قنابل لفضّ الخلافات العائلية.. باب مفتوح على عنف أكثر تطرفًا

  • 2021/10/24
  • 9:51 ص

شاب يحمل قنبلة يدوية (تعبيرية)

عنب بلدي – حسام المحمود

فتح استخدام قنبلة يدوية لحل خلاف عائلي في أيلول الماضي، الباب واسعًا على آلية جديدة لتعامل الأشخاص مع خلافاتهم الشخصية والعائلية ضمن دائرتهم الاجتماعية في سوريا.

وفي 23 من أيلول الماضي، توفي شخصان بينهما محامٍ، وأُصيب عدد من عناصر الشرطة جراء انفجار قنبلة يدوية أمام القصر العدلي في حي الإنشاءات بمحافظة طرطوس.

وأشارت التحقيقات الأولية حينها إلى أن الحادثة جرت إثر خلاف عائلي بين أحد المحامين وصهره، وفق ما نقلته وزارة العدل عن المحامي العام هيثم حرفوش، عبر حسابها الرسمي على “فيس بوك”.

وعند النظر إلى هذه الآلية والأسلوب في التعامل مع الخلافات، الذي يندرج في إطار العنف والعنف المفرط، يبدو بوضوح السياق الأمني لهذه الحوادث التي تتخذ من سوريا مسرحًا لها، في الوقت الذي تحتل به سوريا المرتبة الأولى عربيًا والتاسعة عالميًا بمعدل الجريمة.

ووفق التصنيف الأخير للدول من حيث ترتيبها على سلّم انتشار الجريمة بين مكوناتها الاجتماعية، والذي أجراه موقع “Numbeo” المختص في الأبحاث وتصنيف مؤشرات العيش في الدول، جاءت العاصمة السورية دمشق في المرتبة الثانية بقارة آسيا بارتفاع معدل الجريمة بعد العاصمة الأفغانية، كابل.

حادثة القنبلة اليدوية في طرطوس تبعتها بأسبوعين فقط حادثة مشابهة، حين ألقى أحد الأشخاص قنبلة يدوية إثر خلافه مع شخص آخر في حي الميدان بدمشق، ما أسفر عن إصابة ثمانية أشخاص، وفق ما ذكرته وزارة الداخلية في 6 من تشرين الأول الحالي.

الإنسان كائن عنيف؟

يصنّف موقع “Numbeo” حالة الأمان ضمن بلد ما وفق عدة مؤشرات، أوضح أولها أن مستوى الجريمة في سوريا يصل إلى 71.85 نقطة من أصل 120 نقطة، وهي نسبة مرتفعة وفق الموقع.

كما تزايد معدل الجريمة خلال السنوات الثلاث الماضية في سوريا بمعدل 71.57 نقطة، وتبلغ نسبة الخوف من التعرض لاعتداء جسدي بسبب لون البشرة أو الأصل العرقي أو الجنس أو الدين في سوريا 62.08 نقطة، بينما تنخفض إلى ما دون الـ40 نقطة نسبة سلامة الفرد عند مشيه بمفرده نهارًا، وإلى ما دون 30 نقطة عند سيره بمفرده ليلًا.

ويرى مؤسس علم التحليل النفسي، النمساوي سيغموند فرويد، أن الإنسان كائن عنيف بطبعه، على اعتبار أنه قائم على أهواء وغرائز فطرية تحتّم عليه القيام بسلوكيات ذات نزعة تدميرية لإشباع تلك الغرائز.

ويرجع فرويد الدافع الإنساني إلى العدوانية، لدوافع “ليبيدية”، يشعر بها الإنسان إذا لم يستطع تحقيق إشباعه وطاقاته الغريزية، فتتراكم هذه الطاقة وتخزّن في اللاوعي حتى تخرج بشكل عنيف وهدّام، وإلى دوافع الحفاظ على الذات في محاولة للحفاظ على حياته وصونها.

ويقول فرويد في كتابه الأخير “قلق الحضارة”، إن “الإنسان كائن تندرج العدوانية لديه بالضرورة، وبقدر لا يُستهان به، ضمن معطياته الغريزية”.

العنف في دولة اللاقانون

كشف قسم الأمن الجنائي في منطقة السيدة زينب، في 5 من حزيران الماضي، عن مقتل طفل بعمر 13 عامًا، على يد صديقه من العمر نفسه، في أحد بساتين بلدة عقربا بريف دمشق.

ورغم أن الجاني والضحية في هذه الحالة صغيرا السن، إلى جانب تعذيب وتكبيل الضحية، تندرج الجريمة في إطار الجرائم العائلية، أو جرائم الأقارب التي يوجه بها الشخص سلاحه نحو فرد أو أفراد من عائلته أو أقاربه.

والإنسان، وفق فرويد، كائن لديه نزعة إلى تلبيه حاجته العدوانية حتى على حساب قريبه، وإلى استغلال عمله بلا تعويض، وسلب ماله وإذلاله، وقتله أيضًا.

ويرى الباحث الاجتماعي طلال مصطفى، أن العنف المفرط الشديد الذي يدخل في سياق الخلافات العائلية، سلوك غير عقلاني، يحدث بغياب الضمانات القانونية لحلّ الخلافات أو استرداد الحقوق المادية أو المعنوية.

وتزداد حالات العنف من هذا النوع بالتزامن مع الحروب، فالمجتمعات المستقرة تفضّ خلافات مواطنيها عبر القانون والمؤسسات القضائية التي يثق بها المواطن بما يمنحه الرضا بأحكامها، بينما تهمين الرشوة والفساد على الأجهزة القضائية في سوريا، برأي مصطفى، الذي يشير إلى غياب وجود قضاء عادل في سوريا.

ويقول مؤسس علم التحليل النفسي النمساوي سيغموند فرويد، “حين تُشل عن التأثير طاقة القوى الأخلاقية التي كانت تعارض تظاهرات العدوانية وتكفها وتقمعها، تظهر إلى حيّز الوجود بصورة عفوية تميط عن الإنسان لثام الوحش المفترس الذي لا يقيم من اعتبار البتّة لجنسه”.

وزاد انتشار العنف واستخدام الناس السلاح لتحصيل حقوقهم سواء من الأقارب أو غيرهم بعد عام 2011، حين لاحظ المواطن السوري أن السلطة القائمة، وقوات النظام، تستخدم هذا العنف لحل ما تعتبره مشكلة.

وإذا كانت السلطة في منطقة ما، تستخدم العنف المفرط والمسلح ضد الناس، سيستخدم المواطن العادي هذا العنف للحصول على حقه، أو حتى للاستيلاء على حقوق الآخرين، بحسب طلال مصطفى.

ويرجع أسباب استخدام العنف من قبل الشخص تجاه الآخرين، إلى غياب وجود نظام قضائي عادل، وعدم تفعيل وتمكين مؤسسات دستورية وعقلانية، ما يدفع الناس للعنف بأشكاله كافة لحل بعض الخلافات أو المشكلات التي تحدث بين أفراد الأسرة الواحدة أو الأسرة والجوار أو مواطنين مختلفين، بصرف النظر عن مدى شرعية استخدام هذا الأسلوب.

ما مصدر السلاح؟

تطرح نوعية الأسلحة التي برزت إلى مسرح الجرائم العائلية، تساؤلًا حول مصدر هذه الأسلحة، في ظل سطوة أمنية، وقبضة عسكرية يفرضها النظام ضمن مناطق سيطرته التي يقطع أوصالها بالكثير من الحواجز العسكرية.

المحلل الاستراتيجي اللواء محمود علي، يرى أنه بعد انتشار السلاح بيد الكثير من الفصائل الموالية للنظام وعناصر الأمن والمخبرين، أصبح السلاح منفلتًا ومتاحًا لكل من يرغب بالحصول عليه، بدءًا بالسلاح الفردي، ومرورًا بالعبوات الناسفة واللاصقة ومواد التفجير.

وأوضح اللواء محمود علي، في حديث إلى عنب بلدي، أن هذه الآلية تسرّ النظام، وهي من ضمن سياساته، فالقانون لم يعد يُطبّق، والمواطن قادر على انتزاع حقه بنفسه في ظل غياب القانون.

ولفت المحلل الاستراتيجي إلى وقوع الكثير من الجرائم والمشكلات في المدن والقرى والأرياف السورية، إلى جانب حضور الرشوة وإمكانية دفع بعض المال مقابل النجاة من أي جريمة.

وحول إمكانية تفشي هذا النوع من الجرائم العائلية، أشار علي إلى أن كل الاحتمالات واردة، وأن الأمر عائد لرؤية النظام التي ينطق بها من مصلحته دون الالتفات إلى مصلحة الشعب.

وفي 27 من تموز الماضي، أوضح المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي في سوريا، زاهر حجو، أن 20 جريمة قتل وقعت خلال أسبوع الأعياد، دون أن تشمل الإحصائية محافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا، وفق ما ذكرته صحيفة “الوطن“.

آثار اجتماعية

يعتبر عنف الإنسان، أو العنف البشري، عنفًا ثقافيًا، ترسم حدوده التنشئة الاجتماعية وثقافة الجماعة الفرعية، أو ثقافة المجتمع الأشمل، ما يوحي بإمكانية تجنب أو القضاء على العنف الفردي والمجتمعي.

ويمكن أن يسبب ذلك أيضًا انفلاتًا في العنف إلى درجة لا يهدد فيها سلم الأفراد والجماعات فقط، بل قد يهدد النوع البشري، بحسب الباحث الاجتماعي صفوان موشلي.

وقال موشلي، في حديث إلى عنب بلدي، إن العنف مفهوم إشكالي يأخذ أشكالًا وأحجامًا مختلفة تبعًا لاختلاف الثقافة التي ترعاه، وهو في الوقت نفسه ظاهرة اجتماعية تخضع لنفس القوانين المفسرة لمداه والمؤطّرة لشدته.

وحول أسباب العنف ودوافعه، يرى موشلي أن الإحباط يولّد مشاعر العنف الخام تجاه البيئة، وأن تكرار الإحباط يزيد من شدة العدوان الموجه للبيئة الاجتماعية ممثلة بأفرادها.

وهنا يأتي دور الثقافة التي تصنف الإحباط وتعطيه معناه وعمقه، وتحدد آليات الاستجابة له حفظًا للمكانة الاجتماعية والمصالح المتبادلة، بما يتراوح بين الإهمال أو التسامح إلى الرد العنيف، وهو عنف قد يكتفي بالخطاب المؤسس لعنف مادي أو عنف مادي مباشر ربما يصل إلى حد القتل أو التهديد به.

وأشار موشلي إلى فشل السلطة في منع نفسها من استخدام العنف ضد شرعيتها، والتي شرعنت أيضًا العنف الذي اجتاح سوريا مستهدفًا المدنيين، في ظل مخاوف على استمرارية بعض مؤسسات المجتمع السوري مثل الأسرة كمؤشرات ترتبط بدوافع فطرية واجتماعية عريقة.

ونوه موشلي إلى ضرورة مراقبة تطورات وتداعيات العنف المنفلت ونتائجه، في سبيل الحفاظ على مؤسسة الأسرة والابتعاد عن نوعية علاقات جديدة تؤسس على القهر والقوة الغاشمة ليس فقط في أروقة السلطة بعلاقتها مع الشعب، بل على مستوى الأسرة والطائفة والعشيرة والحزب.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع