عنب بلدي – درعا
لم يعد هشام (45 عامًا) يتمكّن من ركن سيارته على يمين الطريق في حال تعطلها، بسبب تعدي بعض مالكي الأراضي الزراعية الذين وسّعوا عقاراتهم باتجاه الطرق.
إذ وسّع مالكو أراضٍ زراعية، في درعا جنوبي سوريا، عقاراتهم الملاصقة للأرصفة، حتى وصلت إلى حد الطريق المعبّد، من دون ترك مساحة لمن أراد ركن سيارته بجانب الرصيف، أو حتى كي يتمكّن المشاة من السير على الأرصفة المخصصة لهم بالأساس.
يعتبر حق فضاء الرصيف من الحقوق العينية الأصلية، ويمنح صاحبه سلطة الاستغلال والاستعمال والتصرف بالجزء الذي يعلو الرصيف حصرًا، من دون التأثير على الرصيف والنفع العام، وحركة المشاة، ويمكن اشتغاله بالبناء من قبل صاحب العقار الملاصق لفضاء الرصيف، وإشغاله بصورة مختلفة من قبل الغير عن طريق نصب اللوحات الإعلانية والدعائية التجارية على أفضية الأرصفة بموجب شروط وضوابط محددة.
إلا أن حال التوسع بإشغال الأرصفة في درعا لم يواجهه أي ضوابط، ما أدى إلى وقوع حوادث مرورية، وضيق الطريق لمرور سيارتين بجانب بعضهما، وفق ما قاله سكان من درعا التقت بهم عنب بلدي.
ظاهرة تستوجب التنظيم
في حال تعطلت سيارة هشام لا مجال له لركنها إلا ضمن طريق السير، بحسب ما قاله لعنب بلدي، حتى نتجت عن تلك التجاوزات حوادث مرورية متكررة.
وأكد الشاب نبيل، من قرى حوض اليرموك، ظاهرة التعدي على الأرصفة، مشيرًا إلى أنها شملت المرافق العامة أيضًا من خطوط مياه وكهرباء وهاتف، حتى إن بعض مالكي الأراضي سيّجوا هذه المرافق وصار من الصعب العمل فيها.
بعد عام 2011، لم تعد المؤسسات الحكومية في درعا تؤدي مهامها كالسابق، من ضمنها تعبيد الطرق والأرصفة وإصلاح المرافق العامة، لذلك لجأ بعض المالكين إلى جرف المساحات بين عقاراتهم والطرق، لكسب مساحة أرض إضافية، دون الالتزام بـ”ضابطة البناء”.
وتُعرف “ضابطة البناء” بأنها مجموعة القواعد والاشتراطات التي تنظم عملية البناء، من حيث نسبة البناء المسموح بها على عقار يمكن البناء عليه، ومساحة “الوجائب” التي يجب الالتزام بها في موقع البناء، والمسافات التي يجب أن يبتعد فيها البناء عن حدود العقارات المجاورة له والطرق المحاذية، والارتفاع الأعظمي للبناء، وعدد الطوابق، وفرض بناء مرآب حسب الضرورة.
وتعتبر الغاية من نظام “ضابطة البناء” منع التلوث البصري والسمعي، وحماية بعض المنشآت حسب الغاية منها.
وتركت الجهات الحكومية مسافة أربعة أمتار على جانبي الطريق، لتكون هناك إمكانية لتوسيعه مستقبلًا، وتمرير الخدمات الرئيسة من كهرباء وهاتف ومياه على جانبيه.
وكانت تعاقب بالمخالفة المالية، كل من يتعدى على الحدود وإزالة الضرر على حساب المتعدي، بحسب ما قاله عبد الكريم، وهو موظف متقاعد، لعنب بلدي.
وأضاف الموظف السابق أن بعض السكان وسّعوا عقارتهم على مخططات المصالح العامة، حتى وصل الأمر بهم للبناء على حواف الطرق وإلغاء هذه الخدمات، وهذا البناء يعتبر مخالفًا للأنظمة، وتجب إزالته.
وأوضح أن لكل مرفق عام حرمًا لا يقل عن أربعة أمتار، تُوظف لتمديد خطوط الكهرباء والمياه.
الفضاء: الحيّز المكاني والفراغ الذي يتسع سطح الأرض وما يعلوها إلى الحد المفيد في التمتع به، والذي تمتد إليه الملكية بصورة تبعية أو يكون مملوكًا بصورة أصلية.
الرصيف: مكان مرتفع جانب الطريق مخصص للمارة، يعتبر جزءًا مكملًا لتصميم الشوارع في المدن، وهو بقعة من الأرض مبلطة بصفائح الحجارة ومفروشة بالصخور. إشغال حق فضاء الرصيف: اختصاص يقر به المشرّع سلطة أو تكليفًا. |
غياب الرقابة
لم يقتصر إشغال الأرصفة على المناطق الزراعية، إنما شمل الأرصفة في المدن والتي وضع الباعة عليها بضاعتهم لعرضها، حتى أُشغلت الأرصفة بشكل كامل، وعاقت المرور من خلالها، مع أنها مخصصة للمشاة، وفق ما رصدته عنب بلدي.
وتشهد محافظة درعا، التي سيطر النظام السوري على معظمها في فترات متتالية منذ عام 2018، خصوصًا مناطقها الريفية، ضعفًا في تقديم الخدمات التي اقتصرت على ترقيع المطبات في الطرق الرئيسة دون تعبيدها، وغيابًا لرقابة مصلحة الطرق.
غياب الرقابة تلك يمتد إلى عدم وجود جهة حقوقية فعّالة قادرة على حصر وحماية الممتلكات العامة، والدفاع عنها وتمثيلها أمام المحاكم، وتوثيق التجاوزات الواقعة عليها، وليست هناك جهة تعمل على وقف التجاوزات في البناء على طريق عام، أو فضاء الأرصفة.
ويؤدي إشغال حق فضاء الرصيف دون أي ضوابط إلى العبث بالنسق والتطوير العمراني ضمن مدن المحافظة وبلداتها، وتراجع الارتقاء بجماليتها، بالإضافة إلى عدم توفير مساحات إضافية داخل المناطق، ما يرتب على الجهات المعنية ضرورة التوضيح والإرشاد لكيفية إشغال فضاء الأرصفة وتنظيم المساحات المرورية.