“كابوس” العودة يطارد اللاجئين السوريين.. الدنمارك لا تكترث

  • 2021/11/07
  • 8:47 ص

لاجئون سوريون تحت خطر الترحيل في مدينة كوبنهاغن بالدنمارك- تشرين الثاني 2015 (Simon Læssøe Ritzau Scanpix)

عنب بلدي – صالح ملص | لجين مراد

منذ حوالي سبعة أعوام، وجدت أسماء الناطور (51 عامًا) نفسها لاجئة في الدنمارك، مثل كثير من السوريين، بعد رحلة اقترنت بالخوف والأسى من مكان إلى آخر، بحثًا عن شكل من أشكال الاستقرار، ورغم حقها في اللجوء الذي يكفله القانون الدولي الإنساني، فإن هذا الحق مهدد بالزوال بالنسبة لأسماء وعشرات اللاجئين السوريين خلال الفترة المقبلة، ضمن مصير لا يحمل أي طمأنينة حتى الآن.

تحت شرفة جارتها الدنماركية، وقفت أسماء الناطور لتودع جارتها المسنة، والمكان الذي منحها الفرصة كي تُنهي فيه تجاربها القاسية المخزنة في ذاكرتها بمخيم “اليرموك” في دمشق، من قصف، وتهجير، وتهديد باعتقال أفراد عائلتها من أجل التجنيد الإجباري.

تلك المشاعر وثّقتها صورة مُلتَقطة لأسماء الناطور، بعد أن أجبرتها السلطات الدنماركية، في 26 من تشرين الأول الماضي، على الانتقال إلى أحد “مراكز الترحيل”، تمهيدًا لترحيلها دون إرادتها إلى خارج البلاد.

تقع مواضيع الهجرة واللجوء والاندماج في المجتمعات الجديدة، ضمن أكثر القضايا التي تشغل أوروبا، وصار اللاجئ حاضرًا في قضايا تمس المواطن الأوروبي بشكل مباشر، إلا أن بعض بلدان الاتحاد الأوروبي تتعامل مع ملف اللاجئين بعيدًا عن الضوابط القانونية، وهو ما يفسره بعضهم بأنه تمهيد لتقارب سياسي مستقبلي مع السلطة في دمشق، دون أن تستند القرارات بشأن هذه القضية إلى عوامل أخلاقية.

انتظار مقلق

“عودتي إلى دمشق تجسد تقرير منظمة العفو الدولية (أنت ذاهب إلى الموت)، يستحيل أن أذهب اليوم إلى موتي”، تشكو أسماء الناطور لعنب بلدي مخاوفها من ترحيل إلى خارج الدنمارك، تترقبه بقلق بعد أن أعادت السلطات الدنماركية تقييم مئات تصاريح الإقامة الممنوحة للاجئين سوريين، بناء على تقرير أصدرته الدنمارك في 2019، جاء فيه أن الوضع الأمني في بعض أجزاء سوريا “تحسّن بشكل ملحوظ”.

تقتبس أسماء الناطور خلال حديثها عنوان تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر في أيلول الماضي، ووثّق انتهاكات بحق عدد من اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى مناطقهم الأصلية، حيث تعرضوا للاعتقال والاختفاء والتعذيب والاغتصاب على أيدي قوات النظام السوري، ما يثبت أنه لا يزال من غير الآمن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

حصلت الناطور وعائلتها على إقامة “الحماية الإنسانية” بعد تسعة أشهر من إقامتها بمخيم خاص باللاجئين، لكن السلطات الدنماركية استخدمت قرارات السياسيين في الدنمارك التي تنص على أن “دمشق منطقة آمنة”، كذريعة لسحب الإقامة من العائلة التي تعيش في الدنمارك منذ 2014.

وبعد مرور أشهر على سحب الإقامة من أسماء وزوجها، وتزامنًا مع العديد من المطالبات من قبل الناشطين السوريين، وتوقيع عريضة من قبل 52 ألف ناشط دنماركي لمطالبة السلطات بإيقاف قرارات الترحيل، قالت السيدة، إن “السلطات أجبرتها على الانتقال إلى أحد مراكز الترحيل”.

