عنب بلدي – الرقة
لم يعد بمقدور إسماعيل الياسين (44 عامًا) تأمين مصاريف عائلته اليومية بسبب تدني دخله اليومي في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا، وارتفاع أسعار احتياجات العائلة المكوّنة من سبعة أفراد.
إسماعيل الذي يعمل في محل لبيع الخضار بحي الادخار، يضطر، وفق ما قاله لعنب بلدي، إلى إرسال ابنه ذي الـ17 عامًا للعمل في ورشة بناء بأجر يومي بحدود خمسة آلاف ليرة سورية (1.5 دولار)، إذ يعتبر عمل الأطفال مشهدًا شبه مألوف في كثير من مناطق مدينة الرقة، يضطر قسم كبير منهم لممارسة مهن شاقة لعدة أسباب، منها عدم قدرتهم على الذهاب إلى المدارس أو تردي الأوضاع الاقتصادية.
بينما تعمل زوجة إسماعيل وإحدى بناته في تطريز الملابس النسائية، أما أبناؤه الثلاثة المتبقون فيذهبون بانتظام إلى المدرسة.
يبلغ الدخل اليومي الذي تنتجه عائلة إسماعيل بحدود الـ30 ألف ليرة سورية (تسعة دولارات)، تنفقها العائلة في شراء احتياجاتها الأساسية والمواد الغذائية، وتتجنب المصاريف الزائدة.
خلال الفترة الماضية، وجدت عوائل في مدينة الرقة نفسها مضطرة للعمل بأكملها في غالب الأحيان، بسبب تدني الدخل اليومي لمعيلي تلك الأسر، والتدني في المستوى المعيشي لبعض العوائل مع هبوط قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وارتفاع أسعار أغلبية الاحتياجات الأساسية.
استغلال الفرص المؤقتة
ضمن عائلة أخرى، تجمع شيرين السعدي (43 عامًا)، من سكان قرية الخاتونية بريف الرقة الغربي، ثلاثًا من بناتها في العشرينيات من عمرهن، وتنطلق باكرًا للعمل في الحقول الزراعية بأوقات المواسم، مثل قطاف القطن أو تنظيف الأعشاب.
تضطر شيرين إلى استغلال فرصة العمل في المواسم الزراعية، لأنه بحلول فصل الشتاء لن تجد فرصة كهذه، فهي تعمل الآن لتدّخر شيئًا ما لأشهر الشتاء، وفق ما قالته لعنب بلدي.
ويعمل زوج شيرين في الحقول الزراعية، كي يكون بمقدورهم تأمين مصاريف العائلة لفترة مؤقتة، لكن عمل الزوج مؤقت، إذ ينقضي بانقضاء فترة المواسم الزراعية، فيجد الزوج نفسه عاطلًا عن العمل أو مضطرًا للعمل حمّالًا بأجرة زهيدة في أسواق المدينة، رغم ارتفاع الأسعار الذي طال أغلبية المواد الغذائية الأساسية والخضراوات والأدوية.
ولا يوجد في مدينة الرقة أو ضمن قوانين “مجلس الرقة المدني” تحديد شامل لأجر العمال، الذين غالبًا ما يضطرون إلى العمل لساعات طويلة بأجر مادي بسيط.
الحال لا تختلف لدى الموظفين في المدينة، ففي الرقة ينقسم الموظفون إلى ثلاث شرائح، الأولى الموظفون في مؤسسات النظام السوري الذين يمتنعون عن العمل لدى “الإدارة الذاتية” والمؤسسات التابعة لها، وهم مجبرون على السفر إلى مناطق سيطرة النظام.
والشريحة الثانية، موظفو المنظمات المدنية التي تواجه اتهامات بابتزاز موظفيها ماديًا، ويتراوح راتب العاملين فيها بين 500 و1200 دولار أمريكي، حسب الاختصاص والشهادة وطبيعة العمل.
والشريحة الثالثة، موظفو “الإدارة الذاتية” والمؤسسات التابعة لها، وتتراوح رواتبهم بين 260 ألف ليرة سورية (79 دولارًا) و400 ألف ليرة (121 دولارًا)، لكنهم يشتكون باستمرار من عدم وجود أو تطبيق قانون عمل يحميهم ويحفظ حقوقهم.
“حالة سورية عامة”
أرجع عضو “لجنة الشؤون الاجتماعية” في “مجلس الرقة المدني” الظروف التي تمر بها عوائل في الرقة، إلى أنها “حالة سورية عامة، ولا تنحصر فقط بالمناطق التي تديرها (الإدارة الذاتية) في شمالي وشرقي سوريا”.
واعتبر عضو “اللجنة”، الذي تحفظ على ذكر اسمه كونه لا يملك تصريحًا بالحديث إلى الإعلام، أن المنظمات الإغاثية في الرقة تتحمّل جزءًا من المسؤولية في سد احتياجات الأسر المحتاجة، وتقديم الدعم لها في حال عجز المعيل عن تأمين مستلزمات أسرته.
وبحسب إحصائية أجراها مكتب المنظمات في “مجلس الرقة المدني”، فإن عدد المنظمات العاملة في مدينة الرقة يتجاوز 200 منظمة مسجلة رسميًا، إلا أن أغلب تلك المنظمات تركز عملها على المحاضرات التوعوية والإرشاد النفسي وبعض الدورات المهنية، متجاهلة الحالات السيئة لبعض العائلات، وفق ما قاله سكان في الرقة باستطلاع رأي أجرته عنب بلدي في المدينة.
لا أحد يملك حلًا جذريًا
قال لؤي القاسم، وهو موظف يعمل في منظمة مدنية بالرقة، إن أغلب المنظمات تركز عملها على المبادرات والمشاريع التي تجلب الدعم المادي من الخارج، وبالوقت ذاته، تتجنب مشاريع تحتاج إلى مبالغ طائلة، ومنها دعم الأسر الفقيرة.
وأضاف لؤي أن بعض المنظمات تعمل على توزيع المساعدات الإغاثية والمالية في أحياء فقيرة من المدينة، لكن ليس بوسع تلك المنظمات سد احتياجات كل العائلات، كون عدد العائلات تحت خط الفقر كبيرًا، ولا طاقة لأحد بحل هذه المشكلة “جذريًا” على حد تعبيره.
وفي بداية تموز الماضي، ذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن حوالي 90% من العائلات السورية تتبع استراتيجيات وأساليب تأقلم سلبية، للبقاء على قيد الحياة.
وأوضح البرنامج الأممي، أن السوريين يلجؤون إلى تقليل كمية الطعام التي يتناولونها، بالإضافة إلى شراء كميات قليلة مما يحتاجون إليه، لافتًا إلى اتباع السوريين أسلوب الاستدانة، أي الاقتراض لشراء حاجاتهم الأساسية.
حديث برنامج الأغذية العالمي جاء بعد حوالي شهر فقط من إحصائية نشرها البرنامج، وبيّن خلالها أن 84% من العائلات في سوريا فقدت مدخراتها بعد نحو عقد من الصراع.
كما ذكر أيضًا أن 4.8 مليون سوري يعتمدون على المساعدات الغذائية من برنامج الأغذية العالمي للبقاء على قيد الحياة.
ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، هناك حاجة إلى أكثر من عشرة مليارات دولار لعام 2021، من أجل دعم السوريين المحتاجين بشكل كامل، وهذا يشمل 4.2 مليار دولار على الأقل للاستجابة في سوريا، و5.8 مليار دولار لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم في المنطقة.
وكانت الأمم المتحدة أطلقت، في تشرين الثاني 2020، نداء لتمويل صندوق أعمالها المتعلق بالاستجابة الإقليمية للأزمة السورية، بقيمة 131.6 مليون دولار أمريكي لبرنامج الاستجابة الإقليمية، موضحة أن الدعم سيشمل 11.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية داخل سوريا، إضافة إلى وجود نحو 5.6 مليون لاجئة ولاجئ سوري في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.