د. أكرم خولاني
من المعروف وجود علاقة مستمرة ما بين بؤر الصراعات المسلحة، وبين تدهور الحالة الصحية العامة، وخصوصًا على صعيد انتشار أوبئة الأمراض المعدية، وذلك نتيجة انهيار البنى التحتية، مثل شبكات مياه الشرب والصرف الصحي، وكذلك نظم الرعاية الصحية، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى انتشار أوبئة الأمراض المعدية محليًا، ثم إلى دول الجوار. وقد تواترت الأخبار قبل فترة عن انتشار وباء من مرض الكوليرا في العراق، ثم أعلنت منظمة الصحة العالمية قبل أيام عن انتقال المرض إلى سوريا والكويت، ولذلك لابد من التعريف بهذا المرض وطرق الوقاية منه.
ما هو مرض الكوليرا؟
هو مرض معد، يصيب الصغار والكبار على حد سواء، تسببه جراثيم عصوية الشكل، تسمى ضمة الكوليرا، تعيش في الظروف الطبيعية في الماء الآسن عند مصبات الأنهار، ومناطق التقائها بالبحار والمحيطات، وتنتقل هذه البكتيريا إلى الشخص السليم عن طريق مياه الشرب أو الخضراوات أو الفواكه الملوثة ببقايا براز أشخاص مصابين.
ولا تنتج تأثيرات الكوليرا على الجسم البشري من الجراثيم مباشرة، وإنما عما يطلق عليه الـ “ذيفان”، التي تؤثر على خلايا الأمعاء الدقيقة فتجعلها تفرز كميات ضخمة من الماء والأملاح ويمنعها من امتصاص السوائل، وهو ما يظهر على شكل إسهال مائي شديد.
يموت المرضى المصابون إصابات شديدة في غضون ثلاث ساعات إذا لم يتم تقديم العلاج الطبي، وعادة يتطور المرض من البراز السائل إلى التجفاف والصدمة (هبوط في الدورة الدموية) في غضون 4 إلى 12 ساعة، وتحدث الوفاة في غضون 18 ساعة إلى عدة أيام، ما لم يقدم العلاج بالسوائل عن طريق الفم أو الوريد حسب الحالة.
كيف تنتشر العدوى؟
المصدر الرئيس للتلوث هو الجراثيم الموجودة في براز الشخص المصاب، فتحدث العدوى عن طريق تلوث مياه الشرب بالفضلات البشرية التي تحتوي على جرثوم الكوليرا، أو عن طريق دخول الجرثوم بطريقة مباشرة عبر الفم باستعمال أدوات ملوثة به أو تناول طعام ملوث نيء أو سيئ الطبخ (خاصة الأسماك والخضراوات والفواكه)، كما يكون للذباب في بعض الأحيان دور بسيط في نقل العدوى خصوصًا أثناء الأوبئة.
وتجدر الإشارة إلى أن الجراثيم تبقى موجودة في براز المصاب لمدة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين من العدوى، ولأن ثلاثة أرباع المصابين بالكوليرا لا تظهر لديهم الأعراض فإنهم ينقلون العدوى دون أن يعلموا أنهم مصابون، وهذا يزيد من انتشار العدوى.
كيف يتظاهر المرض؟
تتراوح فترة حضانة المرض بين 12 ساعة و7 أيام من الإصابة بضمة الكوليرا ثم تظهر الأعراض، وكما ذكرنا ليست كل إصابة بالكوليرا تؤدي لظهور الأعراض؛ فمن بين المصابين هناك 75% منهم لا تظهر عليهم أي أعراض، و20% يعانون من إسهال خفيف أو متوسط، و5% فقط يعانون من عدوى سريرية شديدة تتظاهر بما يلي:
- حدوث إسهال مفاجئ مائي شديد غير مصحوب بمغص، ويكون لون البراز أولًا أصفر ثم أبيض كلون ماء الأرز المطبوخ، وكمية البراز في كل مرة تبرز كبيرة.
- حدوث إقياء شديد بعد الإسهال، ويكون القيء غير مصحوب بغثيان، ولونه أولًا أصفر ثم أخضر ثم كلون ماء الأرز، وكمية القيء في كل مرة كبيرة.
- شعور بعطش شديد نتيجة الإسهال والقيء الشديدين.
- قد يشكو المريض من تقلصات مؤلمة في الأطراف (شد عضلي في أكثر من مكان خاصة عضلات الأرجل) أو البطن أو الصدر بسبب فقد الأملاح.
- قد يشكو بعض المرضى كبار السن من ضيق شديد في منطقة الصدر، ويحدث ذلك نتيجة لزيادة لزوجة الدم مؤدية إلى حدوث التصاق الصفيحات الدموية ينتج عنها قصور في الدورة التاجية للقلب.
- قد يحدث نقص في البول نتيجة للجفاف مؤديًا في بعض الحالات إلى توقف إدرار البول، وهذا يؤدي إلى خلل في وظيفة الكلى والفشل الكلوي.
- حدوث جفاف (العينان غائرتان داخل المقلتين والجلد جاف وناقص المرونة واللسان جاف)، وانخفاض بدرجة حرارة الجسم، بسبب فقدان السوائل السريع نتيجة الإسهال والإقياء الشديدين؛ ما يؤدي إلى هبوط في الدورة الدموية (يكون النبض سريعًا وضعيفًا أولًا ثم يصبح جسه مستحيلًا، وينخفض ضغط الدم أولًا ثم يصبح قياسه متعذرًا، وعند لمس الجلد يكون باردًا ومبللًا بالعرق، وقد يحدث زرقة في الشفتين وأطراف الأصابع).
وإذا لم يعالج المريض بسرعة وبشكل صحيح فقد ينتهي الأمر بالوفاة، لذلك لابد من التشخيص السريع للبدء بالعلاج مباشرة.