ويُخيّر اللاجئ بعد انتقاله إلى “مراكز الترحيل” بين بقائه في المركز وتقييد حريته دون توفير الخدمات اللازمة للعيش، أو ترحيله إلى سوريا، وفقًا لأسماء الناطور.

وانتقد تقرير منظمة العفو الدولية الذي حمل عنوان “أنت ذاهب إلى الموت”، الدنمارك والسويد وتركيا على وجه التحديد، لتقييد الحماية والضغط على اللاجئين من سوريا للعودة إلى ديارهم، وكذلك لبنان والأردن، اللذان لديهما أكبر عدد من اللاجئين السوريين بعد تركيا.

“سوريا المشمسة”

في تشرين الثاني عام 2014، وصل بلال القلعي (50 عامًا) إلى الدنمارك بعد أن اتخذ قراره باللجوء إلى خارج سوريا متوجهًا إلى أوروبا، فبعد خروجه من المعتقل في قدسيا بريف دمشق، لم يعد يحتمل العيش في المدينة التي سلبته حقوقه وكرامته، وفق تعبيره لعنب بلدي.

“تعتبر الدنمارك سوريا بأنها الدولة المشمسة، لا يعلمون حجم المعاناة التي سنواجهها حين نعود دون رغبتنا إلى سوريا، بيتي لا أعلم ما مصيره، لا أعلم إلى أين سأعود، حياة عائلتي ستكون في خطر”. تحيط ببلال مخاوف متراكمة في هذه الفترة، إذ خلال أقل من عشرة أيام ستنقله السلطات الدنماركية إلى أحد “مراكز الترحيل”، دون أن يكون له أي أدوات لمواجهة ذلك.

يشير بلال في حديثه إلى الملصق الدعائي الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي في نيسان الماضي لحملة “Identitaer Generation” التابعة للحزب “اليميني الدنماركي”، بعنوان “سوريا مشمسة”، والذي عُلّق في اللوحات الطرقية بشوارع الدنمارك الرئيسة.

وكان ذلك الملصق الدعائي يهدف إلى تحفيز الحكومة الدنماركية على ترحيل اللاجئين السوريين القادمين من العاصمة دمشق.

امتلك بلال القلعي عمله الخاص خلال إقامته في الدنمارك، حيث أسس شركة توصيل للزبائن في المدن الدنماركية، وفق ما قاله، من أجل تأمين عائلته المكونة من أربعة أطفال.

ما يمارسه بلال هو الشيء ذاته الذي يحاول آلاف اللاجئين ممارسته، يبحثون عن ملاذ آمن حول العالم، بعيدًا عن أي نزاع لا يزال مستمرًا، ولا يمكن أن يتحمل مسؤوليته الضحايا من المدنيين.

أحلام صارت كوابيس

لم تواجه قرارات ترحيل أسماء الناطور أو بلال القلعي أي ضوابط قانونية يمكنها إيقاف تلك المخاوف لديهما، إذ لم يجد الشاب أي محامٍ متفرغ كي يساعده في تعديل وضعه القانوني، أو أي منظمة حقوقية باستطاعتها أن تنظر في مشكلته.

“هناك فئة كبيرة من المحامين الدنماركيين يملكون عنصرية تجاه اللاجئين، فلا يرغبون بتسلّم القضية، رغم بحثي المستمر عن أحدهم، لكن إلى الآن لم أجد أحدًا (…) والمحامون العرب لا يعرفون ما يجب فعله من إجراءات”، وفق ما قاله بلال القلعي، في حين أن أحلامه بالاستقرار تتحوّل مع مرور الوقت إلى “كوابيس” العودة إلى سوريا، وفق تعبيره.

أما أسماء الناطور التي انتقلت إلى “مراكز الترحيل” الأسبوع الماضي، فاعتبرت وجود اللاجئين في تلك المراكز “منافيًا لكل معايير الإنسانية”، كون المركز عبارة عن “سكن عسكري قديم أُخلي بعد أن صار غير صالح للعيش”، بحسب توصيفها.

وتحوّل الحكومة الدنماركية ملفات اللاجئين السوريين المهددين بالترحيل إلى “محكمة المظالم”، وتُعيّن محاميًا للاجئ ليأخذ حقه في محاولة الطعن بحكم الترحيل.

وطرحت عنب بلدي بعض الأسئلة المتعلقة بملف أسماء الناطور على المحامي الدنماركي الموكل عنها نيلز إيريك هانسن، لكنه رفض إعطاء أي معلومات، موضحًا أن الإجابة عن الأسئلة يمكن أن تتسبب بطرده من وظيفته، وفق ما قاله عبر مراسلة إلكترونية.

ومن المتوقع أن تكون جلسة المحكمة الأخيرة التي ستحدد مصير أسماء الناطور وزوجها خلال الأسبوع المقبل، ولا يوجد حتى تاريخ كتابة هذا التقرير ما يضمن حقهما، ويحميهما من قرار الترحيل.

وعرضت السلطات الدنماركية على أسماء الناطور مبلغ 150 ألف كرون دنماركي (حوالي 23 ألف دولار)، في حال قبلت العودة إلى دمشق طوعًا، وفق ما قالته.

القضاء في صف اللاجئ

الدنمارك هي من البلدان الموقّعة على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تمنع ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين إذا تعرضوا لخطر التعذيب أو الاضطهاد في بلدانهم الأصلية.

وأورد قانون اللاجئين الدولي المبادئ الرئيسة التي تستند إليها الحماية الدولية للاجئين، والوثائق الأساسية هي اتفاقية عام 1951، التي تعتبر حجر الزاوية للحماية الدولية للاجئين وبروتوكول 1967، وتتضمن أحكامها حظر إعادة اللاجئين وطالبي اللجوء إلى خطر الاضطهاد ضمن مبدأعدم الإبعاد، وشرط معاملة جميع اللاجئين بشكل غير تمييزي.

واللاجئ هو الذي مُنح سبب اللجوء بسبب تعرضه لاضطهاد حقيقي يهدد حياته، وبالتالي أي قرار للإعادة غير الطوعية هو محل اعتراض وطعن به أمام محكمة “العدل الأوروبية”، لمخالفته الصريحة لبنود هذه الاتفاقية.

تنص المادة رقم “33” من اتفاقية 1951، على عدم المس بالحقوق الأساسية للاجئ، إذ “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئًا أو أن تعيده قسرًا بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها، بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة، أو بسبب آرائه السياسية”.

ولا يزال عشرات الآلاف من المدنيين الذين اعتُقلوا تعسفيًا في سوريا مختفين قسرًا، بينما تعرض آلاف آخرون للتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، أو الموت رهن الاحتجاز، وفقًا لتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، المنشور في 1 من آذار الماضي.

في تشرين الثاني عام 2020، أصدرت محكمة “العدل الأوروبية” حكمها بأن هناك “افتراضًا قويًا” أن رفض أداء الخدمة العسكرية بسياق النزاع المسلح القائم في سوريا حاليًا مرتبط بأسباب قد تؤدي إلى استحقاق الاعتراف بحق اللجوء، لأنه في حالات كثيرة يكون هذا الرفض تعبيرًا عن آراء سياسية أو معتقدات دينية.

وجدت المحكمة، وهي أعلى هيئة قضائية لدول الاتحاد الأوروبي، أن رفض الشخص أداء الخدمة العسكرية مرتبط بأحد الأسباب الخمسة التي تؤدي إلى الاعتراف به كلاجئ.

وترى المحكمة أن “جرائم الحرب المرتكبة من قبل الجيش السوري موثقة بشكل جيد، كما أن الفرار من الخدمة العسكرية يصنف لدى السلطات السورية على أنه فعل ضد النظام”.

