تفاجأ مصطفى السرحان (39 عامًا)، وهو صاحب مستودعات لبيع قطع غيار السيارات والآليات الثقيلة، عندما وجد رسالة صوتية من سائق سيارة شحن يطلب منه فيها تحويل أربعين ألف دولار أمريكي أو ما يعادلها بالليرة السورية لمدينة دمشق.
مصطفى قال لعنب بلدي، إنه دفع سعر البضاعة كاملًا الذي بلغ نحو 200 ألف دولار، لكنه علم لاحقًا من سائق سيارة الشحن أن المبلغ هو لقاء مرورها من مناطق سيطرة النظام السوري إلى المناطق الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا.
ووصف تجار في مدينة الرقة الضرائب والإتاوات التي تتقاضاها حكومات الأمر الواقع في سوريا بأنها “الطامة الكبرى” التي تتسبب باستمرار برفع أسعار البضائع والمواد التجارية.
وقال تجار في الرقة، تواصلت معهم عنب بلدي، إن الضرائب المفروضة من قبل قوات النظام السوري تضاعفت عدة مرات خلال الشهور الماضية مما تسبب برفع سعر البضائع في السوق ليكون بذلك المستهلك هو المتضرر الأساسي، على حد وصف التجار.
“خوّة” وليست ضريبة
لم يكن محمد، اكتفى بذكر اسمه الأول لأسباب أمنية، يتوقع أن يصل به الحال كتاجر لقطع السيارات والدراجات النارية أن يدفع “خوة” لقوات النظام التي تسيطر على الطرق التجارية في سوريا.
وقال محمد، لعنب بلدي، إن الأمر يتعدى أن يكون ضريبة أو رسم دخول وخروج بضائع بل هي “خوة وإتاوة مضطر لدفعها رغم عني وإلا خسرت بضاعتي”، على حد وصفه.
وتفتقد نقاط العبور التي تربط مناطق سيطرة النظام السوري بمناطق شمال وشرق سوريا لدوائر جمركية من طرف النظام وإنما تخضع البضائع للمرور على حواجز ونقاط أمنية تديرها غالباً الفرقة الرابعة في جيش النظام وتفرض الضرائب والاتاوات على البضائع المحملة نحو مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”.
بينما أنشأت “إدارة الجمارك العامة” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” ساحات جمركية، تخضع فيها البضائع الواردة للتفتيش ووضع جمرك على البضائع يتناسب مع نوعها وسعرها ووزنها، وفق ما تحدث عضو في الجمارك، لعنب بلدي.
وأضاف عضو الجمارك، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن الجمارك الرسميّة المفروضة على البضائع، عادةً ما تكون معدة مسبقًا وفق سياسة اقتصادية مدروسة تخفف من جمرك المواد المطلوبة في السوق المحلية وتُرفع بالمقابل على البضاعة المتوفرة محليًا.
وقال فتاح الخلف، صاحب مستودع أدوية في مدينة الرقة، إن قطاع الدواء والمستلزمات الطبية تضرر بشكل كبير بسبب رفع الضرائب الجمركية على الواردات للرقة من مناطق سيطرة النظام.
وتحدث فتاح عن أنه في السابق كانت الضرائب تفرض على السيارة بشكل كامل بمبلغ مقطوع يشمل كل ما فيها، لكن حاليًا يدقق عدد الصناديق والعبوات بناءً على فاتورة الشراء ويتم جمركتها.
وتتشارك “قسد” التي تسيطر على القسم الأكبر من محافظة الرقة، بعدة معابر مع قوات النظام، البرية منها، وأُخرى مائية تقع على ضفاف نهر الفرات، إلا أن عمليات التهريب تنشط بها بشكل كبير ويومي.
تقييّم السياسة الجمركية
ومطلع تشرين الثاني الماضي، قال سلمان باردود، الرئيس المشارك لـ “هيئة الاقتصاد والزراعة” في “الإدارة الذاتية” في تصريح لوكالة “نورث برس“، إن “الإدارة” بصدد تشكيل لجنة لتقييم السياسة المالية والاقتصادية في شمال وشرق سوريا، وأن اللجنة ستتألف من “هيئة الاقتصاد والزراعة” و “هيئة المالية العامة” في “الإدارة الذاتية”.
وأضاف بارودو، أن من مهام اللجنة حال تشكيلها متابعة أسعار المواد المستوردة والتدقيق فيها والكشف عن الملابسات في التعاملات التجارية والأسعار الوهمية بالنسبة للبضائع الواردة للمنطقة.
فيما دعا مروان حمادة، الرئيس المشارك لغرفة التجارة في مدينة الرقة، إلى تخفيض الجمارك معتبرًا أن تخفيض الضرائب الجمركية أو حتى إلغائها على البضائع الواردة لشمال شرقي سوريا يدّعم القدرة الشرائية للسكان.
وترتبط المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” مع مناطق سيطرة النظام السوري بعدة معابر، بينها معابر للتهريب تخضع لأحكام المهربين والميليشيات، لا سيما في دير الزور مثل معبر “الشحيل” الواقع على نهر “الفرات”.
إضافةً إلى وجود معابر رسمية مثل معبر “التايهة” في منبج، ومعبر “الطبقة” بالقرب من مدينة الطبقة، ومعبر “العكيرشي” في ريف الرقة الجنوبي الشرقي.
وفي تصريح لوكالة “نورث برس“، في 31 من آذار الماضي، أشار المتحدث الرسمي باسم “الإدارة الذاتية”، لقمان أحمي، إلى وجود صراع روسي- إيراني على واردات وإدارة تلك المعابر.
وأشار إلى أن إغلاق المعابر من الجانب الروسي، جاء تنفيذًا لاتفاقات الدوحة بين تركيا وروسيا وقطر، في محاولة للضغط على “الإدارة الذاتية”.
وكانت قوات النظام السوري فرضت منذ آذار الماضي، قيودًا على حركة المدنيين والتجارة في ثلاثة معابر تربط مناطق سيطرتها مع مناطق الرقة ومنبج والطبقة، والتي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).