مدينة “باب الهوى” الصناعية.. محاولة لخلق بيئة اقتصادية
عنب بلدي – حسام المحمود
أنتج الظرف الاقتصادي المعقّد في الشمال السوري، من ارتفاع أسعار متواصل لا يتماشى مع طبيعة الأجور والمعاشات، محاولات لكسر حالة الركود الاقتصادي في المنطقة، بدأتها “الحكومة المؤقتة” في ريف حلب خلال السنوات الأخيرة، وانتقلت مؤخرًا إلى إدلب.
في 12 من أيلول الماضي، أجرى رئيس حكومة “الإنقاذ” العاملة في محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي، علي كده، جولة على المنطقة المزمع استخدامها أرضية لانطلاق المدينة الصناعية في منطقة باب الهوى الحدودية مع تركيا.
الزيارة التي أجراها كده برفقة وزير الاقتصاد والموارد، باسل عبد العزيز، ووزير الإدارة المحلية والخدمات، قتيبة الخلف، كانت بوابة للحديث عن أول مدينة صناعية في منطقة نفوذ “الإنقاذ”، بعد أربع مناطق ومدينة صناعية أُقيمت في ريف حلب الشمالي، والشمالي الغربي، منذ سيطرة فصائل المعارضة على تلك المناطق عام 2017 بدعم تركي، سعت خلاله تركيا لتولي الدفة الاقتصادية والخدمية في المنطقة.
ورغم اختلاف السلطة القائمة في مدينة “باب الهوى” الصناعية، والمدن أو المناطق الصناعية السورية التي أُنشئت في الشمال السوري خلال السنوات الأخيرة، فإن الحالة الاقتصادية تتشابه في كلتا المنطقتين بالنسبة إلى الأهالي، من حيث قلة فرص العمل وانخفاض الأجور، إلى جانب ضعف الاستقرار الأمني، وانعدام الحياة الاقتصادية، التي جاءت هذه الخطوات كمحاولة لإنعاشها.
وتشهد مناطق شمال غربي سوريا حالة اقتصادية معقدة تتنوع أمامها الكيانات السياسية والعسكرية المسيطرة على الأرض، أمام إحصائيات أممية متكررة تتحدث عن حالة الفقر واعتماد السوريين على المساعدات الغذائية التي سعت روسيا خلال الأشهر الماضية لتغيير طريقها ووضعها في أحضان النظام، قبل صدور قرار مجلس الأمن الدولي بتمديد إدخال المساعدات الإنسانية عبر “باب الهوى” لمدة عام، في تموز الماضي.
15 ألف فرصة عمل.. مستثمرون يشترون
تتيح “الإنقاذ” للمستثمرين شراء العقارات ضمن المدينة الصناعية في “باب الهوى”، على أن تسدد قيمة العقار على دفعات للصناعيين والحرفيين والراغبين في الاستثمار، ما اعتبره وزير الاقتصاد في “الحكومة”، باسل عبد العزيز، دعمًا للقطاع الصناعي، ومصلحة لسكان الشمال “المحرر” ككل، وفق ما نشرته “الإنقاذ”، في 12 من أيلول الماضي.
وأكد علي كده خلال ندوة عقدتها حكومة “الإنقاذ”، في 15 من أيلول الماضي، للتعريف بمدينة “باب الهوى” الصناعية في منطقة سرمدا، أن “الحكومة بذلت أقصى جهودها في تأمين الخدمات المطلوبة لإنجاح هذا العمل وتهيئة الجو الملائم للاستثمار”.
وأعرب كده خلال الندوة عن أمله في أن تحقق المدينة الصناعية المستقبلية انعكاسات إيجابية على مختلف شرائح المجتمع، من حيث زيادة فرص العمل، وتهيئة الجو الملائم للاستثمار.
المدير العام للصناعة في حكومة “الإنقاذ”، مضر العمر، تحدث لعنب بلدي حول المنافع المنشودة من إحداث المدنية الصناعية، معتبرًا أن الحافز الأكبر خلف إقامة المدينة هو تشجيع الاستثمار، وخلق فرص عمل جديدة.
ولفت العمر إلى 15 ألف فرصة عمل ستُخلق مباشرة بمجرد دخول المدينة الصناعية في الخدمة، إلى جانب خمسة آلاف فرصة عمل أخرى ستُتاح فيما بعد.
وحول طبيعة المنطقة المختارة لإقامة المدينة الصناعية، أوضح العمر أنها ستقام على أرض صخرية وليست ذات طبيعة زراعية، كما أنها قريبة من المعبر الحدودي مع تركيا لتسهيل عملية الاستيراد والتصدير، إلى جانب اتصالها بالتجمعات السكنية بشبكات طرق عديدة تسهّل نقل العمال والبضائع.
ومن المقرر أن تحظى المدينة بشبكات مياه وشبكة صرف صحي وكهرباء، وشبكة للهاتف.
كما ستحتوي على مركز صحي ومركز إطفاء للاستفادة منه في حال حدوث حرائق، بالإضافة إلى مركز شرطة.
وأشار العمر إلى أن العمل على شق الطرق ودراسة شبكات المياه والصرف الصحي بدأ، موضحًا أن استكمال المشروع في مراحله الأولى سيجري خلال تسعة أشهر.
وستقسم المدينة الصناعية إلى خمسة أقسام رئيسة وفق القطاعات الإنتاجية التي ستقدمها، والتي تشمل الصناعات الغذائية والنسيجية والهندسية والكيميائية، إلى جانب قسم مخصص للمشاريع الخدمية، والحدائق والمساحات الخضراء.
وبيّن العمر حاجة مناطق شمال غربي سوريا إلى المشاريع وفرص العمل التي ستخلقها المدينة، كما اعتبر الخدمات المقدمة في المدينة الصناعية من بنى تحتية وخدمية عامل جذب للمستثمرين.
وحول آلية انتقال الصناعيين إلى المدينة الصناعية، قال العمر، إن الانتقال سيكون طوعيًا في المرحلة الأولى لكثير من الصناعات العادية، لكنه سيكون ملزمًا للصناعات الخطرة والتي تحمل آثارًا سلبية على البيئة والصحة العامة، نتيجة وجودها ضمن التجمعات السكنية.
البداية متعثرة؟
استبعد الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، قدرة المدينة الصناعية التي يجري إنشاؤها في باب الهوى على جذب مستثمرين جدد، باعتبار أن رأس المال السوري أو العربي يخشى الدخول إلى تلك المناطق، كون الوضع الأمني فيها غير مستتب، ما يعني أن البداية لن تكون بالزخم المتوقع.
وأوضح شعبو، في حديث إلى عنب بلدي، أن المدينة ستجمع شتات الصناعيين الموجودين والموزعين بين المناطق السكنية، لافتًا في الوقت نفسه إلى أهمية المدن الصناعية بالنسبة إلى الدول النامية والمتقدمة، لدورها في تحريك عجلة الاقتصاد وتخفيف حدة البطالة.
وشدد شعبو على ضرورة بلورة الأمور التنظيمية قبل التنفيذ، باعتبار أن القوة الشرائية في الشمال السوري ضعيفة، ما يعني الحاجة إلى سوق تصريف للمنتجات وتصديرها، في ظل تحديات أمنية وتعدد مناطق وجهات النفوذ على الأرض.
وحول فوائد إنشاء مدينة صناعية، أوضح الباحث الاقتصادي أن تنظيم الصناعات يسهم في إنعاش الوضع الاقتصادي، وتحسين حالة المنتجين والمستهلكين الاقتصادية، إلى جانب انعكاساته على الصعيد السكاني والعمراني والبيئي، عبر عزل الصناعات وإبعادها عن الواقع السكاني.
وبعد تنفيذ المدينة الصناعية في باب الهوى، ستكون المدينة الصناعية الثانية في الشمال بعد مدينة “الباب” الصناعية التي أُسست عام 2018.
ونوه شعبو إلى احتمالية وجود قرار داخلي أو من الجهات الداعمة، لتنشيط الحياة الاقتصادية في الشمال السوري، في محاولة لترغيب السكان بالبقاء في مناطقهم، والحد من محاولات الهجرة واللجوء.
لماذا مدينة صناعية؟
يعرّف الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، وفق دراسة صادرة عن مركز “جسور للدراسات” في آب الماضي، المدينة الصناعية بأنها منطقة تتموضع خارج المدينة (المأهولة) عادةً، وتتضمن منشآت مزوّدة بنظام مواصلات ونقل لخدمة عملياتها، وتعتبر مناطق مستقلة بذاتها وتحتوي على إدارة مستقلة عن الإدارة المحلية.
والمدن الصناعية، وفق تركاوي، إحدى أهم أدوات التنمية في المنطقة أو البلد الذي تقام فيه، كونها تسهم في تعزيز الناتج المحلي، وترفع من نسب التوظيف، وتشجع على إنشاء بنى تحتية متطورة، وتعزز المنافسة.
كما تسهم في تقوية التشابكات القطاعية التي تقوم على إعطاء دفعات خارجية للمنشأة، تسهم في تعزيز فوائدها الاقتصادية.
ويرى الدكتور فراس شعبو أن الغاية من إقامة المدينة الصناعية، تنظيم الأعمال ومكان وجود المصانع، فلا تكون مترامية بشكل عشوائي، أو متداخلة في الأحياء السكنية، ما يعني بالضرورة تنظيم العملية الصناعية، وجمع الحرف والصناعات ضمن منطقة واحدة، قرب الموارد التي تحتاج إليها، ما يخلق بيئة مواتية للإنتاج على صعيد أولي بالنسبة للمدن المتوفرة بالشمال السوري.
وأشار شعبو إلى أن مصطلح المدينة الصناعية بمعناها الحرفي يشير إلى منشآت ضخمة وعملاقة مغايرة لما يجري العمل عليه في باب الهوى، منوهًا إلى أهمية الخطوة وضرورة أن تترافق معها خدمات وبنى تحتية ومستلزمات وحالة أمنية مواتية.
تجارب سابقة في الشمال
أُسست، في عام 2018، المدينة الصناعية في منطقة الباب، المملوكة لرجل الأعمال عمر واكي، الذي حصل على ترخيص بتنظيمها كمدينة صناعية تضم مساحات متوفرة للصناعات، وتشمل 500 عامل ضمن 15 معملًا يفوق إنتاج بعضها الكمية المطلوبة لتغطية حاجة الأسواق المحلية.
كما بدأت السلطات المحلية في مدينة الراعي ببناء منطقة صناعية في المدينة، بلغ عدد المنشآت ذات المساحات الصغيرة فيها نحو 800 منشأة، وفق تصريحات صحفية أدلى بها رئيس غرفة التجارة والصناعة في المدينة، حسين العيسى، في شباط الماضي.
وكان المجلس المحلي في مارع أطلق، عام 2018، مشروعًا لبناء مدينة صناعية شمالي المدينة، تتكوّن من كتلتي بناء، تتضمن 32 متجرًا كبيرًا.
كما تعمل المجلس المحلية في اعزاز وجرابلس على إنشاء منطقتين صناعيتين، تبلغ مساحة الأولى 85 ألف متر مربع، بينما تمتد المنطقة الصناعية في جرابلس على مساحة 20 دونمًا.
وأحصت عنب بلدي في ملف سابق الفوائد التي تجنيها تركيا، صاحبة النفوذ في المنطقة، من دعم هذه المدن، ويتجلى أبرزها في منع الهجرة ودعم إعادة اللاجئين والإعمار، ودعم الاستقرار الأمني والسياسي، وخلق سوق تصريف جديد للمواد الأولية التركية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :