“صوت الحق”، صفة أطلقها أهالي مدينة داريا على الشيخ نبيل الأحمر في زمن خيم الصمت فيه.
ولد الشيخ نبيل الأحمر في مدينة داريا عام 1970 من أسرة معروفة بالتزامها الديني والخلقي، تخرج عام 1997 من معهد الفتح الإسلامي التابع لجامعة الأزهر، ثم عين خطيبًا لمسجد طلحة والزبير في دمشق، وفي عام 2000 عين الشيخ خطيبًا وإمامًا لمسجد أنس بن مالك في داريا أحد أهم المساجد في المدينة وأكثرها نشاطًا.
وجّه الشيخ على منبره دومًا رسائلَ مبطنةً للمسؤولين والموظفين في الدولة لإصلاح الفساد المالي والإداري ورفع الظلم عن الناس، ما أدى إلى استدعائه من قبل الأفرع الأمنية للتحقيق معه العديد من المرات.
همّه الأول إنشاء جيلٍ مسلمٍ إسلامًا حقيقيًا بعيدًا عن البدع والترهات، فدعم النشاطات التي ترفع المستوى الفكري والثقافي عند الشباب، ولطالما شجع على الدراسات الكونية وساعد في ذلك. لم يتوان الشيخ عن المشاركة في أي نشاط يصب في مصلحة الشباب ومن أهم هذه النشاطات الدورات التأهيلية للإمامة والخطابة التي أقيمت في جامع أنس.
ساهم الشيخ أيضًا في تأسيس جمعية الزواج والأسرة التي تعنى بمتطلبات الشباب المقبل على الزواج وتنظيم الدورات التوعوية للأسر، وتفعيل دور الأسرة الأساسي في المجتمع.
ومنذ انطلاق الثورة السورية في 15 آذار 2011 وجّه الشيخ نصائحه إلى الشباب الثائر بضرورة الالتزام برفع الظلم والابتعاد عن الانتقام، وبتحقيق أهداف الثورة الأساسية بالحرية والكرامة والعدالة، وحذر من إراقة دم المسلم لأي سبب كان.
وفي يوم الخميس 21 نيسان 2011 أعلنت الحكومة السورية رفع قانون الطوارئ، لكنها فصلت في اليوم ذاته مدينة داريا عن جاراتها من المدن بوضع حواجز أمنية تابعة للمخابرات الجوية وشددت الخناق على الداخلين والخارجين من المدينة،
فرد الشيخ على منبره يوم الجمعة العظيمة 22 نيسان 2011 ووصف المدينة بأنها صارت تشبه قطاع غزة والاحتلال الاسرائيلي يحاصرها. وشهد اليوم ذاته ارتقاء أول ثلاثة شهداء في المدينة، وفي اليوم التالي قاد الشيخ التشييع الأول والأكبر في المدينة حيث شارك فيه أكثر من أربعين ألف مشيع، واستوعب بحكمته الجموع الغاضبة.
وبعد أسابيع على اشتعال المظاهرات تمت دعوة الشيخ لمفاوضة كبار أزلام النظام، فوافق الشيخ على ذلك لضرورة التعقل والهدوء في تلك الفترة، وقدم عدة مطالب أهمها حق التظاهر السلمي لكل أبناء المدينة دون أن يتدخل عناصر الأمن والشبيحة والإفراج عن معتقلي المدينة كلهم دون استثناء، وحصل على وعود بتحقيق المطالب، لكن ذلك لم يحصل.
بعدها وجّه الشيخ خطبةً لاذعةً إلى رأس النظام وكبار مسؤوليه يطالب فيها بوقف هدر الدماء، تم على أثرها عزله عن الخطابة وملاحقته أمنيًا مدة ستة أشهر حتى اعتقل بتاريخ 24 كانون الثاني 2012 مع شقيقيه من حي الميدان الدمشقي، وتم الإفراج عن شقيقيه بعد قرابة الأربعة أشهر ليبقى الشيخ مغيبًا عن أهله ومدينته منذ ذلك الوقت، ولم يعلم أحد مكانه أو أي شيء عن مصيره منذ خمسة أشهر.
ويبقى أهل الشيخ ومحبوه ينتظرون اليوم الذي يستمعون فيه من جديد إلى الصوت الذي لطالما دخل قلوبهم قبل أن يدخل آذانهم.