ضغط تركي يدفع بـ”قسد” إلى أيدي الروس

  • 2021/11/07
  • 9:42 ص

عناصر من "قسد" - 23 من آذار 2021 (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

تلوّح تركيا بعملية عسكرية رابعة في سوريا، من أرياف حلب والرقة والحسكة، بهدف إنشاء “منطقة آمنة” على حدودها الجنوبية بعمق 30 كيلومترًا، بحسب تصريحات متكررة لمسؤولين أتراك لوسائل الإعلام وفي المحافل الدولية.

في المقابل، تزداد التحركات على الضفة المقابلة، التي توحي باقتراب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من التفاهم مع روسيا والنظام السوري، الأمر الذي يدفع للتساؤل عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه التحولات في مواقف “قسد” نتيجة للضغط التركي.

توغل روسي

في 3 من تشرين الثاني الحالي، أجرت طائرات مروحية وحربية روسية مناورات وتدريبات عسكرية وقتالية استمرت لعدة أيام شمال شرقي سوريا، بالاشتراك مع مجموعات مقاتلة من “قسد”.

المناورات التي نقلتها وكالة “سبوتنيك” الروسية عن مصادر ميدانية لم تسمّها، في 3 من تشرين الثاني الحالي، شاركت فيها مقاتلات حربية ومروحيات في الريف الشرقي لمدينة عين عيسى، وعلى خطوط التّماس بين “قسد” و”الجيش الوطني” في صوامع “شركراك”، وألقت خلالها البالونات الحرارية والقنابل الضوئية.

وحصلت عنب بلدي على معلومات من ضابط برتبة ملازم أول في صفوف قوات النظام السوري، كان من المشاركين في المناورات العسكرية بأرياف الرقة والحسكة، أن “قسد” أجرت تدريبات عسكرية وصفها بـ”التكتيكية” مع مجموعات من قوات النظام وبمشاركة ثلاث طائرات روسية.

وأضاف الضابط، الذي تحفظ على اسمه لأسباب أمنية، أن المناورات بدأت منذ عدة أيام، ألقت خلالها الطائرات الروسية عدة بالونات حرارية في المنطقة الفاصلة بين قوات “الجيش الوطني” و”قسد” شمال وشمال غرب بلدة تل تمر بريف الحسكة.

وتزامنت المناورات، بحسب الضابط، مع تعزيزات عسكرية استقدمتها “قسد” إلى ريف تل تمر قادمة من مناطق متفرقة من الحسكة، إذ وُزّعت هذه التعزيزات على قرى تل اللبن والعالية، وباب الخير الغربي، ودردارة، وشيخ علي، وقبر الصغير، ومسلطة والعبوش.

وبالنظر إلى أماكن توزع مقاتلي “قسد”، فإنها صارت تشكّل طوقًا عسكريًا يحيط ببلدة تل تمر من الريف الشمالي الشرقي وحتى الريف الشمالي الغربي بمحاذاة الطريق الدولي “4M”، بالاشتراك مع قوات النظام السوري التي تتشارك معها الأنفاق والخنادق والتحصينات داخل وعلى أطراف البلدة.

زيادة الضغط تدفع للبحث عن حليف

اعتبر الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن الضغوط التركية لتأمين حدودها الجنوبية صارت أكثر جدية الآن، إضافة إلى محاولاتها تأمين مناطق المعارضة شمالي سوريا.

وهذه الضغوط سياسية تفاوضية، تتوازى مع تلويح تركيا بالحل العسكري في حال فشلت المساعي السياسية، وهذا ما تستغله روسيا لإنجاح تفاهمات استراتيجية بين “قسد” والنظام، بحسب علوان.

وبرأي علوان، فإن أساس مشكلة “قسد”، والدور الروسي المتصاعد شرقي سوريا، هو تخلي أمريكيا عن حليفها شرق الفرات، وتراجع تدخلها الأمني والعسكري، إذ عُقدت سابقًا تفاهمات اقتصادية برعاية روسيا بين “قسد” والنظام، وهي خرق واضح للعقوبات الأمريكية، لكن إدارة بايدن غضّت الطرف عن ذلك.

إذ سعت موسكو لذلك على الصعيد السياسي في مراحل سابقة، وكان أول هذه الملامح، في 28 من تشرين الأول الماضي، عندما هبطت، لأول مرة، طائرة “سوخوي” روسية في مطار “القامشلي” شرقي البلاد، القريب من القاعدة الأمريكية في المنطقة، والذي تستخدمه الشرطة العسكرية الروسية كقاعدة عسكرية.

قبل ذلك بيومين، تحدث الرئيس المشترك لـ”منظومة المجتمع الكردستاني” والرجل الثاني في حزب “العمال الكردستاني”، جميل بايك، في مقابلة مع جريدة “النهار” اللبنانية، عن العلاقة “المتذبذبة” بين “الإدارة الذاتية” وموسكو.