و”من المحتمل جدًا أن تفسر السلطات رفض أداء الخدمة العسكرية على أنه تعبير عن المعارضة السياسية”، وفق “العدل الأوروبية”.

ودعت المحكمة سلطات الدولة الأوروبية التي تدرس طلب اللجوء، إلى فحص سبب رفض أداء الخدمة العسكرية، وما إذا كان سيعرّض ملتمس اللجوء لأحد أشكال الاضطهاد الخمسة القائمة على العرق، أو الدين، أو الجنسية، أو الآراء السياسية، أو العضوية في فئة اجتماعية معيّنة.

إلا أن تلك القرارات القضائية والاتفاقيات الدولية تواجه تحديات سياسية في الدنمارك، حيث اقترح أحد الأحزاب الدنماركية المعارضة في شباط الماضي، إيجاد طريقة للتعاون مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على إعادة اللاجئين السوريين الذين رُفضت طلبات لجوئهم أو سُحبت، وذلك على اعتبار أن مدينة دمشق “منطقة آمنة للعودة إليها”.

وتعتبر المحكمة المختصة بقضايا ترحيل اللاجئين في أوروبا هي “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، ومقرها فرنسا، وفق ما أوضحه المحامي السوري والحقوقي في قضايا اللجوء هشام مسالمة، في حديث إلى عنب بلدي.

تعتبر “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” هيئة قضائية دولية، تتألف من عدد من القضاة يعادل عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي صدّقت على الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وفق ما أوضحه المحامي مسالمة، ويبلغ عدد هذه الدول 47 دولة.

ويقضي القضاة في المحكمة بصفة فردية، وفق المحامي، أي أنهم لا يمثلون أي دولة في معالجة القضايا المتقدم بها أمامها، ضمن إجراءات وضوابط معيّنة، وحين تصدر حكمها فلهذا الحكم قوة ملزمة، إذ يجب على البلد المعني تطبيقه.

ويمكن لأي شخص التقدم بالقضية أمام هذه المحكمة إذا كان يعتبر نفسه، شخصيًا ومباشرة، ضحية لانتهاك الحقوق والضمانات المنصوص عليها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بحسب المحامي، ويجب أن يكون الانتهاك مرتكبًا من إحدى الدول الملزمة بالاتفاقية.

ومن ضمن المحظورات المنصوص عليها في الاتفاقية “الطرد الجماعي لأجانب”.

ولا تنظر المحكمة بقضية أي لاجئ إلا في حال استوفى جميع الإجراءات الإدارية والطرق القضائية للحصول على حقه في اللجوء، وبحسب ما أوصى به المحامي المسالمة، يجب توكيل محامٍ من أجل تقديم القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بسبب وجود عدة إجراءات وطلبات شكلية دونها ستُرفض القضية شكليًا قبل النظر فيها موضوعيًا، وقد تنقضي مدة عام قبل نظر المحكمة لأول مرة في القضية، لكن يمكن إعطاء بعض القضايا صفة الاستعجال ومعالجتها بشكل أولي، خصوصًا في الحالات التي يوجد فيها خطر يهدد سلامة اللاجئ.

وإذا أُعلن عدم قبول القضية، يكون هذا القرار نهائيًا وغير قابل للرجوع عنه.

وإذا أُعلن قبول القضية، تشجع المحكمة الطرفين (اللاجئ والدولة التي أصدرت قرار ترحيله) على التوصل إلى تسوية بالتراضي، وفي حال انعدام التسوية بالتراضي، تبادر المحكمة حينها إلى النظر في موضوع القضية، أي أن تنظر المحكمة في حصول انتهاك للاتفاقية من عدمه.

لكن ليس من اختصاص المحكمة تنفيذ الأحكام أو إلغاء القرارات المحلية للدولة، إذ تبقى مسؤولية تنفيذ الأحكام ضمن نطاق “لجنة الوزراء” في الاتحاد الأوروبي المكلفة بمراقبة تطبيق الحكم، وبالتالي فلا تتدخل المحكمة مباشرة في سلطة الدولة التي يشكو منها اللاجئ.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع