نبيل محمد
ما إن تقرأ في شارة مسلسل “السنونو” الجديد الذي يبثه تلفزيون “أبو ظبي” حاليًا، أن القصة والسيناريو هي لبطل المسلسل ذاته ياسر العظمة، حتى تتوقع أنه لن يكون أكثر أهمية من سلسلة فيديوهات “يوتيوب” التي قدمها قبل فترة، محاولًا من خلالها استمرار حضوره أمام جمهوره، ومواكبة وسائل التواصل الاجتماعي، فالمسلسل بكل ما فيه من ممثلين وكل ما سُخِّر له من إمكانيات إنتاجية، لم يكن مختلفًا من حيث الفكرة والقصة عن قصاصات العظمة الأدبية التي كان يقدمها عبر “يوتيوب”.
سوف تنتظر طويلًا وجود قصة متماسكة جذّابة، وتشغّل حلقة فأخرى بحثًا عن أي شيء له قيمة فنية، ولن تجد، إطلاقًا، سوى أن سفينة كبيرة تجوب البحار على متنها شخصيات مختلفة، يحاول العمل خلق علاقات بينها، أو خلفيات لها ليلغي افتقاده القيمة القصصية، دون جدوى.
الخواء يتضح من الحلقة الأولى، التي يحاول المسلسل جاهدًا فيها أن يشرح كل شيء عن الشخصيات الأساسية ومستوى علاقتها مع البطل، فاردًا له ما شاء من المساحة ليتحدث، يتحدّث فقط، كما يشاء، بلغة “يوتيوب” ذاتها، فيحكي شعرًا هنا، وقصّة هناك، ويميّز بين السعادة والحبور تارة، وبين الذكر والأنثى تارة أخرى، ويطرح قيمًا في الحياة كان بقاؤها في نطاق حلقات “يوتيوب” المذكورة سابقًا أفضل وأكثر مناسبة لها، وبالتأكيد أقل تكلفة على المنتجين الذين من الواضح أنهم تركوا للعظمة الإماراتي الجنسية مؤخرًا، أن يغرف ما شاء، ليصنع ما شاء، فلا شيء مهم هنا سوى ظهوره في مسلسل جديد.
ما يزعجك أيضًا كمشاهد ارتبط جزء كبير من الكوميديا العربية في مخيلته بشخصية ياسر العظمة في سلسلة “مرايا”، هو أن البطل هنا ليس موجودًا ليؤدي شخصيات مشابهة لتلك التي أدّاها في “مرايا”، فتجد نفسك منتظرًا جملة هنا أو موقفًا هناك، يستطيع العظمة أن يخلق فيها أي تفصيل كوميدي ولو بطريقة نطقه للجملة فقط، لكنك لا تجد إلا بضع كلمات إنجليزية يكررها، وينطقها بأسلوب كوميدي، صار مبتذلًا، ويزيد من ابتذاله تكريس اللغة الإنجليزية في المسلسل دون مبرر واضح.
“السنونو”، تلك السفينة السياحية الكبيرة المترفة، التي يرفض أكبر ملّاكها أن يوظّفها في شؤون تجارية، تبدو خاوية إلى درجة كبيرة، الكوادر فيها فقيرة معتمة، المشي على سطحها وكأنه مشي في الصحراء، مطعمها كئيب، موسيقاها باهتة، والبحر المحيط بها أقل ما يظهر وما يذكّر بوجوده، كل ذلك يحولها إلى فندق لن يستحبَّ أحد الإقامة الطويلة فيه.
يجبرك العمل على الشعور بمدى فراغ مقاعد وغرف السفينة، من الشخصيات التي اعتدناها حول ياسر العظمة خلال سنوات طويلة، سليم كلاس، وعصام عبه جي، وحسن دكاك، وتوفيق العشا، وسواهم من شخصيات “مرايا” التقليدية، التي غيّبها الموت، لتشعر بأن ياسر العظمة قد بالغ في المشاهد التي يظهر فيها وحيدًا، يحكي دروسًا في الحياة، حيث لا أحد حوله سوى بضعة ممثلين شبان، وبعض قُدامى “مرايا” الذين لم يكونوا أكثر من “كومبارسات” لا يمكنهم تحريك أي مشهد بشكل مؤثر، على الرغم من محاولات بشار إسماعيل اليائسة والكئيبة لبثّ نفحة كوميدية ما في العمل.
يظهر بطل العمل بشخصية متقاعد قد جرّب ما شاء في الحياة، وكافح حتى وصل إلى ما هو عليه، فبات حكّاء للقصص، قارئًا وملقيًا للشعر، مدققًا للغة العربية، ذوّاقًا خبيرًا بأنواع المأكولات والمشروبات، محبًا للشباب وحنونًا عليهم، له صداقات قديمة لا يزيدها الزمن إلا أصالة، صفات قد لا تكون مختلفة عن تخيلنا لشخصية ياسر العظمة اليوم، بعد رحلة طويلة في الفن وإمتاع الملايين، رحلة العِبَر منها غير كافية لبناء مسلسل، وقد كان من الجيد أن تبقى في “يوتيوب”، ومن الأفضل بالتأكيد أن تبقى مكتوبة لا أكثر، يقرأ منها من شاء أن يطّلع على حكم ياسر العظمة في الحياة.