زينب مصري | جنى العيسى
حتى عام 2010، ضمّت سوريا أربع مدن صناعية تقليدية كبرى، هي مدينة عدرا الصناعية في ريف دمشق شمال شرقي العاصمة، ومدينة الشيخ نجار الصناعية التابعة لمدينة حلب، والمدينة الصناعية في حسياء جنوبي مدينة حمص، والمدينة الصناعية بدير الزور.
تأثرت هذه المناطق بفعل الحرب في سوريا، وتعرضت أجزاء منها لدمار كبير أثّر على واقع الصناعة، ومع المتغيرات العسكرية والسياسية التي شهدتها الجغرافيا السورية، ظلّت هذه المناطق ضمن نفوذ النظام، لتبقى المناطق التابعة لنفوذ المعارضة في الشمال دون مواقع صناعية.
ومع سيطرة فصائل المعارضة على ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي بدعم تركي منذ عام 2017، عملت السلطات التركية على إدارة الحياة الاقتصادية والخدمية في المنطقة، وأسهمت مع السلطات المحلية في إحداث مواقع صناعية بهدف تنمية الاقتصاد.
المواقع الصناعية من مدن ومناطق تضم منشآت، في البلدان والاقتصادات المستقرة، تسهم في تنويع مصادر الدخل القومي، والحد من الهجرة الداخلية، ما يساعد في التنمية وتوفير فرص عمل واسعة لأبناء المنطقة.
تفتح عنب بلدي ملف المدن الصناعية في ريف حلب الشمالي، وتسلّط الضوء على أبرز العقبات التي تواجه الصناعيين في المنطقة، وتناقش مع خبراء اقتصاديين واقع الصناعة، ومدى حاجة المنطقة إلى هذه المدن، والغاية التركية من دعم إنشائها.
خمسة مواقع تدير الصناعة في ريف حلب
توجد خمس مناطق صناعية في ريف حلب الشمالي، واحدة في مدينة اعزاز شمال غربي حلب، وتضم مساحات كبيرة لصناعات كبيرة، والثانية في مدينة الراعي شمال شرقي حلب، وتضم ورشات حرفية في معظمها، والمنطقة الصناعية في جرابلس شمال شرقي حلب، وتضم في معظمها حرفًا.
وتوجد منطقة “خاصة” في مدينة الباب بريف حلب الشرقي مملوكة لرجل أعمال حصل على ترخيص بتنظيمها كمنطقة صناعية تضم مساحات متوفرة للصناعات، وآخر مدينة أُنشئت في مارع شمالي حلب حديثًا وبيعت جميع مقاسمها، بحسب وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري.
مدينة الباب الصناعية
أُسست المدينة الصناعية في مدينة الباب بريف حلب الشرقي عام 2018، وهي خاصة مملوكة لرجل الأعمال عمر واكي، وحصل على ترخيص بتنظيمها كمدينة صناعية تضم مساحات متوفرة للصناعات.
وقال مدير المدينة، عمر واكي، لعنب بلدي، إن المدينة تضم حاليًا 15 معملًا، يعمل فيها نحو 500 عامل، يختلف إنتاجهم بين معمل وآخر، إذ يصل إنتاج بعض المعامل إلى أكثر من الكمية المطلوبة لتغطية حاجة الأسواق المحلية.
وأضاف واكي أن المواد الأولية لهذه المعامل تُؤمَّن من تركيا أو من الأسواق المحلية في المنطقة، أو من مختلف الدول دون تحديد بلد معيّن، وتصريف البضائع يكون داخليًا، وكميات قليلة تذهب إلى تركيا، إذ إن “الترانزيت” إلى تركيا مُفعّل، ويمكن لأي شخص أن يصدّر منتجاته، لكن ارتباط الصناعيين العاملين في الباب بالعالم الخارجي “ضعيف” وإمكانياتهم “ضعيفة”.
ويُمنَح الصناعي منشأة في مدينة الباب الصناعية، عن طريق شراء محضر بمساحة محددة يتم التنازل عنها في المجلس المحلي، ليأخذ الصناعي على إثره “طابو”، بحسب واكي.
المنطقة الصناعية في الراعي
بدأت السلطات المحلية في مدينة الراعي ببناء المنطقة الصناعية في المدينة، وقال رئيس غرفة التجارة والصناعة في المدينة، حسين العيسى، في تصريحات صحفية، في شباط الماضي، إن عدد المنشآت ذات المساحات الصغيرة في المنطقة يبلغ 800 منشأة.
وكانت صحيفة “يني شفق” التركية أوضحت في تقرير صادر في تشرين الأول 2019، أن مساحة هذه المنطقة تُقدّر بنحو 15 ألف هكتار، كما أوضحت في تقرير في أيلول 2020، أن صناعة الأحذية تتركز في هذه المنطقة، مشيرة إلى أن الأحذية المُنتَجة فيها ستُصدّر إلى العالم.
وكانت وزارة التجارة التركية سمحت فقط لمديرية جمارك تشوبان بي في ولاية كلّس الحدودية مع سوريا، باستيراد الأحذية من سوريا، اعتبارًا من 1 من كانون الأول 2020.
المدينة الصناعية في جرابلس
يعمل المجلس المحلي في جرابلس شمال شرقي حلب على بناء مدينة صناعية جنوبي المدينة على طريق الفرن الآلي، تضم أصحاب الخبرات والحرف والورشات الصغيرة.
وتنقسم المحال التجارية في المدينة، البالغ عددها 200 محل، إلى ثلاث كتل، وبلغت نسبة المحال المباعة في هذه الكتل نحو 50%، على مساحة 20 دونمًا، بحسب تصريحات لرئيس غرفة التجارة والصناعة، طارق ده ده، عبر صفحة المجلس المحلي.
المنطقة الصناعية في مارع
أطلق المجلس المحلي في مارع، عام 2018، مشروعًا لبناء مدينة صناعية شمالي المدينة، تتكوّن من كتلتي بناء، تتضمن 32 متجرًا كبيرًا.
المنطقة الصناعية في اعزاز
بدأ المجلس المحلي في اعزاز شمال غربي حلب، في تموز الماضي، بإنشاء منطقة صناعية شرقي المدينة على مساحة تُقدّر بـ85 ألف متر مربع، قُسمت إلى محاضر جاهزة لإنشاء الورشات والمصانع بشكل منظم، بعد الإعلان عن بدء تجهيز المنطقة في آب 2020.
وسيكون للصناعيين الراغبين بالاستثمار في المنطقة مميزات عديدة، أهمها انخفاض التكاليف الأولية وتكاليف التصنيع مقارنة بدول الجوار، وتسهيلات في الدخول والخروج نحو تركيا من أجل متابعة الأمور اللازمة لعملية الإنتاج.
وفي 3 من تشرين الأول الحالي، أعلن المجلس المحلي وغرفة الصناعة والتجارة في مدينة صوران عن حاجتهما لشراء أرض بمساحة لا تقل عن ثلاثة هكتارات في منطقة صوران حصرًا، لإنشاء مدينة صناعية.
خدمات ترافق الصناعة
وستُؤمّن البنية التحتية والحراسة والأمن لهذه المناطق الصناعية بشكل كامل، ما يساعد الصناعي عند دخوله بمباشرة العمل دون مشكلات، إذ ستُعبّد الطرق، وتُنظّم المناطق داخليًا بشكل جيد لتضم مرافق عامة، كمغاسل ومساجد، بحسب ما قاله وزير الاقتصاد، عبد الحكيم المصري، لعنب بلدي.
وتحدث الوزير عن تركيب صرّاف “PTT” آلي في منطقة الراعي الصناعية، مشيرًا إلى أن إمداد المناطق بالمياه يكون عن طريق آبار حُفرت فيها، كما تم إيصال التيار الكهربائي إلى هذه المناطق، وهي كهرباء خاصة بها كي لا تتأثر المناطق السكنية.
وأما النقل، فالآليات متوفرة والطرقات صارت جيدة نوعًا ما، بحسب الوزير، الذي أشار إلى العمل على توفير الأمن في هذه المناطق.
وبيّن المصري أنه إلى الآن لا توجد قناعة لدى المستثمرين بالاستثمار في هذه المناطق، إذ يوجد لديهم تخوّف “مشروع”، داعيًا أصحاب الأموال إلى الاستثمار في البداية بمشاريع صغيرة إلى حين استقرار المناطق وتوسعها.