وأوضح بايك أن الحزب لطالما أراد أن تحل “الإدارة الذاتية” مشكلاتها مع دمشق، وحاول استخدام تأثيره في هذا الاتجاه، لأن الحل الأصح هو المصالحة بين “الإدارة” وحكومة النظام، إذ لا يمكن لسوريا أن تكون سوريا ما قبل عام 2011، “وهم أيضًا (حكومة النظام) قبلوا بهذا، وحقيقة قولهم إنهم يفكرون في نظام لامركزي فتح باب المصالحة مع الإدارة المستقلة”.

واعتبر أنه إذا كان هناك حسن نية ومرونة متبادلان، فإن حكومة النظام و”الإدارة الذاتية” ستتفقان على حل، وهذا سيكون مفيدًا للكرد، داعيًا النظام إلى التخلي عن الأحكام المسبقة، إذ يمكن “أن تصبح سوريا أقوى مع الكرد”.

وحول علاقة الحزب بروسيا، بيّن أن العلاقة كانت في بعض الأحيان غير مباشرة ومباشرة في أحيان أخرى، وهي تختلف بحسب علاقات روسيا بتركيا، ولا يوجد لدى الحزب نهج سلبي تجاه روسيا أو أي دولة أخرى، ومع ذلك، هناك دول لديها موقف سلبي تجاه الحزب بسبب علاقتها بتركيا، ولهذا السبب لدى الحزب مشكلات مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.

تزامنت التدريبات مع حديث وسائل الإعلام الروسية عن إمكانية تسليم مناطق تسيطر عليها “الإدارة الذاتية”، المظلة السياسية لـ”قسد”، إلى النظام السوري، من بينها المناطق التي تقع فيها آبار النفط.

وأبدى حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) استعداده لتسليم حقول النفط في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا إلى النظام السوري، بشرط أن يكون ملف النفط والثروات الموجودة في المنطقة جزءًا مما وصفه بعملية “الحوار النهائية” مع النظام.

وقال عضو الهيئة الرئاسية في “PYD” آلدار خليل، خلال لقاء بثه تلفزيون “روسيا اليوم”، في 4 من تشرين الثاني الحالي، إن الخيرات والثروات الموجودة في شمال شرقي سوريا هي ليست فقط لهذه المنطقة، و”الاتحاد الديمقراطي” لا يريد احتكار الثروات، ويعتبرها ثروات وطنية لجميع السوريين.

وأشار إلى أن الاتفاق حول حقول النفط يجب أن يكون جزءًا من التفاوض في عملية الحوار النهائية، مضيفًا أن مناقشة التفاصيل حول هذه الموارد الموجودة في هذه المنطقة مرهونة بقابلية المفاوضات مع قوات النظام.

مفاوضات أم تفاهمات؟

يعتقد الباحث والمحلل السياسي في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن تسمية ما يجري بين “قسد” وروسيا بالمفاوضات هو أمر غير دقيق، فهما الآن في مرحلة “تفاهمات”، كون “قسد” أبدت استعدادها للاستجابة دون أي شروط لمطالب الروس، لكن النظام هو من يضع الشروط التي حتى لا تتوافق مع إرادة روسيا الحريصة على عدم تغوّل إيران كما حصل في جنوبي سوريا.

إذ صارت “قسد” جاهزة للاستجابة الكاملة للمبادرة الروسية، بما في ذلك تقديم تنازلات كبيرة أمنية واقتصادية للنظام، فأمام التهديدات التركية والتخلي الأمريكي أصبحت “قسد” هي أكبر الخاسرين، وسيكون ذلك في مصلحة النظام الذي انتقل بفضل روسيا إلى فرض الشروط الحادة.

وعن خارطة توزع القوى في المنطقة، قال علوان، إن تغيرها مرهون بالتفاهمات الروسية- التركية التي تمر بمراحل صعبة في هذه الأوقات، مشيرًا إلى أنه لا ثقة لتركيا بالنظام وقواته، كما أن أنقرة تدرك أن النظام هو أكثر من استثمر بالعمليات الإرهابية و”الانفصالية” ضد تركيا، بحسب علوان.

ما موقف مكوّنات القوات “المعادية للنظام”

في 22 من تشرين الأول الماضي، منعت مجموعة من المدنيين ووجهاء العشائر دورية عسكرية روسية من العبور باتجاه مناطق سيطرة “قسد” في ريف مدينة دير الزور الغربي شرقي سوريا.

وظهر في تسجيل مصوّر مدنيون يتحدثون باسم “مجلس دير الزور العسكري” (المنضوي في “قسد”) عن أن وجود روسيا والنظام السوري اللذين قتلا الأطفال السوريين أمر غير مقبول بالنسبة للمجلس والتحالف و”قسد” في مدينة دير الزور.

تلت ذلك تظاهرات واحتجاجات في ريف دير الزور الغربي بحماية عسكرية من “مجلس دير الزور”، طالبت بعدم دخول أرتال عسكرية روسية أو عبورها المنطقة باتجاه مناطق نفوذ “قسد” شمال شرقي سوريا.

لكن ما لبثت المظاهرات أن انتهت، حتى أمّنت “قسد” طريقًا جانبيًا بعيدًا عن أنظار “المجلس العسكري” في دير الزور، لتعبر من خلاله الأرتال الروسية باتجاه محافظة الحسكة من أراضي محافظة دير الزور.

الأمر الذي أظهر عدم توافق في الموقف من وجود هذه القوات في المنطقة بين الكيان الأم (قسد)، وأحد فروعها الذي تشكّل من وجهاء دير الزور، وقياديين سابقين في قوات المعارضة.

وللوقوف على مظاهر الخلاف الأخيرة بين “مجلس دير الزور العسكري” و”قسد”، حاولت عنب بلدي التواصل مع المكتب الإعلامي لـ”المجلس”، الذي رفض التصريح، قائلًا “إن هذا الأمر يجب أن يصرّح به المركز الإعلامي التابع لـ(قسد)”.

واعتبر الباحث والمحلل الاستراتيجي فايز الأسمر، الذي ينحدر من مدينة دير الزور، خلال حديث إلى عنب بلدي، أنه مهما ادعى مجلس دير الزور العسكري “الثورية”، فهذه الصفة سقطت عنه عمليًا، معتبرًا أن “المجلس أصبح أداة لتحقيق أهداف (قسد)”.

وأضاف الأسمر أن “قسد” استغلت النفوذ والثقل العشائري لبعض الشخصيات والفعاليات، وأعطتها تسميات ومناصب “براقة لا تسمن ولا تغني من جوع” لاستثمارها شعبيًا، وحثتها على العمل لاستقطاب مجندين يوضعون في الصفوف الأولى لقتال تنظيم “الدولة”.

واعتبر الباحث أن جميع تلك المكوّنات العسكرية والمجالس المدنية التي شكّلتها “قسد” لا تملك القرار أو القوة الميدانية الحقيقية أو الدعم الخارجي، الذي تستطيع من خلاله ربما أن تكون رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه، وتفرض نفسها على مجريات الأحداث أو تغيّر شيئًا في السلوك العام لـ”قسد”، مشيرًا إلى أن معاداة هذه المكوّنات للنظام لن تؤثر على خطة “قسد” في تغيير تحالفاتها في المنطقة.

لكن من الممكن أن يؤدي سلوك “قسد” وتقربها من الروس والنظام بحجة الخوف من التهديدات والعملية العسكرية التركية المرتقبة، إلى بعض الامتعاض من قبل المجالس العسكرية أو المدنية العربية تجاه سياسات “قسد”، لكن الأسمر اعتبر أن هذا الامتعاض لا يمكن أن يؤثر على مجريات الأحداث في المنطقة، المقبلة على تغيرات عديدة.

“قسد” تتوقع انسحابًا أمريكيًا من سوريا

قالت الرئيسة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، خلال مقابلة لها مع قناة “RT” الروسية، في 2 من آب الماضي، إن من المتوقع حدوث انسحابات للقوات الأمريكية من المناطق التي توجد فيها، ومن ضمنها سوريا، وذلك وفق تنفيذ استراتيجية الولايات المتحدة.

وصرّحت أحمد أن الوجود الأمريكي في شمال شرقي سوريا هو وجود “تمثيلي”، وليس بالعدد الكافي أو الكبير.

وأضافت أن “الانسحاب أو البقاء في هذا الجزء الصغير من سوريا بطبيعة الحال سيؤثر على الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، لذلك من الممكن أن نتوقع أن تكون هناك انسحابات كما يمكن توقع الاستمرار في البقاء حسب المصالح الأمريكية”.

وتطرقت أحمد خلال المقابلة إلى قضية الاعتراف بـ”الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا بعد زيارة وفد من “الإدارة” الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إذ اعتبرت أن الاعتراف “سيكون سببًا في تغيير الدستور في سوريا”.

في حين نقلت صحيفة “POLITICO” الأمريكية، في 27 من تموز الماضي، عن أحد كبار مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن 900 جندي أمريكي سيبقون في سوريا لتقديم الدعم والمشورة لـ”قسد” في حربها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، مشيرًا إلى أن الوجود الأمريكي في سوريا اقتصر على دعم “قسد” في الحرب ضد التنظيم.

وفي عام 2020، أمر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بسحب القوات الأمريكية من الحدود الشمالية بالقرب من تركيا كجزء من مخطط لسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا.

لكن تحت ضغط وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وافق ترامب لاحقًا على إبقاء القوات الأمريكية في الشرق لمواصلة العمل مع “قسد”، وحماية حقول النفط من القوى الموجودة هناك.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا