ملاذ الزعبي
قبل أسابيع، امتعض كاتب وصحافي كردي سوري نتيجة نشر الكاتب السوري ياسين الحاج صالح منشورًا فيسبوكيًا مخيبًا للأمل أبدى فيه إعجابًا، بمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك (إعجاب لم يكن مطلقًا بالمناسبة).
كان الامتعاض منطلقًا من أن أتاتورك إنما أسس التجربة القومية التركية على حساب حقوق القوميات والأقليات العرقية ضمن حدود الدولة الناشئة آنذاك، هضم للحقوق شمل الأرمن واليونانيين والعرب وغيرهم، وفوق كل هؤلاء وفي مقدمتهم الأكراد، الذين عانوا، وما زالوا يعانون، في تركيا ودول أخرى في المنطقة نتيجة انتهاك حقوقهم القومية والسياسية والثقافية.
لكن اللافت لدى صديقنا الممتعض افتتانه الجلي حينًا والمضمر أحيانًا بشخصية أتاتورك نفسها، إذ إن ما أثار استياءه “هوية” المعجب بالأتاتوركية وانتماؤه العرقي، بل بدا واضحًا من تعليقات وآراء ومقالات للكاتب نفسه أنه يحلم بنسخة كردية من أتاتورك، مصطفى كمال أكاكورد هذه المرة، يحقق حلم الدولة القومية للأكراد، وهنا أيضًا، يا للمفارقة، دولة لا تكترث بحقوق القوميات التي قد تتواجد في مناطق ذات أغلبية كردية يؤمل أن تشملها هذه الدولة، عربًا كانوا أم أتراكًا أم تركمانًا أم سريان أو غيرهم.
أي أن ما سبّب له أرقًا مزمنًا ليس إعجاب الحاج صالح بشخصية ارتكبت انتهاكات ما، بل هوية المنتهك والمنتهك بكسر الهاء وفتحها على الترتيب. إذ ثمة رفض لانتهاكات، وقبول لأخرى، بحسب الهوى والمصلحة والانحياز الأيديولوجي والعرقي.
في هذا، أصبح واضحًا مؤخرًا ذلك الحزام الكردي (تعبير لعمر قدّور) الذي بدأت تقيمه نخب كردية ترفض توجيه أي انتقاد لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إذا كان المنتقد بكسر القاف “عربيًا”. فأي صوت “عربي” يعترض على فعل مشين للبي واي دي، وما أكثر هذه الأفعال، فإن نقده لن يستقبل من هذه النخب إلا بالامتعاض والاستياء والانزعاج والضيق والتذمر والانقباض والنقمة وارتفاع الضغط وانخفاض السكر وتسارع ضربات القلب واضطراب الدورة الدموية، وحتى لو كانت سهام نقده تتركز على ارتكابات للبي واي دي بحق أكراد آخرين، وما أكثرها.
وفق المنطق الأعوج هذا، يصبح وكأنه لزام على “العرب” أن يمتعضوا في المقابل من أي نقد يوجهه “كردي” إلى “العربي” بشار الأسد أو زميله أبو بكر البغدادي أو سلفهما صدام حسين أو مجايلهما فراس طلاس أو أو أو..