وأرجع الوزير مخاوف المستثمرين إلى عدم الاستقرار الأمني في المنطقة، والتسويق، إذ تُسوّق بعض الصناعات داخليًا فقط، وتُصدّر مواد أخرى إلى تركيا وإلى دول خارج تركيا في الخليج وأوروبا.
وحول الصناعات المتوفرة في هذه المناطق، أوضح الوزير أن صناعة الأحذية متوفرة بشكل كبير، وعصر الزيتون، وصناعة فحم “البيرين” من مخلّفات الزيتون بعد عصره وهو يُستخدم في التدفئة، وصناعة الصابون بكميات كبيرة، بالإضافة إلى تصنيع أنابيب مواد صحية بلاستيكية، والمناديل الورقية، وتعليب المواد الغذائية بشكل محدود ويدوي في أغلبه (دبس البندورة، ودبس الفليفلة، والمخللات)، وصناعة الأجبان والألبان في بعض المناطق التي تتوفر فيها ثروة حيوانية.
عقبات تواجه الصناعيين مقابل إمكانياتهم “البسيطة”
ترافق الإعلان عن وضع حجر الأساس لأول مدينة صناعية في مدينة الباب شمالي حلب في شباط 2018، مع ظهور توقعات بأن المدينة ستسهم بتنظيم عمل الصناعيين في المنطقة، وجذب المستثمرين لتحسين اقتصادها.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات على وضع الحجر، لم تتحقق الكثير من تلك التوقعات، إذ ربما تحتاج إلى وقت أطول من ذلك لتحقيقها، أو إلى المزيد من رؤوس الأموال، أو حتى إلى إجراء تغييرات في خطط إدارة المدينة الصناعية لتحقيق أهداف وغايات المدينة في رفع اقتصاد المنطقة بكاملها ودعم إنتاج المستثمرين فيها.
وتتمثل أبرز المشكلات التي يعاني منها المستثمرون في المدينة الصناعية بمدينة الباب، بغلاء أجور استهلاك الكهرباء فيها، بالإضافة إلى الطرقات المحدودة التي يمكنهم تصريف منتجاتهم من خلالها، بحسب ما أوضحه عضو المكتب الإعلامي في المدينة، محمد عثمان.
وأضاف عثمان، في حديث إلى عنب بلدي، أن إيجاد الحلول لهاتين المشكلتين الرئيستين فقط، يُمكن أن يسهم في تخفيض أسعار السلع المنتَجة من جهة، عندما تتخفض تكاليف إنتاجها على الصناعيين، ويشجع المستثمرين الآخرين من جهة أخرى على الانضمام إلى المدينة الصناعية في حال تأمين طرقات تسمح لبضاعتهم بالانتشار دون قيود.
ووفقًا لعثمان، يعدّ الواقع الصناعي في المدينة “ضعيفًا في الوقت الحالي”، نتيجة لما يعانيه الصناعيون في تصريف البضائع المنتَجة في معاملهم.
خدمات ضعيفة لا تحقق المرجو منها
أكد مصطفى القشقوش، صاحب معمل لإنتاج عبوات المياه الصحية داخل المدينة الصناعية في الباب، حديث محمد عثمان حول أبرز المشكلات التي يعانيها أصحاب المعامل داخل المدينة.
وأوضح مصطفى أن الامتيازات التي يستفيد منها كونه يمتلك معملًا داخل المدينة تقتصر على حراسة المنشآت التي تؤمّنها الإدارة عند مدخل المدينة، بالإضافة إلى الحصول على “إذن خاص” يسمح لصاحب المنشأة بالدخول والخروج إلى ومن تركيا.
يمنح المكتب التجاري التابع للمجلس المحلي للتاجر أو الصناعي، لتقديم طلب إذن دخول وخروج إلى تركيا، سجلًا تجاريًا أو صناعيًا بناء على تقديم التاجر أو الصناعي بيانات جمركية تدل على استمرارية عمله أو ترخيص شركة، وجواز سفر (حصريًا)، والبطاقة الشخصية الصادرة عن المجلس المحلي، وحسابًا مصرفيًا في مؤسسة البريد التركية (PTT)، وبيان قيد عقاري أو عقد إيجار، وبراءة ذمة مالية للعقار، وصورة شخصية. |
وربما يعتبر وجود حراسة وحماية أمنية تحيط بمداخل المدن الصناعية، تحمي المنشآت الصناعية في ظل الانفلات الأمني والانفجارات المتكررة التي تشهدها مناطق شمال غربي سوريا، ميزة يرغب العديد من المستثمرين بالحصول عليها لضمان سلامة رؤوس أموالهم قدر الإمكان.
