“تحرير الشام” تقصي أصدقاء الأمس.. سياسة أم بسط نفوذ؟

  • 2021/10/31
  • 9:12 ص

صورة تظهر قائد تحرير الشام أبو محمد الجولاني مع مقاتلين من الهيئة (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

ما لبث تصعيد الخطاب العسكري من قبل “تحرير الشام” ضد مجموعة “جنود الشام” الجهادية، القادمة من الشيشان بمعظم مقاتليها، أن انتهى، حتى عادت أرتال “الهيئة” لتتوجه إلى معاقل هذه المجموعات في جبل التركمان، معلنة الحرب على مقاتلين أجانب لم تسمّهم في بادئ الأمر.

وبعد ساعات من المعارك والفيديوهات المتداوَلة لعمليات أسر عناصر ومقاتلين من الطرفين، في 24 من تشرين الأول الحالي، خرجت “تحرير الشام” لتقول إن معاركها تقتصر على مجموعتين من المقاتلين الأجانب، مستثنية مجموعة “جنود الشام”، بعد تسوية سياسية بين الطرفين، أفضت إلى خروج الأخيرة من مناطق المواجهات.

ماذا جرى؟

في حديث إلى عنب بلدي، قال مسؤول التواصل في “تحرير الشام”، تقي الدين عمر، إن ما أسماه “التوتر العسكري” في جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي، ضد من أسماهم “مجموعة من الغلاة المتورطين بقضايا أمنية وإيواء مطلوبين أمنيًا”، انتهى وفق شروط، في 28 من تشرين الأول الحالي.

واشترطت “تحرير الشام” تسليم من تبقى من مقاتلي هذه المجموعات أنفسهم إلى “الهيئة” للبحث في أمورهم الأمنية، وتسليم المطلوبين أمنيًا والمنتسبين إلى هذه الفصائل الأجنبية، إضافة إلى الإفراج عن الأسرى من مقاتلي “الهيئة”.

وأضاف مسؤول التواصل لدى “الهيئة”، أن وقف إطلاق النار جاء بعد أن قُتل قياديون في هذه المجموعات وجُرح عدد منهم خلال المواجهات، مشيرًا إلى انتهاء جميع الأعمال العسكرية في جبل التركمان، وعودة مقاتلي “الهيئة” إلى جبهات القتال ضد النظام.

وجاء التصريح بانتهاء العمليات بعد يوم على اعتقال ثلاثة قياديين من الجنسية الشيشانية، بينهم شقيق قائد فصيل “جنود الشام”، “مسلم الشيشاني”.

انقلاب على رفاق الأمس

كان “الجهاديون” الأجانب حجر أساس عندما لمع نجم فصيل “جبهة النصرة” في سوريا عام 2013، ولا يمكن أن ينسى السوريون أن “النصرة”، التي فكّت ارتباطها بـ”القاعدة” ثم اندمجت بفصائل أخرى تحت مسمى “تحرير الشام”، كانت تشتهر بأن أغلب مقاتليها من “الجهاديين” الأجانب، بحسب ما يعتقده مقاتل سابق في حركة “أحرار الشام”، تحفظ على اسمه لدواعٍ أمنية.

وأضاف المقاتل السابق أن “الهيئة” روّجت سابقًا للمقاتلين الأجانب كمكوّن عسكري أساسي في الساحة السورية، حتى إن “أساطير كانت تُروى عن بطولاتهم وملاحمهم في ساحات المعارك”، ما شكّل فئة ليست بقليلة من السوريين يدافعون عنهم، ويؤيدون وجودهم، حتى مع المخاطر التي قد يشكّلها وجودهم في سوريا على مستقبل “الثورة السورية”.

وحتى 5 من أيلول الماضي، كان زعيم “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، يعتقد أن المقاتلين الأجانب في سوريا هم جزء من “تحرير الشام”، في لقاء أجراه مع صحيفة “Independent” بنسختها التركية.

تحمل تقلبات مواقف “تحرير الشام” على الصعيدين العسكري والسياسي بعض التساؤلات، إذ يعتقد الباحث في شؤون الجماعات “الجهادية” بمركز “جسور للدراسات” عباس شريفة، أن “الهيئة” ترمي من وراء عملياتها العسكرية الأخيرة إلى حصر النفوذ العسكري بتنظيمها.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن “تحرير الشام” تشرف على معظم خيارات السلم والحرب في الشمال السوري، بالاشتراك مع “الجبهة الوطنية للتحرير”، وهو الأمر الذي تحاول “الهيئة” حصره قدر الإمكان، بحسب شريفة.

هل تحمل “تحرير الشام” رسائل دولية

تتصدّر المجموعات “الجهادية” الأجنبية ذرائع وحجج النظام في المؤتمرات الدولية، كذريعة لأعماله العسكرية في الشمال السوري، التي لا تزال تستخدمها روسيا حتى اليوم كمبرر لقصفها المستمر على مناطق مأهولة بالسكان في الشمال السوري.

وفي هذا الشأن قال الباحث عباس شريفة، إن من المستبعد أن تكون أهداف “تحرير الشام” الأساسية إيصال نوع من الرسائل عن إخلاء المنطقة من هذه الفصائل، لكن من جانب آخر، يمكن لـ”الهيئة” الاستثمار في هذا الجانب، واعتباره مكسبًا إضافيًا للمكاسب العسكرية التي ترمي إليها، والتي اعتبرها شريفة أهدافًا أساسية.

وتحمل المواجهات العسكرية الأخيرة مع هذه المجموعات معاني عدة، بحسب شريفة، أهمها أن “تحرير الشام” هي صاحبة الكلمة في المنطقة، ويمكن أن تضبط هذه المجموعات التي تعتبر أكثر تشددًا، والتي تراها بعض الأطراف الإقليمية خطرًا عند الحاجة إلى ذلك.

وتعد مشكلة استعادة المواطنين الأجانب من سوريا قضية شائكة في الدول الغربية، التي تبرر ذلك بمخاوفها الأمنية، وصعوبة تحقيقها فيما ارتكبه مواطنوها خلال فترة وجودهم في سوريا.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية عارضت مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، يمنع تأهيل المقاتلين الأجانب، ودمجهم اجتماعيًا.

واستخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو)، في 31 من آب 2020، ضد مشروع القرار الذي حظي بموافقة 14 دولة، بسبب عدم تضمنه فقرة تطالب بإعادة المقاتلين الأجانب إلى بلادهم الأصلية، لا سيما المقاتلين الأجانب المحتجزين في سوريا والعراق، وفقًا لما نقلته وكالة “فرانس برس”.

التحركات الشعبية.. تأييد للأجانب أم سخط على “تحرير الشام”

شهدت ساحة باب الهوى شمالي إدلب وقفة احتجاجية رافضة لقتال “هيئة تحرير الشام” فصائل “المهاجرين” الأجانب في جبل التركمان، في 27 من تشرين الأول الحالي.

ردد المحتجون خلالها شعارات بإسقاط زعيم “هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، كما طالب المتظاهرون بعدم التجنّي على فصائل “المهاجرين” التي قاتلت النظام السوري وحلفاءه لسنوات، ووقف الاقتتال ضدها.

ورفع المتظاهرون لافتات تحمل عبارات “وراء كل اقتتال دولة داعمة. سكوتنا عن القاتل شجّع القتل. تقاتل أخاك وعدوك وراءك”.

تلتها احتجاجات شعبية انطلقت من “الجامع الكبير” في مدينة الأتارب، بريف حلب الغربي، ضد تنظيم “هيئة تحرير الشام”، في 29 من تشرين الأول الحالي، تحمل المطالب ذاتها.

وعن المواقف الرافضة للقتال، قال الباحث عباس شريفة، إنه وبغض النظر عن صواب أو خطأ هذا النوع من التحركات الشعبية، فهو يلخص حالة “عدم الثقة” التي تتملّك السوريين فيما يتعلق برواية “تحرير الشام”، التي بررت تفكيكها لهذه الفصائل بالغلوّ والتطرف، وإيواء مجموعات خارجة عن القانون.

الأمر الذي اعتبره “سخطًا شعبيًا” أكثر من كونه تضامنًا مع هذه الفصائل الأجنبية، خصوصًا أن عمليات “تحرير الشام” جاءت بالتزامن مع حملة قصف لقوات النظام وروسيا على الشمال السوري، وتلميحات مستمرة بعمليات عسكرية باتجاه مناطق نفوذ “الهيئة”.

“الهيئة” تخلي المنطقة من “مقاتلين متمرسين”

تزايد الحديث بين أوساط السوريين خلال الأشهر القليلة الأخيرة، عن كون هؤلاء المقاتلين متمرسين في القتال، وعن الحاجة المتزايدة لهم مع تصاعد الحديث عن حملة عسكرية محتملة في ريف اللاذقية من قبل روسيا والنظام.

إلا أن للباحث المختص في شؤون الجماعات “الجهادية” رأيًا آخر، إذ اعتبر الباحث عباس شريفة، أنه لا تأثير محتملًا يُذكر لحل هذه الفصائل على الصعيد العسكري، خصوصًا أنها عبارة عن مجموعات صغيرة، واعتبر أن العلاقة بين الحملة العسكرية التي يجري الحديث عنها وحلّ هذه الفصائل تكاد لا تُذكر، بقدر ما هي مكاسب سيادية لـ”الهيئة” في المنطقة.

لكن شريفة لم ينفِ أن يشكّل خلوّ جبهات القتال من هؤلاء المقاتلين بعض الخلل، كونهم موجودين في هذه الجبهات منذ سنوات عدة، إضافة إلى طبيعة المنطقة الجبلية التي يعتبرون متمرسين فيها.

لكن قلة عدد مقاتلي هذه المجموعات تخفّض من تأثير إخلائهم من المنطقة على الصعيد العسكري، إنما يكمن الخلل في تحولهم إلى خلايا نائمة في المنطقة تنفذ أجنداتها الخاصة، لكن خيار مغادرتهم الأراضي السورية يبقى خيارًا مطروحًا بالنسبة للعديد منهم، بحسب الباحث، كما حدث مع “موسى الشيشاني” شقيق قائد فصيل “جنود الشام”، عندما ألقت تركيا القبض عليه في أثناء محاولته مغادرة الأراضي السورية عبر الحدود التركية.

نظرة إلى السياق

وشهدت محافظة إدلب العديد من الخلافات بين “الهيئة” وفصائل أخرى، بدأت عام 2014 بخلاف بين “تحرير الشام” (جبهة النصرة آنذاك)، و”جبهة ثوار سوريا” وبعض فصائل “الجيش الحر”.

وأدت هذه الخلافات الداخلية إلى حل العديد من التشكيلات المنضوية تحت لواء “الجيش السوري الحر”، إذ اعتقلت “الهيئة” أعدادًا كثيرة من مقاتلي هذه الفصائل وصادرت أسلحتهم، لتتفرّد بحكم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، في إدلب وريفها ومناطق أخرى من أرياف حلب وحماة واللاذقية.

ويأتي الخلاف بين الجانبين في حين تريد روسيا وتركيا تحييد الجماعات التي تصنفانها بأنها “إرهابية” في المنطقة، وتأمين اتفاق “موسكو” الذي أُقر منذ 5 من آذار 2020، وينص على وقف إطلاق النار، وتشكيل حزام آمن على جانبي الطريق الدولي حلب- اللاذقية (4M).

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا