أحمد الشامي
هناك شيء ما من “حافظ اﻷسد” في “الأوبامية”! فاﻷب المؤسس للعصابة اﻷسدية في سوريا يشترك في الكثير من النقاط مع الرئيس اﻷسمر. كلاهما يتمتع بالذكاء وأتى من أصول متواضعة ومن أقليات، وكلاهما وصل إلى السلطة عبر تفاهمات مع مراكز قوى غامضة، إسرائيل والقوى العظمى في الحالة اﻷسدية، و “وول ستريت” والمصارف الكبرى في حالة “أوباما”.
حافظ اﻷسد أتى من أقلية تحمل “مظلومية” تاريخية متخيلة، ونقمة لا تنضب على “أكثرية” مفترض بها أنها السبب في هذه “المظلومية” وهم السنّة. أوباما وصل إلى السلطة عبر تصويت النساء واﻷقليات لصالحه باعتباره ممثلًا لأقلية مضطهدة وحاملًا لهمومها. كلا الرجلين خذل “أقليته” وأظهر درجة عالية من النفاق والأنانية وانعدام الأخلاق.
نقطة أخرى مشتركة بين الاثنين، وهي التناقض التام بين الفعل والخطاب المنمق الذي يحمل قيم الديمقراطية والسلام في حالة أوباما و “العروبة والمقاومة” في حالة اﻷسد.
لعل هذه النقطة المشتركة بين الاثنين هي اﻷكثر أهمية، فسياسة أوباما هي اﻷكثر تناقضًا مع خطابه، تمامًا كاﻷسد الذي قرع آذاننا بالممانعة والتصدي ومارس الانبطاح والعمالة الرخيصة. أوباما يعِد بعالم حر وديمقراطي ويدعي الدفاع عن حقوق اﻹنسان في حين تتلخص سياسته بالغدر والقتل بالجملة والمفرق، سواء عبر الطائرات بدون طيار، أو عبر فِرَق قتل تمارس مهامها بحرية مطلقة وسرية تامة، انتهاء بممارسة سياسة تشجع على القتل في سوريا والعراق.
في حالتي اﻷسد وأوباما يبدو المسلمون السنة كضحايا من الدرجة اﻷولى.
يخطئ كل من يظن أن أوباما ليست لديه استراتيجية، فالرجل يعرف تمامًا ما يريد وما لا يريد. إنه يريد استمرار الهيمنة اﻷمريكية على العالم بأقل ثمن، وتوريط الآخرين في حروب ومنازعات لا تنتهي بهدف أن تبقى يد العم “سام” هي العليا.
أوباما ليس مخطئًا في سياسته الماكيافيلية، واستراتيجيته واضحة كعين الشمس لكل من لا يصغي لخطاباته المنمقة ويحكم على سياساته عبر نتائجها وليس عبر تصريحات البيت اﻷبيض التي تهدف لذر الرماد في العيون.
كل من له قدرة على عرقلة خطط أمريكا أو إزعاجها اليوم أو غدًا أو “قصّر” يومًا في الخضوع للعم سام يغرق في متاهات وحروب عبثية خطط لها أوباما وساهم في إنضاجها، بانتظار أن “يتفرغ” الرجل لوضع العصي في دواليب المارد الصيني.. فرنسا متورطة في عدة حروب في أفريقيا وضد “داعش”، الأوروبيون والألمان يتعرضون لموجة من الهجرة تضعضع استقرار القارة العجوز، اﻷتراك مهددون من الجنوب والشمال، من جهة اﻷكراد وداعش وبوتين واﻷسد الخ..
بوتين غارق في حربين مفتوحتين على اﻷقل، في أوكرانيا وسوريا، وأخرى مضمرة مع الإسلام الجهادي بدأت إرهاصاتها في “شرم الشيخ”.
الولي الفقيه يفرح “بصداقته” مع العم سام ويغرق تدريجيًا في حرب دينية لا رابح فيها. حزب “نصر الله” لم يعد ذخرًا استراتيجيًا بل أصبح بئرًا لا قعر له.
“جزار رابعة” يواجه أزمة اقتصادية خانقة وحربًا مع الجهاديين تهدد بـ “سورنة” مصر.
إسرائيل، التي نامت على حرير الحارس اﻷسدي في شمالها، صارت مضطرة للتدخل ﻹنقاذ رجلها في دمشق بعدما كان الرجل يؤدي لها الخدمات مجانًا مقابل السماح له بنهب السوريين، حتى الحارس اﻷردني يواجه صعوبات في تأمين استقرار حكمه.
دول الخليج تورطت، كما توقعنا، في مستنقع يمني يتجاوز قدرتها وينهكها عسكريًا واقتصاديًا بما يجعلها رهينة للسلاح والدعم الأمريكي.
أوباما على عكس ما يظن الكثيرون، ليس مخطئًا، والرجل لديه استراتيجية واضحة لا يحيد عنها.
المشكلة هي أن هذه الاستراتيجية لا أخلاقية وهي أقذر من أن تصرح بها دولة عظمى لها مسؤوليات كونية.