بينما يعاني الصناعيون، بحسب مصطفى، من ضعف خدمات البنى التحتية الموجودة داخل المدينة كغلاء أجور الكهرباء، وعدم توفر الكميات الكافية من المياه، وضعف في الإنارة المطلوبة بشوارع المدينة، ونقص في بعض خدمات الصرف الصحي.
وقد ينتج عن ارتفاع أجور الكهرباء انخفاض في إنجاز أعمال بعض المعامل، إذ يقتصر عمل بعضها على ثلاثة إلى أربعة أيام خلال الأسبوع الواحد، بدلًا عن عملها المستمر دون انقطاع، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
ومنذ إعلان إنشاء المدينة الصناعية في 2018، اعتبر المجلس المحلي في مدينة الباب، أن المدينة تعتبر “أكبر تجمع صناعي” في المنطقة، مشيرًا إلى أنها ستكون من “أهم المشاريع الاقتصادية” التي ستساعد في النهوض بمستوى الفرد.
إلا أنه وبعد ثلاث سنوات من الإعلان، اقتصرت إجابة عضو المكتب الإعلامي في المدينة محمد عثمان، عن سؤال طرحته عنب بلدي بشأن الامتيازات التي ينالها الصناعي في المدينة، على فرق تكاليف أجور الكهرباء لتشغيل المنشأة داخل المدينة وخارجها فقط.
الإتاوات تُعرقل التوزيع
تحصل المعامل العاملة ضمن المدينة الصناعية في مدينة الباب على المواد الأولية اللازمة لها بشكل عام من تركيا، وبكميات قليلة من الأسواق المحلية في شمال غربي سوريا، بحسب حديث عضو المكتب الإعلامي في المدينة محمد عثمان.
بينما ينحصر تصريف معظم إنتاجها في مدينة الباب، وجزء منه في شمال غربي سوريا، وتُصدّر كميات قليلة جدًا إلى تركيا أو إلى مناطق في شمال شرقي سوريا، ومناطق سيطرة النظام السوري.
ويعتمد تصريف إنتاج كل معمل على علاقات صاحبه التجارية من جهة، وعلى إمكانياته المادية من جهة أخرى، إذ تتعرض الشحنات التي يرغب بتصريفها لفرض إتاوات من مختلف الحواجز المسيطرة على الطرقات الرئيسة للشاحنات المُحمّلة بالبضائع، بحسب ما أوضحه مصطفى القشقوش، صاحب معمل إنتاج عبوات المياه الصحية.
وأضاف مصطفى أن تصريف البضائع بعيدًا عن مدينة الباب ببضعة كيلومترات يُكلّف الصناعيين الكثير من الأموال، نتيجة طلب معظم الحواجز على الطريق ما يسمونه “جمارك”، إلا أن حقيقتها “تشليح”، على حد قوله.
وهذا ما يدفع معظم أصحاب المنشآت في المنطقة لتصريف منتجاتهم داخل حدودها فقط، مكتفين بتصنيع حاجات المنطقة التي لا تلبي طموح مرابحهم.
المعابر تغلق “كسب الرزق”
وللأسباب ذاتها، اضطر أيضًا صاحب معمل “الحُصر” في المدينة الصناعية بالباب عبد الخالق طحبش، إلى تشغيل معمله عشرة أيام فقط في الشهر.
وأوضح عبد الخالق، في حديث إلى عنب بلدي، أن العمل ضمن معمله بدأ بوضع أفضل بكثير من وضعه الحالي، إذ كان يعتمد منذ البداية على تصدير 90% من إنتاجه إلى مناطق سيطرة النظام، ومناطق في شمال شرقي سوريا، بينما تُطرح النسبة المتبقية من الإنتاج بكميات كافية لتغطية الحاجة في مناطق شمال غربي سوريا.
ولكن عمل المعمل لم يستمر كثيرًا بشكله الأولي، وفقًا لصاحبه، إذ أدى إغلاق معبر “أبو الزندين” الذي يربط مناطق سيطرة المعارضة بمناطق سيطرة النظام، إلى عدم السماح بمرور البضائع.
كما أدى فرض الإتاوات “العالية جدًا” من قبل مختلف السلطات الأمنية المسيطرة على طريق شاحنات توصيل البضائع إلى شمال شرقي سوريا، إلى اتخاذ عبد الخالق قراره بعدم توزيع بضاعته إلا في مناطق شمال غربي سوريا.
وأضاف عبد الخالق أن ما عزز اتخاذه قرار عدم توصيل البضائع إلى الشمال الشرقي، هو فرض مختلف الجهات المسيطرة على الطرقات نقل البضائع من سيارة إلى أخرى بحسب الجهة المسيطرة، ما أدى في العديد من المرات إلى تلف البضاعة وتضرر بعض أنواع “الحصر” التي ينتجها معمله.
كيف يُمنح الصناعي منشأة داخل المدينة الصناعية؟يُمنح المستثمر منشأة صناعية داخل المدينة الصناعية، عن طريق شراء محضر بمساحة محددة يُتفق عليها مع إدارة المدينة، ويتم التنازل له عنها في المجلس المحلي للمنطقة، يحصل المستثمر إثر ذلك على “سند تمليك” (طابو) مصدّق من المجلس المحلي. وتختلف التكلفة وفقًا لمساحة المحضر المراد شراؤها، إذ تبدأ المساحات من 220 مترًا مربعًا للمنشأة الواحدة بسعر 20 دولارًا لكل متر مربع، لتصل إلى 1350 مترًا مربعًا، وهي من أكبر المحاضر الموجودة حاليًا بسعر 16 دولارًا لكل متر مربع. |
إعلانات “جذابة ومشجعة”
تستعد مدينة اعزاز لإنشاء منطقة صناعية شرقي المدينة، على مساحة تقدر بـ85 ألف متر مربع، قُسمت إلى محاضر جاهزة لإنشاء الورشات والمصانع بشكل منظم، بحسب ما أعلنه المجلس المحلي في المدينة في تموز الماضي.
وأوضح المكتب الإعلامي للمجلس المحلي لمدينة اعزاز، في حديث إلى عنب بلدي، أنه يتم حاليًا العمل على تخديمها من ماء وكهرباء وطرقات وبنية تحتية كاملة، وما يلزم المنطقة من خدمات.
ويرى زكريا حمشو، وهو صاحب ورشة لتصنيع الألبسة في مدينة اعزاز وصاحب معمل في حلب سابقًا، أن اعزاز تحتاج إلى مناطق صناعية أكثر من المناطق المجاورة لها كأولوية لحل أبرز مشكلات الصناعيين.
ويعاني الصناعيون العديد من المشكلات، بحسب زكريا حمشو، تبدأ من تأمين المواد الأولية، مرورًا بالتوفيق بين تذبذب الليرة التركية وأجور اليد العاملة في المعامل، انتهاء بتصريف الإنتاج.
ويرى زكريا حمشو أن نجاح المنطقة الصناعية يأتي بشكل رئيس عبر تعيين أشخاص مسؤولين أكفاء وذوي خبرة في الأعمال التجارية والصناعية، لتجاوز “العقبات” التي ستواجههم بكل تأكيد، بالإضافة إلى تخديمها بالخدمات الأساسية المطلوبة بشكل كامل، كالكهرباء والماء والمرافق وتجهيز طرقات جيدة تساعد في مسألة نقل البضائع دون عوائق.
تكاليف مبدئية “غير مشجعة”
لن يستطيع زكريا حمشو، في ظل الظروف الحالية، نقل مكان عمله إلى المنطقة الصناعية عندما تصبح جاهزة لبدء المعامل بالعمل فيها، بحسب ما أوضحه في حديثه إلى عنب بلدي.
وخلاة ندوة للاتفاق على تخصيص أرض محددة في أولى خطوات إنشاء المنطقة الصناعية باعزاز، كان زكريا حمشو حاضرًا فيها، تبيّن أن تكلفة الحصول على مساحة محددة ضمن المنطقة الصناعية لإنشاء منشاة صناعية عليها “عالية جدًا”.
واعتبر زكريا أنه بنفس التكلفة المالية التي تلزم لشراء أرض بمساحة 600 متر ضمن المنطقة، يُمكن شراء مساحة أخرى خارجها والعمل بها بأضعاف المساحة المطروحة له ضمن المنطقة الصناعية، وهو ما جعل زكريا يمتنع عن فكرة الانضمام اللاحق للمنطقة، على حد قوله.
كما اعتبر زكريا أن القطاع الصناعي في عموم مناطق ريف حلب، يحتاج إلى إحداث القروض المالية لتحسين وضع الصناعيين ومساعدتهم على تصريف إنتاجهم، ليتمكنوا من اتخاذ خطوات تطور أعمالهم في القطاع.
من جانبه، أوضح مدير المكتب التجاري في مدينة اعزاز، إبراهيم دربالة، أن الهدف من إنشاء منطقة صناعية في المدينة هو تنمية المنطقة اقتصاديًا، والعمل على التخفيف من معدلات البطالة قدر الإمكان، وتأمين فرص العمل والسعي لكي يعود الشعب السوري شعبًا منتجًا كما كان عليه في السابق.
واعتبر دربالة، في حديث إلى عنب بلدي، أن أهم الصعوبات والمشكلات التي تواجه العمل الصناعي والتجاري في المنطقة هو عدم اعتراف بعض الدول بشهادة المنشأ التي تمنحها غرف التجارة والصناعة في مناطق الشمال السوري، ما يعرقل تصدير البضائع مع استمرار الإنتاج.
وقال إن غرفة التجارة في اعزاز تقدم خدمات وتسهيلات للتجار والصناعيين في المنطقة، كتسهيل حركة دخولهم وخروجهم إلى ومن تركيا، ومنحهم شهادة منشأ وملكية صناعية تحمي منتجاتهم من السرقة والتزوير، وتعمل بالتعاون مع الجهات الأمنية على خلق بيئة آمنة تسمح لهم بممارسة أعمالهم بكل أريحية.
سبع فوائد تركية لدعم الصناعة في الشمال السوري
عادة، يعد قرب المدن الصناعية المُشادة في المناطق الحدودية مع الدول المجاورة ميزة لهذه المناطق تنعكس على شكل حركة تجارية من المنافذ الحدودية، وتنمية اقتصادية وخدمية لها، وفرص وظيفية لأبنائها، بالإضافة إلى أن هذا القرب يُعد ميزة للتصدير والاستيراد، ولتخفيض تكاليف التصنيع والإنتاج.
وفي حالة الشمال السوري، لولا الحدود التركية لاختنقت المنطقة اقتصاديًا، إذ تُعد مجاورة مدن وبلدات الشمال لتركيا “شريان حياة” بالنسبة لها، بغض النظر عن إشادة المدن الصناعية فيها، بحسب الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو.
وتربط الشمال السوري بالأراضي التركية سبعة منافذ حدودية، هي معبر “باب الهوى” في إدلب، ومعابر “غصن الزيتون” و”باب السلامة” و”الراعي” و”جرابلس” في ريف حلب الشمالي، ومعبرا “تل أبيض” شمالي الرقة و”رأس العين” شمالي الحسكة.
وبسطت تركيا نفوذها الاقتصادي مع سيطرتها العسكرية والسياسية في ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي منذ 2017، مع سيطرة فصائل المعارضة عليه بدعم منها، نتيجة المتغيرات العسكرية التي شهدها الشمال والتي قسمته إلى منطقتي نفوذ عسكري واقتصادي.
وتدير السلطات التركية اقتصاد المنطقة، عن طريق المجالس المحلية التي أسهمت في إنشائها وتعمل على تمويلها، من خلال تزويدها بالخدمات وتسهيل الاستثمار فيها ودعم التجار والصناعيين، وطرح عملتها الوطنية، ومدّها بمؤسسات مالية.
عنب بلدي أعدت، في شباط الماضي، تحقيقًا بعنوان “تركيا تشكّل اقتصاد الشمال السوري.. لمن تعود المنفعة؟”، سلّطت الضوء فيه على الإسهام الاقتصادي التركي في مناطق الشمال السوري والعوائد الاقتصادية لكلا الجانبين.
وانطلاقًا من توزعها الكبير في تركيا، فإن السلطات لديها فكر بأن وجود المدن الصناعية في الشمال يسهم نوعًا ما في تنشيط الوضع الاقتصادي، لكن إقامتها تحتاج إلى الأمن بالدرجة الأولى، والخدمات (الكهرباء، الماء)، والبنى التحتية (الطرق)، بالإضافة إلى القدرة على الحصول على المواد الأولية ووجود إمكانية التصدير، وهذا ما تعمل تركيا على توفيره، بحسب ما قاله شعبو في حديث إلى عنب بلدي.
منع الهجرة
وأضاف الباحث أن غاية تركيا من التسهيلات التي تعطيها للتجار والصناعيين هي تنشيط اقتصاد الشمال، وإيجاد بيئة اقتصادية تمكّن السكان من العمل كي تمنع الهجرة إلى أراضيها.
سوق تصريف للمواد الأولية
كما تستفيد تركيا من وجود المدن الصناعية في الشمال السوري من خلال تصديرها المواد الأولية التي تدخل في الإنتاج، أي أن الشمال هو سوق لتصريف المواد الأولية كما هو سوق لتصريف المنتجات التركية (المنتهية التصنيع) ككل.
مدن رديفة للصناعة التركية
ويُعد وجود هذه المدن رديفًا للصناعة التركية، إذ تُصنع بعض المنتجات، كالأحذية، في الشمال بتكلفة وأجور يد عاملة منخفضة، وتُصدّر إلى تركيا، لتصدّر إلى الخارج على أنها منتجات تركية، تستفيد من خلالها تركيا من فروق الأجور والأسعار، وترفد خزينتها بالقطع الأجنبي، وفقًا للباحث.
لكن شعبو لفت إلى ضرورة عدم تضخيم الاستفادة التركية، إذ لا يمكن القول إن الاقتصاد التركي قائم أو انتعش بسبب وجود الصناعة في الشمال السوري، بحسب تعبيره، لكن يمكن القول إن وجودها “منعش” للاقتصاد التركي، ويسهم في إدخال العملة الصعبة.
ويبيّن التعميم الصادر عن وزارة التجارة التركية رقم “21/2021” والمُحدّث في 24 من آب الماضي، قوائم البضائع والمواد التي تُستورد من الشمال السوري أو تُصدّر إليه أو تمر من تركيا (ترانزيت) خلال نقلها إلى دول أخرى، والتي تُمنح “خدمات جمركية”، والمواد التي لا يمكن منحها هذه “الخدمات”.
وبحسب التعميم، فإن المواد المستوردة من سوريا التي تُمنح خدمات جمركية هي الأحذية، والقبّار (الشفلح) الطازج والمبرّد والمعلّب، والآلات وأجزاؤها، وبذار البطيخ، وبذار القطن، والذرة المجففة، ونفايات الورق، والسبائك الحديدية التي تدخل في صناعة الحديد والصلب، بالإضافة إلى اليانسون، والشعير، واللوز، والفول، والقمح، والكمون، وورق الغار، والكرز، والكزبرة، والمحلب، والحمّص، والقطن، والأرز، والثوم، والسمسم.
ولا تمنح السلطات التركية خدمات جمركية للمنتجات السورية التي تعبر تركيا للتصدير (ترانزيت)، المتمثلة في خردة المعادن، وأسطوانات غاز البترول المسال والغاز الصناعي، وبذور عباد الشمس والعدس والزيتون وزيت الزيتون، والشعير والقمح، والسجائر والنرجيلة الإلكترونية، والنرجيلة الكلاسيكية، والتبغ، والمشروبات الكحولية، وجميع أنواع الآلات والمعدات.
وأوضح وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، لعنب بلدي، أنه لا يوجد اعتراف دولي قانوني بمؤسسات المعارضة السورية، ولذلك لا يوجد اعتراف بشهادات المنشأة الصادرة عنها، والمقصود بالخدمات الجمركية منح شهادات المنشأ و”ترفيقها” للميناء.
وعند التصدير (ترانزيت)، تمنح الحكومة التركية شهادة منشأ تركية للبضائع المنتَجة في الشمال والتي تُصدّر “ترانزيت” عبر تركيا، أما المواد المصدّرة لتركيا فلا تحتاج إلى تسهيلات جمركية، لأن السلطات تعترف بمؤسسات المعارضة.
وتستورد تركيا من الشمال السوري، بحسب الوزير، البطاطا، والبصل، والتين المجفف، والخوخ، والدراق، والفاصولياء البقولية، والفستق الحلبي، والسلالم المعدنية، والألبسة، والأحذية، وصابون الغار، والحجر السوري، وزيت الزيتون، وزيت الغار.
دعم إعادة اللاجئين
ويعد الشمال السوري مرتبطًا بالاقتصاد التركي كنتيجة للواقع السياسي في المنطقة، لذلك فإن وجود اقتصاد حقيقي في هذه المنطقة يحقق لتركيا عدة منافع، بحسب الدكتور السوري والباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، أهمها تحسين واقع المؤشرات الاقتصادية بما يدعم مشاريع إعادة اللاجئين من تركيا، فلا يمكن الحديث عن إعادة للاجئين في ظل اقتصاد منهار.
وتعمل السلطات التركية على مدّ المناطق التي تخضع لسيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” بدعم منها بالخدمات، بالتزامن مع ترويجها لعودة “طوعية” للاجئين السوريين إلى هذه المناطق.
وكانت السلطات تحدثت، في 12 من تشرين الأول الحالي، عن عودة 446 ألفًا و382 سوريًا “بشكل طوعي”، بعد تصريح لوزارة الخارجية التركية، في 12 من أيلول الماضي، بأنها تتعاون مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتأمين الإعادة الآمنة للاجئين السوريين.
تخفيف الضغط
ومن المنافع التركية من وجود المناطق الصناعية في الشمال تحويل هذه المنطقة من مستهلكة إلى منتجة، بحسب ما قاله السيد عمر لعنب بلدي، فبقاء الشمال السوري مستهلكًا يعد عامل ضغط للاقتصاد التركي.
إذ تعد المدن الصناعية عصب أي اقتصاد، وهي تدعم الاقتصاد الإنتاجي، وتظهر أهميتها في ظل تنامي الاقتصاد الخدمي الذي يعد ذا أخطار مرتفعة مقارنة بالاقتصاد الإنتاجي.
دعم إعادة الإعمار
ومن جهة أخرى، فإن وجود مناطق صناعية في المنطقة يدعم البنية التحتية اللازمة لإعادة الإعمار مستقبلًا، ومما لا شك فيه أن لتركيا نصيبًا من هذه العملية، وذلك نظرًا إلى ثقلها السياسي في القضية السورية، بحسب السيد عمر.
كما يدعم هذا الوجود الجهود التركية ويحقق منافع لها حين البدء بإعادة الإعمار، وهذا يمكن وصفه بالهدف البعيد المدى.
دعم الاستقرار السياسي والأمني
وأوضح الباحث السيد عمر أن هذه المناطق الصناعية من شأنها دعم الاستقرار السياسي في المنطقة، فلا يمكن فصل الاستقرار السياسي والأمني من جهة عن الاستقرار الاقتصادي من جهة أخرى، ومما لا شك فيه أن الاستقرار السياسي في الشمال السوري يدعم موقف تركيا إقليميًا ودوليًا فيما يتعلق بالقضية السورية، بحسب تعبيره.
وفي المقابل، تحتاج هذه المناطق إلى السوق التركية، إذ يعد الاقتصاد التركي المتنفس الحقيقي لاقتصاد الشمال السوري، فحوامل الطاقة كلها مصدرها الأراضي التركية، إضافة إلى استيراد بعض مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية من تركيا وعبرها، لذلك فإن لتركيا دورًا رئيسًا في إنجاح ودعم هذه المناطق.
ومن الممكن أن تلعب الحكومة التركية دورًا في تذليل بعض العقبات التي تواجه المستثمرين في الشمال، خاصة العقبات المتعلقة بالإتاوات التي تفرضها بعض الفصائل العسكرية.
كما يمكن للحكومة التركية تبسيط إجراءات عبور المنتجات إلى الأراضي التركية، وهذا الأمر يعد عاملًا مساعدًا لنشاط هذه المناطق، إذ إن الصعوبات التي يواجهها المستثمرون متوقعة في ظل الواقع السوري، فالاستقرار في الشمال يعد استقرارًا نسبيًا، ولكن من المتوقع أن يتعزز مستقبلًا بدعم تركي.
شارك في إعداد هذا الملف مراسلا عنب بلدي في ريف حلب الشمالي وليد عثمان وسراج الشامي