وثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” حالات الاعتقال التعسفي (الاحتجاز) في سوريا خلال شهر تشرين الأول الماضي.
ووفق تقريرها الصادر الثلاثاء 2 من تشرين الثاني، وثقت “الشبكة” ما لا يقل عن 204 حالات اعتقال تعسفي، بينها طفل وتسع سيدات، خلال تشرين الأول الماضي، على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا.
وتحول 170 معتقلًا من أصل 204 حالات اعتقال تعسفي إلى مختفين قسرًا، خلال الشهر الماضي، واعتقل النظام السوري 97 شخصًا بينهم طفلًا وأربع سيدات، في حين احتجزت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) 57 شخصًا.
واحتجزت جميع فصائل المعارضة المسلحة (الجيش الوطني) 42 مدنيًا بينهم خمس سيدات، واحتجزت “هيئة تحرير الشام” ثمانية مدنيين، وكانت أكثر حالات الاعتقال التعسفي في حلب ثم الرقة ثم ريف دمشق، تلتها دير الزور.
وأوضحت “الشبكة” أن قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الأربعة الرئيسة غالبًا ما تكون هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيدًا عن السلطة القضائية.
ويتعرض المعتقل للتعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرم من التواصل مع عائلته أو محاميه، كما تنكر السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التعسفي، ويتحول معظم المعتقلين إلى مختفين قسرًا.
النظام السوري
أشار التقرير إلى أن النظام السوري كثّف من عمليات الاعتقال التعسفي بالتوازي مع انعقاد الجلسة السادسة لمفاوضات اللجنة الدستورية، وأن معظم حوادث الاعتقال في سوريا تتم دون مذكرة قضائية، لدى مرور “الضحية” من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة.
ولم تتوقف قوات النظام السوري عن ملاحقة واستهداف المدنيين في مناطق سيطرتها على خلفية معارضتهم السياسية وآرائهم المكفولة بالدستور السوري والقانون الدولي، وهذا ما يثبت أنه لا يمكن لأي مواطن سوري أن يشعر بالأمان من الاعتقالات، لأنها لا ترتكز على القانون أو على القضاء المستقل.
وتؤكد “الشبكة” أن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري لا يمكن أن تشكّل “ملاذًا آمنًا” للمقيمين فيها، وهي بالتالي ليست “ملاذًا آمنًا” لإعادة اللاجئين أو النازحين، لأن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام تقوم بهذه الاعتقالات بعيدًا عن القضاء، وغالبًا ما يتحوّل المعتقلون إلى مختفين قسرًا.
وأوضح التقرير استمرار قوات النظام السوري في ملاحقة واعتقال الأشخاص الذين أجروا “تسوية” لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها أن وقّعت اتفاقات “تسوية” مع النظام السوري، وتركزت هذه الاعتقالات في محافظات دمشق وريف دمشق ودرعا.
كما سجّل التقرير عمليات اعتقال استهدفت مدنيين بينهم نساء وأطفال على خلفية محاولتهم السفر إلى مناطق غير خاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، وتركزت في بلدة كويرس بريف حلب، وعمليات اعتقال لاجئين فلسطينيين في أثناء مراجعتهم مبنى الهجرة والجوازات في مدينة حلب لاستخراج وثائق تتعلق بالسفر خارج البلاد.
ووفقًا للتقرير، نفذت قوات النظام السوري عمليات اعتقال استهدفت مدنيين في قريتي زور شمر والشريدة ومدينة معدان بريف الرقة الشرقي، وذلك بتهمة التعامل مع تنظيم “الدولة”، وتم اقتيادهم إلى مراكز الاحتجاز التابعة لها في محافظة الرقة. كما سجّل عمليات اعتقال استهدفت مدنيين بينهم طلاب جامعيون على خلفية انتقادهم الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة النظام السوري.
ورصد التقرير إخلاء النظام السوري سبيل ما لا يقل عن 12 شخصًا من أبناء محافظات ريف دمشق ودرعا وإدلب، أفرج عنهم من مراكز الاحتجاز التابعة له في محافظة دمشق، وذلك بعد انتهاء أحكامهم التعسفية، وكانوا قضوا في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري مدة وسطية تتراوح ما بين عام واحد وثلاثة أعوام ضمن ظروف احتجاز غاية في السوء من ناحية ممارسات التعذيب، وشبه انعدام في الرعاية الصحية والطبية، والاكتظاظ الشديد في مراكز الاحتجاز، وجميعهم اعتُقلوا دون توضيح الأسباب ومن دون مذكرة اعتقال.
“قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)
جاء في التقرير أن “قسد” استمرت بسياسة الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري في تشرين الأول، ورصد التقرير ارتفاعًا في حصيلة حالات الاحتجاز والاختفاء القسري لديها، وذلك عبر حملات دهم واعتقال جماعية استهدفت بها مدنيين بذريعة محاربة خلايا تنظيم “الدولة”.
بعض هذه الحملات جرت بمساندة مروحيات تابعة لقوات التحالف الدولي، كما رصد التقرير عمليات اعتقال استهدفت عاملين في المجالس المحلية والمدنية التابعة لـ”قسد”، وتركزت في محافظتي الرقة ودير الزور، كما سجل عمليات اعتقال استهدفت مدنيين على خلفية مشاركتهم في مظاهرة مناهضة لـ”قسد” تنتقد الأوضاع المعيشية والخدمية والاعتقالات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتركزت هذه الاعتقالات في مدينة الرقة.
“هيئة تحرير الشام”
شملت الاعتقالات التي قامت بها “هيئة تحرير الشام” ناشطين إعلاميين وسياسيين، ومعظم هذه العمليات حصلت على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة “الهيئة” لمناطق سيطرتها، وتركزت الاحتجازات في محافظة إدلب.
تمت عمليات الاحتجاز بطرق تعسفية على شكل مداهمات واقتحام وتكسير أبواب المنازل وخلعها، أو عمليات خطف من الطرقات أو عبر نقاط التفتيش المؤقتة.
ورصد التقرير عمليات اعتقال قام بها عناصر “تحرير الشام” بحق عدة مدنيين من عائلة واحدة، وتركزت هذه الاعتقالات في مدينة كفر تخاريم بريف محافظة إدلب الغربي.
“الجيش الوطني”
قامت فصائل المعارضة المسلحة (الجيش الوطني) في تشرين الأول بعمليات احتجاز تعسفي وخطف طالت حتى النساء، معظمها حدث بشكل جماعي، واستهدفت قادمين من مناطق سيطرة النظام السوري، إضافة إلى حالات احتجاز جرت على خلفية عرقية، وتركزت في مناطق سيطرتها بمحافظة حلب.
وحدثت معظم الاعتقالات دون وجود إذن قضائي ودون مشاركة جهاز الشرطة، وهو الجهة الإدارية المخولة بعمليات الاعتقال والتوقيف عبر القضاء، ومن دون توجيه تهم واضحة.
وسجل التقرير عمليات دهم واعتقال شنها عناصر في “الجيش الوطني” استهدفت مدنيين بتهمة التعامل مع “قسد”، وتركزت في بعض القرى التابعة لمدينة عفرين بريف محافظة حلب.
قوانين دولية لا تُطبّق في سوريا
اعتبر التقرير أن قضية المعتقلين والمختفين قسرًا من أهم القضايا الحقوقية، التي لم يحدث فيها أي تقدم يُذكر على الرغم من تضمينها في قرارات عدة لمجلس الأمن الدولي وقرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان.
ونصّ كل من بيان وقف الأعمال العدائية في شباط عام 2016، وقرار مجلس الأمن رقم “2254” الصادر في كانون الأول 2015 في البند رقم “12”، على “ضرورة الإفراج عن جميع المعتقلين وخصوصًا النساء والأطفال بشكل فوري”، ومع ذلك لم يطرأ أي تقدم في ملف المعتقلين بجميع المفاوضات التي رعتها الأطراف الدولية بما يخص النزاع في سوريا، كما لم تتمكن “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” من زيارة جميع مراكز الاحتجاز بشكل دوري، وهذا بحسب التقرير يشكّل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني.
وأكد التقرير أن النظام السوري لم يلتزم بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صدّق عليها، وبشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنه أخلّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، فقد استمر بتوقيف مئات آلاف المعتقلين دون مذكرات اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تهم، وحظر عليهم توكيل محامين واستقبال الزيارات العائلية، وتحوّل 68.25% من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرًا.
وأشار التقرير إلى أن الأطراف الأخرى (قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام) وفصائل المعارضة المسلحة (الجيش الوطني) جميعها ملزمة بتطبيق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد ارتكبت انتهاكات واسعة عبر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.
وطالب التقرير مجلس الأمن الدولي بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عنه رقم “2042” الصادر بتاريخ 14 من نيسان عام 2012، والقرار “2043” الصادر بتاريخ 21 من نيسان عام 2012، والقرار “2139” الصادر بتاريخ 22 من شباط عام 2014، والتي تقضي بوضع حد للاختفاء القسري.
كما طالب أطراف النزاع والقوى المسيطرة كافة بالتوقف فورًا عن عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، والكشف عن مصير جميع المعتقلين المحتجزين والمختفين قسرًا، والسماح لأهلهم بزيارتهم فورًا، وتسليم جثث المعتقلين الذين قُتلوا بسبب التعذيب إلى ذويهم.
وأكد التقرير ضرورة تشكيل الأمم المتحدة والأطراف الضامنة لمحادثات “أستانة” لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري، والتقدم في عملية الكشف عن مصير 102 ألف مختفٍ في سوريا، 85% منهم لدى النظام السوري.
كما طالب بالضغط على الأطراف جميعًا من أجل الكشف الفوري عن سجلات المعتقلين لديها، وفق جدول زمني، وفي تلك الأثناء لا بد من التصريح عن أماكن احتجازهم والسماح للمنظمات الإنسانية و”اللجنة الدولية للصليب الأحمر” بزيارتهم مباشرة.
وشدد التقرير على ضرورة إطلاق سراح الأطفال والنساء، والتوقف عن اتخاذ الأسر والأصدقاء رهائن حرب.
–