السويداء – مهند زين الدين
دفع الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي في عموم المحافظات السورية قسمًا كبيرًا من الشباب إلى التفكير في السفر خارج سوريا، إذ صار العشرات من شباب محافظة السويداء يتهافتون للحصول على جواز سفر بشكل يومي، في محاولة للهرب من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها سوريا.
يفكر الشاب علاء (25 عامًا) في البحث عن مستقبل له في بلد آخر، فقد قرر مراجعة فرع الهجرة والجوازات في السويداء لاستصدار جواز سفر، بعد أن فقد الأمل بإيجاد حلول بديلة للبقاء في البلد.
علاء، الذي فضّلنا عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، قال لعنب بلدي، إن أعلى أجر شهري تلقاه لم يتجاوز 150 ألف ليرة سورية (45 دولارًا)، وهو لا يكفيه لمعيشة أسبوعين، ولم يجد أمامه خيارًا إلا السفر، هربًا من الواقع الذي تمر به محافظته السويداء، والمستقبل الذي صار مجهولًا بالنسبة إليه.
وأضاف الشاب، الذي تخرج في كلية التربية باختصاص معلم صف عام 2018، أن الشباب اليوم لا يبحثون عن قصور ولا سيارات ولا ثروة طائلة، إنما يبحثون فقط عن حياة حرة كريمة، وتأمين قوت يومهم الذي صار من أصعب الأشياء الذي يمكن تأمينها في محافظته وبقية المحافظات السورية.
حال علاء تشبه مئات الشبان في السويداء، الذين ينشط قسم كبير منهم بالأعمال الحرّة كالمطاعم أو أعمال البناء، تاركين خلفهم شهادتهم الجامعية معلّقة على جدران منازلهم، بعد أن صارت مجرد “كرتونة” ليست لها أي فائدة.
وبحسب حديث لموظف في فرع الهجرة والجوازات بالسويداء إلى عنب بلدي، فإن العديد من البلدان تفتح أبوابها للسوريين كلاجئين، ما أدى إلى ارتفاع حالات السفر في عموم المحافظات السورية وخصوصًا في السويداء، إذ تجاوزت أعداد مراجعي فرع الهجرة والجوازات في المحافظة لاستصدار جواز السفر أو تجديده قرابة 100 مراجع يوميًا.
معوقات أمام المراجعين
تقف عوائق عديدة أمام الراغبين بالسفر بعد أن ضاقت بهم السبل، أولها أن جواز السفر السوري احتل المرتبة ما قبل الأخيرة في العام الحالي، وفق مؤشر “هينلي باسبورت” (Henley passport) لتصنيف ترتيب جوازات السفر عالميًا.
يضاف إلى ذلك التأخير في استصدار الجواز العادي، وحتى المستعجل الذي يحتاج إلى يومين في الأحوال الطبيعية، لكنه الآن يحتاج إلى 100 يوم، على الرغم من وعود مسؤولي فرع إدارة الهجرة بتسريع عملية الاستصدار، التي وصفها علاء بـ”الخلّبية”.
ويزيد من صعوبة استصدار جواز السفر (السريع)، تكلفته المادية التي تبلغ قرابة مليون ليرة سورية (300 دولار)، في حال التقديم من داخل سوريا، بعد أن كانت 31 ألف ليرة سورية (عشرة دولارات)، بينما تبلغ تكلفة جواز السفر العادي (البطيء) مئة ألف ليرة سورية (30 دولارًا) بعد أن كانت 13 ألف ليرة سورية (خمسة دولارات).
وفي كلتا الحالتين، تنتشر المحسوبيات والرشى في فرع الهجرة والجوازات، إذ يحتاج الفرد إلى عدة وساطات لاستصدار جواز السفر خلال مدة زمنية معقولة، فضلًا عن أنه في الوقت الحالي يحتاج إلى وثيقة لقاح ضد فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، والتي تبلغ تكلفتها أكثر من 20 ألف ليرة سورية (سبعة دولارات)، يدفعها المُراجع لدى المصرف التجاري السوري.
ضرائب التأخير يدفعها سوريون في الخارج
سامر (27 عامًا) يقيم منذ عامين في أربيل بكردستان العراق، قال لعنب بلدي، إنه طلب عبر سفارة النظام تجديد جواز سفره منذ آب الماضي، وبلغت تكلفته 300 دولار، وحتى الآن لم يصله أي رد من القنصلية.
وعلى خلفية هذا التأخير، يدفع سامر 20 دولارًا كغرامة يومية بسبب انتهاء إقامته في أربيل، التي كان من المفترض أن يجري تجديدها في 1 من أيلول الماضي، بينما لا تتجاوز أجوره اليومية التي يتقاضاها في أربيل 15 دولارًا.
ومن المعوقات أيضًا، استغلال عشرات المكاتب والأشخاص لأبناء المحافظة، إذ يقومون بتقديم عروض للسفر مع عمل خارج سوريا مقابل مبالغ كبيرة، وفي نهاية المطاف عندما يصل المسافر إلى الدولة المستهدفة تذهب وعود المكاتب والأشخاص أدراج الرياح، فلا يجدون العمل الذي تم الاتفاق عليه، إضافة إلى أنهم لا يجدون مكانًا يؤويهم، وبالتالي قسم كبير عاد إلى السويداء بعد خيبة الأمل التي وقع بها.
ويعاني السوريون من أوضاع معيشية صعبة، في ظل تراجع قيمة الليرة السورية، الأمر الذي أثر بدوره على توفر فرص العمل.
وقدرت منظمة الصحة العالمية أن 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وتتصدّر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، بنسبة بلغت 82.5 %، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي.
ولا يستطيع السوري الدخول سوى إلى 29 دولة فقط من دون تأشيرة، بينما تتطلب بقية الدول الحصول على “فيزا” لدخولها.