عنب بلدي – القامشلي
منذ حوالي خمس سنوات كان سعود حسن (40 عامًا) يدفع 25 ألف ليرة سورية (حوالي 45 دولارًا حينها)، مقابل الإيجار الشهري لبيته المكوّن من أربع غرف في مدينة القامشلي، لكنه مؤخرًا صار يضطر لدفع 350 ألف ليرة (حوالي 100 دولار) شهريًا.
قال سعود حسن لعنب بلدي، إن مالك المنزل خيّره بين دفع 100 دولار شهريًا أو ما يعادلها بالليرة السورية، حسب سعر الصرف لحظة الدفع، وفي حال رفض ذلك سيخرجه من المنزل، الذي يريد كثيرون استئجاره نظرًا إلى قلة المنازل المعروضة.
تتكون عائلة الرجل الأربعيني من أربعة أفراد، أكبرهم بعمر 13 عامًا، وأغلب ما يحصّله من عمله كمندوب مبيعات في قطاع الأدوية يذهب لتأمين إيجار السكن فقط، ما يحرم أطفاله الكثير من الأشياء التي يرغبون فيها، وهذا ما يُحزن سعود، على حد تعبيره.
أما مجول العبد (50 عامًا) فيعيش تجربة السكن بالإيجار منذ حوالي عام فقط، يمتلك أرضًا سكنية في أطراف مدينة القامشلي، وقد اتفق مع أحد المتعهدين على تعمير بناء من عدة طوابق، وهو ينتظر الانتهاء من عمليات البناء للتخلص من تجربة الإيجار.
قال مجول العبد لعنب بلدي، وهو يملك محلًا لتبديل زيت السيارات، إنه ومنذ الأشهر الأولى اختلف مع صاحب السكن الذي طلب منه تسديد قيمة الإيجار بالدولار حصرًا وهذا ما رفضه، لتحدث بعدها مشكلات عدة بين أخذ ورد مع المالك، مع ذلك يعتبر الرجل نفسه “محظوظًا” كونه في نهاية المطاف سيحصل على السكن الخاص به بعد أن ينتهي المتعهد من عمليات البناء، لكنه يخشى أن يطول ذلك.
تعاني مدينة القامشلي من ارتفاع ملحوظ في إيجارات المنازل، جراء تزايد الطلب عليها بعد وصول أعداد كبيرة من النازحين إليها، وتدهور قيمة الليرة السورية، والغلاء العام الناتج عن ذلك التدهور.
“القعيدة” بالدولار حصرًا
يؤجّر بعض المالكين في القامشلي منازلهم بنظام يُطلق عليه اسم “القعيدة”، وهو مبلغ يمنحه المستأجر للمؤجر مرة واحدة بحيث يعيده المؤجر للمستأجر إذا قرر هذا الأخير ترك المنزل، وهذا النوع من الإيجار قليل الانتشار، لأن بعض رجال الدين يحرّمون هذا النوع من المعاملات، وفق ما رصدته عنب بلدي من أهالي المدينة.
إلا أن المالكين صاروا خلال الأشهر الماضية يشترطون أيضًا أن يكون المبلغ بالدولار حصرًا، وقد ارتفعت “القعيدة” في بعض المنازل لتصل إلى حوالي ثمانية آلاف دولار وحتى عشرة آلاف دولار، تبعًا لموقع ومساحة المنزل.
عبيدة العلي (50 عامًا) يسكن في منزل منذ حوالي أربع سنوات، قال لعنب بلدي، إنه دفع “القعيدة” للمنزل بقيمة خمسة ملايين ليرة (1500 دولار).
لكن منذ خمسة أشهر طلب صاحب المنزل منه زيادة المبلغ إلى 15 مليون ليرة (4000 دولار) وأن تكون حصرًا بالدولار، ما سيضطره إلى ترك المنزل، والبحث عن بديل في أطراف المدينة، إذ يتوقع عبيدة أن يكون الإيجار أرخص، مع أن ذلك سيزيد من صعوبة وصول أبنائه إلى مدارسهم، وربما يجبر على التعاقد مع سيارة خاصة، وبالتالي المزيد من الأعباء المالية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وانخفاض قيمة الليرة السورية.
في شباط الماضي، أصدر “المجلس التنفيذي” لمدينتي الحسكة والقامشلي وريفيهما، التابع لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، قرارًا يُحدد إيجارات المنازل في المنطقة بالليرة السورية، وبنودًا لتنظيم عملية التأجير والاستئجار.
وحدد القرار إيجارات المنازل بتجهيزات ذات مواصفات عادية، بمبلغ يتراوح بين عشرة آلاف و50 ألف ليرة، بحسب ما نقلته وكالة “هاوار” للأنباء.
كما حدد إيجارات المنازل بتجهيزات ذات مواصفات متوسطة، بمبلغ بين 50 ألفًا و75 ألف ليرة، بينما تتراوح إيجارات المنازل ذات التجهيزات الممتازة، بين 75 ألفًا و100 ألف ليرة.
وتكون إيجارات المنازل بتجهيزات “سوبر ديلوكس”، بين 100 ألف و150 ألف ليرة سورية.
ويُعتمد نموذج عقد الإيجار والاستئجار الصادر عن “اتحاد الأصناف” في شمال شرقي سوريا بعملية التوثيق، ويُوثق العقد لدى البلدية المعنية، بعد كشف وموافقة “الكومين”، وموافقة مكتب الشؤون العقارية لدى الأمن الداخلي.
و”الكومين”، هو إدارة مصغرة عن “الإدارة الذاتية”، وهو مجموعة من الناس في الحي أو القرية يديرون أمور السكان الحياتية، ويعالجون مشكلاتهم من الناحية الثقافية والصحية والاجتماعية والصناعية والاقتصادية والزراعية.
وتراقب الرئاسة المشتركة وأعضاء إدارة كل “كومين” عملية التأجير للعقارات الواقعة ضمن منطقة “الكومين”، للوقوف على أي حالة مخالفة لهذا القرار واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
“حبر على ورق”
أغلبية من يضعون منازلهم للإيجار صاروا يشترطون أن يكون الدفع بالدولار، وفق ما قاله محمد السيد (55 عامًا)، وهو صاحب مكتب عقاري في القامشلي، أو بما يعادله من الليرة السورية، وأن أقل إيجار صار 50 دولارًا شهريًا ليزيد حتى 150 دولارًا حسب الموقع والمساحة والطابق الذي توجد فيه الشقة.
لا ينكر محمد السيد أن أصحاب المكاتب العقارية يستفيدون من ارتفاع الأجرة الشهرية، حيث تزيد العمولة التي يحصلون عليها من المؤجر والمستأجر (أجرة شهر أو نصف شهر من الطرفين).
وبحسب صاحب المكتب العقاري، فإن المالك يتحجج بأن “كل شيء أصبح يثمّن بالدولار، وحتى قيمة العقارات أصبحت تُقدر وتُسدد بالدولار، وأحيانًا يلحق المنزل الكثير من الأضرار نتيجة سوء الاستخدام، ولذلك تكلف المالك أكثر مما يجنيه من تأجير عقاره”.
“حبر على ورق”، هكذا علّق محمد السيد على قرار “الإدارة” القاضي بتحديد قيمة الإيجارات حسب مواصفات وتجهيز العقار، فيكون الاتفاق المكتوب على عقد الإيجار شيئًا، وما يدفعه المستأجر شيء آخر.
وتستأجر المنظمات العاملة في المنطقة المنازل بعقود سنوية تُدفع بالدولار، ومتوسط ما تدفعه أي منظمة لصاحب العقار يبلغ حوالي 500 دولار شهريًا (مليون و750 ألف ليرة)، وهو ما فتح بابًا كان يخشاه جميع المستأجرين.