجزائر تدعو إلى “قبول عودة سوريا إلى أحضان جامعة الدول العربية”.

قطر ترفض التطبيع

بينما أعلنت الخارجية القطرية عدم نيتها تطبيع علاقاتها مع الأسد، في المرحلة الحالية.

وقال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مؤتمر صحفي مشترك مع الخارجية الأمريكية في واشنطن، إن “قطر لا تدرس تطبيع العلاقات مع سوريا، وتأمل في عدم تشجيع الدول الأخرى على اتخاذ المزيد من الخطوات مع الأسد”.

مصر.. مكانك راوح

تتخذ الحكومة المصرية موقفًا أقرب للرمادية من النظام السوري، إذ نفى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وجود خطط لزيارة مصرية إلى دمشق، على غرار الزيارة الإماراتية.

وقال شكري خلال مؤتمر صحفي في واشنطن، في 10 من تشرين الثاني الحالي، إنه لا توجد أي مخططات لزيارة يقوم بها وفد مصري يرأسه وزير الخارجية إلى سوريا في الوقت الحاضر.

وأضاف، “لقد عبّرنا عن الموقف المصري تجاه الأوضاع في سوريا في اللقاء مع وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، ونحن ننظر بكثير من الألم لما أصاب سوريا من تدمير مع وجود عناصر إرهابيين يستحوذون على الأراضي السورية”.

وأوضح شكري أن لقاءه بالمقداد كان لمعاونة سوريا على الخروج من هذه “الأزمة”، والاستماع إلى رؤية حكومة النظام، وإيصال رسالة فيما يتعلق بأهمية التنفيذ الكامل لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالتطورات في سوريا.

وقال شكري في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في موسكو في 4 من تشرين الأول الماضي، إن مصر حريصة على خروج سوريا من أزمتها، وتعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.

وأضاف أن بلاده تترقب ما ستتخذه حكومة النظام من إجراءات في إطار الحل السياسي والأوضاع الإنسانية في سوريا.

هل تأخذ مصر زمام المبادرة؟

يرى الخبير الاستراتيجي الأردني الدكتور عامر السبايلة، أنه لا يمكن التعويل على أي موقف للنظام المصري بأخذ أي زمام مبادرة تحتاج إلى زخم في العمل الدبلوماسي على المستوى الدولي والأوروبي بالذات.

ويعاني النظام من عقدة الانقلاب، وهو ما زال يحاول أن يبني شرعية ويبقى يناور في مساحاته، ولا يمكن أن يأخذ مواقف تضعه اليوم في مواجهة أي من أمريكا أو الدول الأوروبية بتصوير نفسه وكأنه داعم لنظام آخر غير مرضي عنه دوليًا.

وتشابه الجامعة العربية في مواقفها الموقف المصري، ولا يمكن التعويل عليها في ظل غياب دور حقيقي ووازن لدولتين أساسيتين، فعندما نتحدث عن الجامعة العربية فلدينا مصر من جهة والسعودية من جهة أخرى، بحسب السبايلة.

ويعتقد السبايلة أن التوجهات العربية تتباين بخصوص النظام السوري، فحسابات الإمارات العربية المتحدة تختلف عن غيرها، فكل منتجات الربيع العربي والمرتبطة بـ”الإخوان المسلمون” مرفوضة لها، وهي في مواجهة سياسية مع تركيا في كل مكان، وبالتالي يمكن تقدير طبيعة مواقفها حتى في سوريا، أما غياب وجود حل على المستوى الدولي، فهو الذي يدفع البعض للدخول إلى الملف السوري ومحاولة تسويق رؤية معيّنة.

ولا توجد رؤية عربية واضحة، ولكن هنالك وجهات نظر تتبلور في الفترة الأخيرة، بينما توجد دول تسعى لمناكفة واشنطن، وخصوصًا بعد خسارة مكانتها بخروج الرئيس السابق، دونالد ترامب، وهي خطوات تحاول من خلالها هذه الدول القول إنها تستطيع اتخاذ خطوات دون ضوء أخضر أمريكي.

وبحسب السبايلة، فإن ما يدفع الدول العربية هو فشل المعارضة واستمرار الأزمة لأكثر من عشر سنوات، وخصوصًا أننا نتحدث عن أزمة واضحة تتبلور في لبنان وتتصاعد في العراق، فيعطي ذلك انطباعًا بضرورة إغلاق الملف السوري لتفادي فخ أزمات عميقة يمكن أن تطال الجميع.

الأسد.. صدَّام التسعينيات

يرى الباحث الخبير في العلاقات الدولية الدكتور العراقي عمر عبد الستار، أن سوريا في العقد الثالث من القرن الـ21 هي العراق في العقد الأخير من القرن الـ20، أي بعد تحرير الكويت، وبشار اليوم هو أقرب ما يكون إلى صدّام التسعينيات، فهو معرض للعقوبات الغربية والضربات الإسرائيلية، والوضع المحلي الذي لم تكن عليه سوريا قبل 2011، كما لم يكن العراق كذلك قبل غزوه الكويت.

ويعتقد عبد الستار أن الأسد ونظامه وحزب “البعث العربي الاشتراكي” سيزولون في نهاية المطاف، ولكن التعامل مع الواقع هو سياسة واقعية تختص بالشرق الأوسط كثيرًا، والنظرية الواقعية تتعامل مع هذا الأمر، وزيارة ابن زايد هي زيارة واقعية ضمن هذا المشهد.

ويرى أن الواقع يقول إن العرب مقسومون إلى قسمين، الأول طبّع مع إسرائيل، في الوجبة الأولى مصر والسلطة الفلسطينية والأردن، والقسم الآخر طبّع مع إسرائيل في المرحلة الثانية من حكم الرئيس السابق، دونالد ترامب، ويضم المغرب والسودان والإمارات والبحرين، فهل تكون الدولة الثامنة سوريا؟ لا سيما أن روسيا هي من ترعى اليوم التطبيع.

ولم يستبعد عبد الستار أن يكون وصول وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، جاء بتنسيق روسي- إماراتي وليس تنسيقًا أمريكيًا- إماراتيًا.

ويربط عبد الستار زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إلى مدينة سوتشي، بالجهود الروسية المبذولة للتطبيع مع إسرائيل، والقصف الذي ازداد في الفترة الأخيرة، ولربما التطبيع مع إسرائيل هو من قد يُخرج إيران في نهاية المطاف.

وتميل الفئة المعارضة للتطبيع بعلاقاتها إلى إيران، وبالتالي إذا قورن بين إيران التي تحتل الأحواز والجزر العربية وأربع عواصم عربية إضافة إلى غزة، بينما تحتل إسرائيل فلسطين، فالنظرية الواقعية ترجح تطبيع النظام مع إسرائيل، وبالتالي على إيران أن تخرج من سوريا بطريقة أو بأخرى، بحسب عبد الستار.

ما الذي تعنيه عودة النظام إلى الجامعة العربية؟

الباحث عمر عبد الستار، يعتقد أن عودة الأسد إلى الجامعة العربية أمر شكلي، فما الذي فعلته الجامعة سابقًا حتى تفعله الآن، وأكبر مثال على ذلك وجود لبنان في الجامعة الذي تحكمه دول وحكومات موالية لإيران، وميليشيات تحكم هذه الحكومات.

واعتبر أن الجامعة ليست ذات ثقل جيوسياسي كمجلس التعاون الخليجي الذي يدير العملية في الأساس، وليس الجامعة أو مصر.

والمعركة القائمة هي ليست معركة تطبيع، بل هي مفاوضات تطول وتقصر، فإيران مثلًا تفاوض بايدن وتفاوض المملكة العربية السعودية، والتفاوض مع إيران سيخلّف الفوضى، ما يعني أن المرحلة الآتية مقبلة على فوضى وتفاوض مزدوج، لأن إيران استخدمت تنظيم “الدولة” وجماعة “الحوثيين” قبل أن توقع اتفاقية “لوزان” عام 2015، فما الذي ستستخدمه الآن في مفاوضات فيينا ومفاوضات السعودية في مسقط.

وبحسب الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، يجب التمييز بين مواقف الدول العربية والموقف الرسمي للجامعة نفسها الذي يرتبط بحركية مواقف الجامعة حيال المشهد السوري، الذي كانت أول المنخرطين فيه ونقلته بعدها إلى الأمم المتحدة، وأصبح هنالك مبعوث مشترك ما بين الجامعة العربية والأمم المتحدة.

واستوجب ذلك مجموعة من الإجراءات والقضايا التي ارتبطت بالقرارات الدولية.

لكن اليوم أصبح الانقسام بين أعضاء الجامعة أنفسهم لمصلحة الأسد أوضح بحكم الحركات التطبيعية مع النظام من جهة، وبحكم تغيّر الفاعلين في المشهد العام بالوطن العربي. وبحسب طلاع، سيكون الأمر مرتبطًا بجهود تلك الدول وتشكيلها ضغطًا على الدول الأخرى لتمرير مصالحها، ولكنه سيكون مرتبطًا بجملة من المحددات التي لا تزال ترتبط بالتعاطي الدولي مع المشهد السوري.

وسيكون هنالك انفتاحات دون سياسية مشابهة لموقف الجامعة، كالتواصل التقني عن طريق الحكومات والاستخبارات، والتواصل الاقتصادي.

خمسة محددات للتطبيع

يرى الباحث معن طلاع أن دوافع الدول العربية للتطبيع مع النظام السوري يمكن أن تُصنف بخمسة محددات:

· تعطيل الجغرافيا السورية للمصالح الاقتصادية للمنطقة، ولا سيما دول الطوق.

· إفرازات المشهد السوري، ولا سيما اللاجئين وما يشكّلونه من ضغط.

· مناخات ما بعد الربيع العربي وما استلزم من سياسات مواجهة وضغط، أعاد بنهاية المطاف تشكيل القوى التقليدية في المنطقة، والذي يتطلّب من الدول العربية انخراطًا مع كل القوى التي كانت تأخذ مواقف من حركات كانت تدعم الربيع العربي.

· تبدل الاهتمامات الأمريكية في المنطقة التي لم تعد تديرها بشكل مباشر، ويرافق ذلك انسحابات تدريجية، وإنما بإدارة من الخلف، ما يعيد من أولوية تشكيل نظام إقليمي جديد، بمنظور لا تكون فيه أمريكا منخرطة فيه بكل تفاصيله.

· تماهي فلسفة الحكم مع هذا النظام، سواء من حيث تغييب الديمقراطيات أو تضييق هوامش الحريات أو حتى فكرة الانتقال السياسي.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا