نبيل محمد
صار طبيعيًا خلال سنوات مضت أن تشاهد مسلسلًا تلفزيونيًا مدبلجًا باللهجة السورية، بل صارت تلك الدبلجة لدى جمهور عريض منطقًا طبيعيًا، يبدو معه عرض مسلسل تركي بلهجته الأم مع ترجمته إلى العربية هو الأمر الغريب، وكأن اللهجة السورية هي اللغة التركية أساسًا، ما حدا بالبعض إلى البناء على هذا المفهوم، كالفنان المصري أحمد مكي الذي قدّم في واحدة من أمتع شطحاته الكوميدية، وهي الجزء الأخير من مسلسله الشهير “الكبير”، إذ تدور أحداثه في تركيا التي يتحدث جميع سكانها “اللهجة السورية” كونها هي اللغة التركية. اللهجة السورية، وبعد حضورها الطاغي في دبلاج الأعمال التركية، وصلت لتكون لهجة الدبلجة العربية المعتمدة لدى “نتفليكس” في مسلسلاتها الأصلية.
ميزة جديدة أتاحتها مؤخرًا الشبكة الأكبر عالميًا في الإنتاج والعرض الدرامي، ميزة تثير التساؤل والاستغراب ربما، لكنها تشير مما لا شك فيه إلى وجود قناعة لدى “نتفليكس” بأن اللهجة السورية هي الأكثر نفاذًا في اللهجات العربية، بمعنى أنها مفهومة لدى كل الناطقين بالعربية، وأن إتاحتها بدلًا من دبلجة المسلسلات عربيًا باللغة الفصحى أفضل وأكثر تقبّلًا لدى الجمهور.
من المعروف أن الدراما السورية خلال العقدين الماضيين، ومن ثم ظاهرة دبلجة المسلسلات التركية الطويلة باللهجة السورية، وانتشارها في مختلف بلدان العالم العربي، جعل هذه اللهجة مقبولة وواضحة، أو على الأقل عمّمها كلهجة مفهومة لدى جميع الناطقين بالعربية، كاللهجة المصرية التي كانت وربما ما زالت تحتل مكانة اللهجة الناصعة بكل مفرداتها لكل العرب، لكن أن تنطق أعمال عالمية على “نتفليكس” باللهجة السورية، لعلّه أوسع انطلاقة لهذه اللهجة حتى اليوم في شبكة أعداد متابعيها تزداد شهريًا بالملايين، ولا بد أن مستخدمي الدبلجة العربية فيها من المتابعين العرب، ليسوا قلّة.
لا يشكّل خبر إتاحة الدبلجة باللهجة السورية أي أهمية بالنسبة لكثير من المتابعين، كون الدبلجة ميزة مرفوضة لكثيرين، بما تنقصه بشكل عام من القيمة الفنية لأي عمل، حيث تلغي وظيفة صوت الممثل الذي لا بد أنه يؤدي دورًا أساسيًا في تشكيل انطباعاته، وتكوين شخصيته بنظر الجمهور، لهذا فإن اللجوء إلى الدبلجة أساسًا مبنيّ على مسببين، إما صعوبات قراءة الترجمة، وإما استسهال المتابعة من دون قراءة، لكن مع ذلك فإن معدلات مستخدمي الدبلجة في “نتفليكس” تتزايد بشكل لافت للنظر، يصل إلى 120% في كل عام، وفق الشبكة نفسها التي بدأت تصف الإقبال على هذه الميزة بـ”ثورة الدبلجة”. ليست أرقام مستخدمي الدبلجة فقط هي المتضاعفة في “نتفليكس” مؤخرًا وإنما مجمل الأرقام الأخرى التي بينها عدد المشاهدين العرب أيضًا.
قد نفاجَأ في المستقبل مع توسع الشبكة بالدبلجة، بأعمال عالمية كبرى ستتاح دبلجتها باللهجة السورية، سيكون ذلك كوميديًا في بعض تفاصيله، كأن يشرح البروفيسور في مسلسل “لا كاسا دي بابل” خططه بلهجة شاميّة، أو أن تتحدث الملكة إليزابيث في “ذا كراون” لشعبها بصوت سوري، لكن تراكم الأعمال واحدًا تلو الآخر سيحوّل القضية إلى أمر طبيعي، ليصبح مع مضي الزمن من تقاليد العمل الفني على “نتفليكس”.
الانتشار الكبير للشبكة بين المتابعين العرب، وتوفير خدمة الدبلجة باللهجة السورية، لن يمسّ أصحاب هذه اللهجة، إلا إذا كانوا خارج بلادهم، فلا تزال الحصانة السورية ضد “نتفليكس” حاضرة بقوّة، إلى جانب دول أخرى مثل الصين وكوريا الشمالية وشبه جزيرة القرم، تلك الدول التي ترفض أن تمنح “نتفليكس” الحق بالانتشار بين مواطنيها، سلوك ربما هو واحد من أكثر السلوكيات الدكتاتورية التقليدية المتعفّنة، التي تفتقد أحيانًا إلى الأسباب الواضحة والحقيقية، فحول العالم اليوم أنظمة دكتاتورية شتى، وممالك وإمارات تقليدية، تتيح شبكة “نتفليكس” وغيرها من شبكات الإنتاج والبث لمواطنيها، بل وتتيح للإنتاج الوطني المحلي التعاون معها والبث من خلالها بشكل طبيعي خالٍ من الإحساس بمؤامرة الغرب على الشعوب من خلال “الميديا” والفن.