هل بدأ “حزب الله” الحرب الأهلية في لبنان

  • 2021/10/24
  • 10:31 ص

إبراهيم العلوش

في 18 من تشرين الأول الحالي، أعلن حسن نصر الله أن لديه مئة ألف مقاتل، وعلى المسيحيين في لبنان أن يسمحوا له بمواجهة حزب “القوات اللبنانية”، لأنه تصدى له ولـ”حركة أمل” مع الأهالي الذين يدافعون عن بيوتهم وعن سياراتهم التي حطمها متظاهرو الثنائي الإيراني وهم يطالبون بخلع القاضي طارق البيطار.

يكره “حزب الله” القضاء، ولا يقيمون له وزنًا، ربما لأنهم لا يريدون استمرار بناء الدولة اللبنانية، فالإيرانيون وكل أتباعهم يجلبون الفوضى والشعارات الطائفية والجوع وخراب الدولة أينما حلّوا. هكذا فعلوا في سوريا وفي اليمن وفي العراق وهم يهيئون الأجواء للخراب الشامل في لبنان.

لقد أجبروا القاضي السابق فادي صوان على التنحي، لأنه بدأ بتحقيق قضائي جديّ في موضوع انفجار مرفأ بيروت قبل سنة، وها هم يعدّون العدة لخلع القاضي طارق البيطار، لأنه استدعى مسؤولين حكوميين سابقين من “حركة أمل” أبرزهم الوزير السابق علي حسن خليل.

أفشل “حزب الله” التحقيق الدولي بمقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري منذ 2005، ونجح في تحدي الإرادة الدولية ودماء الضحايا الذين قُتلوا في انفجار إرهابي ثبت أخيرًا أن “حزب الله” والنظام السوري من تسبب به، وقد كان نظام الأسد أكثر احترافًا عندما استبق نتائج التحقيق وقتل جميع ضباطه الذين لديهم معلومات عن الاغتيال، أمثال غازي كنعان، وجامع جامع، ورستم غزالة. وبقي أمام المحكمة مجرم واحد للملاحقة هو سليم عياش من “حزب الله”، أما المدبر الرئيس مصطفى بدر الدين، فقد قُتل في سوريا عام 2016 بظروف غامضة أبعدته عن الاستدعاء إلى المحكمة الدولية.

انفجار مرفأ بيروت في 4 من آب 2020 قُتل فيه نحو مئتي شخص، وجُرح 6500، منهم أعضاء فرق الإطفاء والإسعاف الذين هبّوا لنجدة الضحايا وألحقتهم التفجيرات المتتابعة بهم، وتحطم ربع العاصمة اللبنانية، وكان السكان المسيحيون هم أكثر المتضررين من ذلك الانفجار الذي تسبب به تخزين 2700 طن من “نترات الأمونيوم” في مرفأ بيروت، ويُعتقد أن النظام السوري كان يستوردها من أجل صناعة البراميل المتفجرة.

دخلت ميليشيات “حزب الله” و”حركة أمل” باتجاه القصر العدلي، تتحدى من يعارض خلع القاضي طارق البيطار، في 14 من تشرين الأول الحالي، من إحدى بوابات الحرب الأهلية اللبنانية الشياح- عين الرمانة، تلك الحرب التي استمرت من 1975 حتى 1990، وكأن ذلك الدخول كان مقصودًا لإرهاب ذوي الضحايا وإسكاتهم، كما سكت أهالي ضحايا الانفجار الذي قتل رفيق الحريري عام 2005.

إذا كان “حزب الله” بريئًا من انفجار بيروت الذي يعتبر أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، فلماذا يبعث أحد مسؤوليه (وفيق صفا) ليهدد القاضي وأمام الصحافة صائحًا: “رح نقبعك”!

وإذا كانت الحكومة التي يحميها “حزب الله” بريئة من تهمة التواطؤ في قضية المواد المتفجرة، فلماذا يلقي حسن نصر الله خطاباته الرنانة بشكل متلاحق، ويرسل إلى الأحياء المسيحية متظاهريه الذي يصيحون مع عناصر “حركة أمل” بشكل استفزازي: “شيعة شيعة”!

يستثمر “حزب الله” سمعته الوحشية في إرهاب اللبنانيين، بعد أن قام بجرائمه في سوريا، وهو يقضي الوقت في الاستعراضات التي توفرها له فرصة الإفلات من المحاسبة على تلك الجرائم التي تسببت في تدمير سوريا، وتهجير نصف شعبها من بيوتهم، بقصد إعادة الهندسة السكانية بما يتناسب مع المخططات الإيرانية لمستقبل المنطقة.

ولكن الحزب، الذي أصابه الغرور والعمى الطائفي، لا يدرك اليوم أن داعمته الأساسية إيران في ضائقة شديدة، فهي محاصرة اقتصاديًا، وانفتحت بجوارها بؤر للصراع، واحدة على حدودها الشرقية مع أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي منها، وهي حدود تبلغ حوالي ألف كيلومتر، وبؤرة أخرى في أذربيجان بعد المناورات الباكستانية- التركية- الأذربيجانية على حدودها الشمالية (430 كم) مع بوادر صراع جديد سوف يستهلك منها المزيد من الموارد والقدرات، وقد ترسل مقاتلي “حزب الله” أنفسهم إلى إقليم ناغورني كاراباخ كمرتزقة تلافيًا لتدخلها المباشر ضد أذربيجان، ولعدم إثارة السكان الأذريين الإيرانيين الذين تبلغ نسبتهم حوالي 20% ولهم تأثير كبير في البلاد.

أمام بوادر الحرب الأهلية الجديدة التي يعلنها “حزب الله” ضد الطوائف اللبنانية الأخرى، تقف الدولة اللبنانية المفلسة والفاسدة على الحياد، وتلتمس الطوائف الأخرى القدرة على الصبر، وتستعين بمساعدات الدول العربية والغربية، خاصة أن آلاف الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة التي يمتلكها الحزب سوف يتم إعادة توجيهها إلى اللبنانيين، كما فعل النظام السوري بصواريخه وأسلحته التي دمّر بها الوطن السوري بدلًا من الدفاع عنه وحماية مواطنيه.

اللاجئون السوريون في لبنان بدورهم يترقبون نتائج السجال الصعب بين اللبنانيين، خائفين من نتائج تنمّر “حزب الله” عليهم وعلى اللبنانيين، وفي كل الأحوال هم لا يزالون في حالة مزرية كما ذكرت تقارير الأمم المتحدة، إذ إن تسعة من كل عشرة سوريين في لبنان يعيشون في حالة جوع وبؤس.

القاضي طارق البيطار لا يزال يعاند مسؤولي “حزب الله” و”حركة أمل” ويرفض التنحي، وحزب “القوات اللبنانية” يطالب بالتحقيق مع كل مسؤولي “حزب الله”، فهل سيتم تأجيج الصراع وبدء الحرب إذا أعلن القاضي استدعاء حسن نصر الله إلى التحقيق في موضوع تفجير مرفأ بيروت الذي كان تحت وصايته؟ أم سيبقى حسن نصر الله مثل بشار الأسد فوق سقف الوطن، وفوق الدولة، ويستمر باحتقار العدالة؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي