“لماذا تركت الحصان وحيدًا”.. سيرة شعرية بلون الحنين إلى العائلة

  • 2021/10/24
  • 10:49 ص

الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش وديوان "لماذا تركت الحصان وحيدّا" (تعديل عنب بلدي)

في ديوان “لماذا تركت الحصان وحيدًا”، يقدّم الشاعر الفلسطيني محمود درويش شيئًا من سيرته الذاتية على الطريقة الرمزية، وبلغة الشعر أيضًا.

ولا يتأخر الحضور العائلي وشعور الحنين في الديوان الصادر عام 1995، في التعبير عن نفسه من الصفحة الأولى، حيث يهدي فيها درويش ديوانه لجدّه حسين، وجدّته آمنة، وأبيه سليم، وأمه حورية.

يعود درويش في إهدائه إلى الطفولة، مستحضرًا الجدّ والجدّة، ما يعني استحضار شمل العائلة الذي تشتت مبكرًا وصار مجموعة صور غير مترابطة في ذاكرة الشاعر اللاجئ، أو الشاعر الذي اختار منفاه، بعدما فرض التشتت والشتات نفسه منذ الطفولة.

ويأتي عنوان الديوان منسجمًا إلى حد بعيد مع فحواه، والكثير من الرموز التي يشكّلها الحصان للإنسان العربي، فحالة الوحدة التي عاشها الحصان والتي تبدو بوضوح في السؤال، ستنتفي في الجواب الذي يحمله الأب لابنه في قصيدة “أبد الصبّار”.

يقول محمود درويش في حوار شعري مع والده، ضمن القصيدة:

“لماذا تركت الحصان وحيدًا؟

.. لكي يؤنس البيت يا ولدي، فالبيوت تموت إذا غاب سكانها..”

هذا الديوان الذي جاء بعد قرار درويش الاتجاه نحو الرمز أكثر، والسموّ باللغة الشعرية بما يليق بوصولها إلى العالم، جاء استثنائيًا في وضوحه، فالشاعر يسمّي الأشياء والأشخاص بالأسماء الصريحة، فتحضر “خروبة الشارع العام”، و”كرم عمّه جميل”، وتدور حوارات على طول عدة قصائد بين الشاعر الذي يستحضر طفولته، ووالده الذي يهبه الحكمة الخالدة.

ويشكّل الديوان سيرة للمكان، وحفظًا لعنوان البيت والبيت نفسه من النسيان، بما يجعل من القصيدة صكّ ملكية يشهد عليه كل القرّاء.

“أعرف البيت من خصلة المريمية، أولى النوافذ تجنح نحو الفراشات (…) أعرف البيت من خفقان المناديل”.

فلا يكتفي درويش بمعرفته بيته، مقدار ما يريد لهذا البيت أن يظل معروفًا للجميع، بما يشبه نبوءة شاعر، تشي بأن البيت لن يعود في مداه المنظور.

يتكوّن الديوان من صفحات قليلة تنتهي قبل الـ90، ومعانٍ ومواضيع كثيرة تصلح لأزمنة متعاقبة لن يجد القارئ نفسه أمامها واقعًا في فجوة زمنية بين ما كان وما هو كائن، رغم مرور 26 عامًا على الأقل على كتابة تلك القصائد، التي تتراوح موضوعاتها بين الحنين للبيت والعائلة والاشتياق، والحلم، ثم انتفاء الذات، ونفيها، والحديث عنها بصيغة الغائب، لتغريبها في الشعر كما هي غريبة في الواقع.

ومن أبرز قصائد الديوان، إضافة إلى تلك التي اقتبس منها سؤال العنوان، قصيدة “تعاليم حورية”، التي خص درويش بها أمه بالاسم، في رغبة واضحة امتدت على طول ديوانه الشعري، بالعودة إلى بيت العائلة وكرم الزيتون، وحقل الخروب، وكرم العم جميل.

يقول درويش، “أمي تضيء نجوم كنعان الأخيرة، حول مرآتي، وترمي في قصيدتي الأخيرة، شالها”.

ولد محمود درويش في قرية البروة بالجليل الفلسطيني الأعلى، في آذار عام 1941، وتوفي في 9 من آب عام 2008.

وبين الولادة والموت، ولد درويش على صفحات الشعر ورفوف المكتبات ومسامع الجمهور، عام 1964، مفتتحًا مشوارًا أدبيًا طويلًا، بلغ نحو 30 مجموعة شعرية ونثرية، تُرجمت إلى أكثر من 20 لغة حية.

مقالات متعلقة

  1. "لا تعتذر عما فعلت".. الذكريات وفلسفة الاعتذار في شعر درويش
  2. "يوميات الحزن العادي" المستمرة لمحمود درويش
  3. الذكرى العاشرة لرحيل "شاعر القضية" محمود درويش
  4. "استيقظ كي تحلم".. خاتمة الشعر في حياة مريد البرغوثي

كتب

المزيد من كتب