“من عامودا إلى عامودا”.. سيروان حاج بركو يسرد تجارب المهجر

  • 2021/10/31
  • 10:46 ص

ينتمي كتاب “خارج السباق.. من عامودا إلى عامودا” إلى سرد التجارب الشخصية، إذ يتيح المدير التنفيذي في مؤسسة “آرتا” للإعلام والتنمية، الصحفي سيروان حاج بركو، ضمن كتابه الصادر عام 2021، مساحة لعرض هجرته من مدينة عامودا التابعة لمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا إلى ألمانيا الشرقية، قبل أن تتحد مع ألمانيا الغربية بيوم واحد، وعودته إلى عامودا مرة أخرى لكن بشخصية حملت أفكارًا ومشاعر وتجارب جديدة.

عام 1990، غادرت عائلة حاج بركو عامودا إلى مدينة دمشق بقصد الحصول على طريق الهجرة منها إلى ألمانيا الشرقية، حينها كان عمر سيروان 13 عامًا، إذ عزم والده على الهجرة بسبب مضايقة رجال الأمن له لأنه كان مهتمًا بالسياسة، ومهووسًا بما يخص القضية الكردية والشعب الكردي.

يقول سيروان في حديث إلى عنب بلدي، “كانت لحظة مغادرتنا سوريا نقطة فاصلة بين حياتين أو عالمين مختلفين، كما أنها كانت لحظة انتهاء طفولتي في سوريا، وبداية رحلتي في ألمانيا، والكتاب ليس سيرة ذاتية توثّق كل ما مررت به في حياتي، بل سرد لبعض اللحظات المفصلية في رحلتي من عامودا إلى عامودا، كما يشير عنوان الكتاب، لذا فاختيار هذه اللحظة كنقطة بداية للكتاب بدا لي منطقيًا وذا معنى”.

عاش سيروان معظم حياة شبابه في ألمانيا، تعلّم هناك التحكيم الرياضي، واستطاع الحصول على شهادة تخوله ممارسة ذلك، وبالتدريج وصل إلى مستوى التحكيم لأندية من الدرجة الثالثة وما دون ذلك.

أثّر التحكيم على حياة سيروان بشكل كبير، فمن خلاله تعلّم التمييز ما بين الحقوق والواجبات، وتعرّف إلى العدالة بمعناها الدقيق، وكيفية اتخاذ القرار العادل والعاجل في الوقت نفسه.

كانت الحياة في ألمانيا صعبة على سيروان من حيث محاولاته الشخصية بالاندماج، رغم نجاحه في الحياة العامة، إذ إن المجتمع الألماني يختلف عن آلية تفكير المجتمع السوري والعربي بكل تجاربه، فالمجتمع الألماني لا يعرف سوى العمل بدقة، دون الخوض بتعقيدات ومخاوف الحياة، على عكس مجتمع سيروان الأصلي.

نتيجة تلك الصعوبات بالاندماج ضمن الحياة الشخصية في المجتمع الجديد، قرر أن يعيد الاندماج مع ماضيه، خصوصًا أنه لم يجد على الإنترنت في فترة التسعينيات أي معلومات عن كرد سوريا، لذا أنشأ، عام 2000، موقعًا أطلق عليه اسم “عامودا” باللغتين الكردية والعربية، من أجل توثيق كل ما يتم نشره عن الكرد بشكل عام، والكرد في سوريا بشكل خاص، كـ”عودة إلى عامودا بأقدام افتراضية”، واستمر هذا الموقع حتى عام 2010.

مشكلة في إيصال المعلومات

كانت فكرة إنشاء موقع “عامودا” الذي أشرف عليه الصحفي سيروان حاج بركو في ألمانيا قائمة بدافع أساسي على العطش للمعرفة، كون المحتوى الذي يتضمن معلومات عن الكرد السوريين لم يكن متاحًا عبر الإنترنت “إلا للنخب والمثقفين. لم يكن الآخرون يعرفون الكثير عن كرد سوريا، ولم يكن الكرد يعرفون الكثير عن أنفسهم وعن بعضهم بعضًا”، وفق ما يراه الصحفي.

يتابع سيروان، “أما اليوم، فهناك كم هائل من المعلومات، لكن القليل من الفهم والتواصل، المشكلة اليوم ليست في توفر المعلومات أو الحصول عليها، بل في كيفية إيصالها للناس بشكل يساعدهم على فهم أنفسهم وفهم الآخرين والأحداث التي تعصف بهم، بما يساعدهم على اتخاذ قرارات واعية وتحسين ظروفهم المعيشية”.

أما بالنسبة لتعريف الآخرين، في أوروبا على سبيل المثال، بثقافة سوريا المتنوعة، فـ”هناك بالفعل تقصير في ذلك، فحركة الترجمة من العربية والكردية إلى اللغات العالمية ضعيفة جدًا، لكن انتشار السوريين اليوم في أنحاء العالم وتعلّمهم لغات أخرى، وتعرفهم إلى ثقافات جديدة، ربما سيسهم في تعزيز حركة الترجمة والتبادل الثقافي في المستقبل”، وفق ما يأمله سيروان.

ضبط الإعلام

وفق نصوص الكتاب، فإن المبادئ التي نشأ عليها موقع “عامودا” كانت قائمة على المحاكمة الفعلية للنصوص التي يتم نشرها، يقول الصحفي في حديثه، “كان كرد سوريا محرومين من التعبير عن أنفسهم وعن ثقافتهم، وسط هيمنة الاستقطابات السياسية وتسييس الثقافة، فكان الموقع، وكذلك المواقع الأخرى الشبيهة التي تبعته، تلبية لهذه الحاجة”.

ضمن كثافة المواقع الصحفية السورية والكردية اليوم، “لم تعد المشكلة في توفر المعلومات أو المنصات للتعبير عن أنفسنا”، وفق سيروان، “لكننا ما زلنا نعاني من قلة وسائل الإعلام المهنية المستقلة التي تنقل الواقع كما هو، بكل تنوعه الفكري والثقافي والسياسي، دون تشويه ودون أجندات سياسية أو إثنية أو دينية، وبعيدًا عن الاستقطابات السياسية والتبعية للمراكز الإقليمية (…) لقد انتقلنا من مرحلة التعبير عن أنفسنا إلى مرحلة الإعلام المهني المستقل القائم على مبادئ الموضوعية والمصداقية والتوازن”.

في عام 2011، سافر سيروان من ألمانيا إلى أربيل بسبب قبوله إقامة ورشات عمل للعاملين في الإذاعات المجتمعية الكردية الصغيرة المستقلة في كردستان العراق، بدعوة من منظمة ألمانية تعمل في مجال الإعلام والتنمية، وبين عامي 2011 و2012، عمل الصحفي في دهوك وكلار وصوران وحلبجة، بالإضافة إلى عمله في أربيل.

كان التدريب حينها يرتكز على إعداد الخبر والتقرير الإذاعيين، وشمل العمل تدريب العاملين في إذاعات سورية شبابية مستقلة في الأردن وغازي عينتاب.

نشأت في بال سيروان فكرة تأسيس راديو في عامودا، وبعد عدة اتصالات وورشات تدريبية، والبحث عن التمويل المناسب وجلسات الاجتماع مع الكوادر، بدأ في شهر تموز لعام 2013 بث إذاعة “آرتا إف إم”، و”آرتا” تعني الحب في اللغات القديمة، دون أن يحمل أي دلالات أيديولوجية.

“لا تزال معايير الجودة في الإعلام المستقل (السوري) متدنية بسبب الظروف التي تعيشها سوريا والسوريون في مختلف المناطق”، وفق الصحفي، “لذا فإننا في (آرتا) لا نستطيع، ولا نريد، اليوم أن ننافس الإعلام الرسمي أو الحزبي أو التجاري، إننا خارج هذا السباق، كما يشير عنوان الكتاب، كل ما نستطيع فعله حاليًا هو نقل الواقع كما هو، ومساعدة الناس على الفهم واتخاذ القرارات الصحيحة، والالتزام قدر الإمكان بالمعايير المهنية والأخلاقية لمهنة الصحافة”.

“رسالتي الأساسية للمهاجرين ضمن الكتاب هي ألا يكرروا الخطأ نفسه الذي وقعتُ فيه أنا وكثيرون غيري، ألا يعيشوا حياتهم الجديدة في البلاد الجديدة التي يجدون أنفسهم فيها بكل تفاصيلها، لأنهم ما زالوا عالقين في الماضي، في البلاد التي غادروها أو أُجبروا على مغادرتها”، وفق ما سرده سيروان حاج بركو خلال حديثه، إذ في أغلب الأحيان ترافق اللاجئين القضايا التي تعيشها سوريا على اختلاف مستوياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية.

“بالطبع لا يجب أن ننسى أو نتجاهل بلادنا وماضينا تمامًا، لكن ليس من الصحي أن يتحول ذلك إلى عائق أمام الاستمرار في الحياة” ضمن المجتمعات الجديدة.

يوثق سيروان من دون الغرق في التفاصيل التجارب المفصلية الشخصية التي مر بها خلال رحلته من عامودا إلى عامودا، “الكتاب ليس نصًا أدبيًا، كما أوضّح في المقدمة، وهو لا يركز على المهجر فقط، هو ببساطة محاولة متواضعة لنقل تجربتي كما هي”، وفق ما قاله المدير التنفيذي لمؤسسة “آرتا”.

ومثل هذا السرد البسيط عن التجارب الشخصية الاجتماعية والثقافية والسياسية في بلدان الهجرة أو اللجوء، يعزز خطوات أخرى لتوثيق تجارب جديدة من خلال الأدب، ونشر تلك الأعمال كي يُقبل على هذا المجال كثير من الأشخاص الذين يملكون قصصهم وتجاربهم التي تستحق التوثيق الأدبي، لأن مثل تلك التجارب تتسم بنزعة إنسانية ممزوجة بالحنين إلى الوطن.

مقالات متعلقة

كتب

المزيد من كتب