عنب بلدي – حسام المحمود
انعكست خطابات بعض الشخصيات السياسية التركية المعارضة، سلبًا على حالة الاستقرار النسبي التي يعيشها اللاجئون السوريون في تركيا.
هذه الخطابات التي برزت بوضوح وصوت مرتفع خلال الأشهر الأخيرة، رافقتها اعتداءات وحالات احتقان شعبي ضد وجود اللاجئين السوريين في أكثر من منطقة.
وجرت أحدث حالات الاعتداءات هذه، مطلع تشرين الأول الماضي، حين هاجم مواطنون أتراك محال وممتلكات السوريين في مدينة إزمير التركية على خلفية مقتل شاب تركي على يد آخر سوري طعنًا، في ساعات متأخرة من مساء 31 من أيلول الماضي.
وأصدرت حينها ولاية إزمير بيانًا، أوضحت خلاله أن المواطن السوري المقيم في توربالي وخلال عودته إلى منزله، منتصف الليل، حدثت ملاسنة بينه وبين ثلاثة مواطنين أتراك مخمورين، وتطورت إلى شجار وعراك سبّب إصابة مواطن تركي بعدة طعنات بسكّين في صدره، أدّت إلى وفاته، مقابل إصابة الشاب السوري بعدة طعنات في يده اليسرى.
وفي تموز الماضي، تعهد زعيم حزب “الشعب الجمهوري” التركي المعارض، كمال كليشدار أوغلو، بالعمل على ترحيل جميع اللاجئين السوريين من تركيا في مدة زمنية أقصاها سنتان، حال وصل حزبه إلى الحكم.
تصريحات كليشدار أوغلو تبعها رد رسمي على لسان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي جدد التأكيد على مواقفه السابقة بعدم ترحيل السوريين، قائلًا، “لن نلقي بعباد الله الذين لجؤوا إلينا في أحضان القتلة”.
وأضاف أردوغان، “أقولها بوضوح، هؤلاء طرقوا أبوابنا، واحتموا بنا، ولا نستطيع أن نقول لهم عودوا من حيث أتيتم”.
الرد عبر الإعلام
مسؤولة التواصل في “اللجنة السورية- التركية المشتركة” التابعة لـ”الائتلاف الوطني”، إيناس النجار، أكدت، في حديث إلى عنب بلدي، أن مشكلة السوريين حيال خطاب التحريض في تركيا لا تتجلى بغياب قانون يجرم التحريض وبث خطاب الكراهية، باعتبار أن وجود القانون لا يعني بالضرورة التزام الناس به وتطبيقه بحذافيره.
وترى النجار أن الرد على الخطاب التحريضي يجب تمريره عبر قنوات الإعلام، كون الخطابات التحريضية تبث أصلًا عبر الإعلام، والرد ومحاولة تصحيح الصورة النمطية عن السوريين يتطلبان مخاطبة الناس.
وحول آلية تعاطي السلطات الأمنية التركية مع حالات الاحتقان، اعتبرت النجار أن التجاوب التركي إيجابي وفاعل، وأسهم في تقليص الخسائر بالمناطق التي شهدت حوادث اعتداءات.
وفي 11 من آب الماضي، عاش السوريون في منطقة ألتنداغ بالعاصمة التركية، أنقرة، ليلة تخللتها أعمال شغب واعتداءات على خلفية شجار بين مجموعة أتراك ومجموعة سوريين، أدى إلى مقتل شاب تركي وإصابة آخر.
وبعد نحو أقل من أسبوعين على الحادثة، أكد الرئيس التركي أن السوريين الذين تعلموا اللغة التركية واندمجوا بالمجتمع التركي، وأسسوا أعمالهم، سيستطيعون البقاء في تركيا، أما من لم ينجح في ذلك فسيعود إلى منطقته في سوريا بالتزامن مع عودة الظروف الطبيعية للحياة هناك، بحسب تعبيره.
تصريحات أردوغان التي تناولت السوريين عدة مرات منذ تصريحات زعيم حزب “الشعب”، تتعارض مع طموحات المعارضة التركية التي تركز عند الترويج لأي انتخابات مستقبلية تحاول كسبها، على نيتها ترحيل السوريين وإعادتهم إلى بلادهم.
وتحدثت النجار عن اجتماع مرتقب مع دائرة الهجرة التركية لمناقشة عدة مشاريع تصب في خدمة تعزيز الاندماج، إضافة إلى مطالبة الحكومة التركية بتحييد ملف اللاجئين عن الملف الانتخابي.
ولفتت إلى مناقشة قضية تعليم الأطفال الابتعاد عن العنصرية والتنمر مع رئاسة دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، إضافة إلى برنامج يجري العمل عليه بالتعاون مع وسائل إعلام سورية، لحماية الأطفال من التنمر، ونشر الوعي بينهم وتثقيفهم حول كيفية الرد في حال التعرض للتنمر أو للعنصرية.
وأشارت النجار إلى حالة الخوف التي يعيشها السوريون جراء الاحتقان الشعبي والعنصرية، ما دفع بعضهم لوضع أطفالهم في مدارس خاصة، بتكاليف مرتفعة، عوضًا عن المدارس الحكومية.
ويبلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا ثلاثة ملايين و666 ألفًا و355 شخصًا، بحسب أحدث إحصائيات المديرية العامة لإدارة الهجرة لعام 2021.
وفي 28 من تموز الماضي، أعلن مكتب المدعي العام في ولاية بولو التركية، فتح تحقيق بحق رئيس البلدية، تانجو أوزجان، بخصوص تصريحاته بحق اللاجئين السوريين، ورفعه الضرائب والرسوم عليهم عشرة أضعاف.
ووجه مكتب المدعي العام لرئيس البلدية تهمتي “إساءة استخدام المنصب” و”الكراهية والتمييز”، بحسب ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية، في 28 من تموز الماضي.
تحسّن موعود
في 8 من تشرين الأول الحالي، قال زعيم حزب “الشعب الجمهوري”، كمال كليشدار أوغلو، خلال اجتماعه بناشطين سوريين في ولاية اسطنبول، “لن نعيد اللاجئين السوريين قسرًا إلى سوريا”.
تصريحات كليشدار أوغلو التي غضت الطرف عنها وسائل الإعلام التركية، تأتي بعد تحميل الصحافة التركية، كليشدار أوغلو، ومعارضين أتراكًا مسؤولية حالة الفوضى والاعتداءات ضد السوريين، التي شهدتها أنقرة مؤخرًا، ما شكّل تراجعًا غير مسبوق لزعيم المعارضة التركية عن تصريحاته.
وأضاف كليشدار أوغلو، في الاجتماع الذي نقل تفاصيله موقع “Serbestiyet” التركي، أنه يجب إقامة بيئة مناسبة في سوريا من أجل عودة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا إليها، مشيرًا إلى أن شرط تحقيق هذه البيئة هو سلامة أرواح وأموال العائدين.
الناشط السوري في قضايا حقوق اللاجئين طه الغازي، تحدث إلى عنب بلدي عما تمخض عنه الاجتماع، الذي تزامن مع حالة احتقان، لا تكاد تبرد نارها في منطقة حتى تتجدد في غيرها.
وأكد الغازي أن نتائج إيجابية سيسفر عنها اللقاء على المدى المتوسط والمدى البعيد، لافتًا إلى ضرورة الانتباه إلى أن أشخاصًا فقط ينتمون إلى أحزاب معيّنة يتبنون خطاب الكراهية والتحريض ضد السوريين، ولا يكون الحزب بأكمله صاحب خطاب عنصري.
وأوضح الغازي أن الشارع التركي يتأثر بنمطية ولسان خطاب قادة الأحزاب السياسية في البلاد، لا سيما حزب “الشعب الجمهوري”، ثاني الأحزاب التركية انتشارًا، ما يعني أن حديث أي شخصية قيادية ضمن الحزب بأسلوب معادٍ للاجئين، سينعكس تمامًا على القواعد الشعبية للحزب لدى الشارع التركي.
وبقدر ما يستطيع السوريون تقديم صورة مثلى وحقيقية عن اللاجئ السوري، سيرتبط ذلك بأسلوب تعاطي الشارع التركي مع اللاجئ، مع الإشارة إلى وجود تقصير من قبل منظمات المجتمع المدني السورية، والنخب الثقافية الفكرية والمجنسين السوريين، باعتبار أن اللاجئ السوري وُجد ضمن بيئة جرى فيها استقطابه عبر تيار معيّن، وفق الغازي، الذي انتقد غياب دور فاعل لكل مكونات المجتمع اللاجئ في تركيا.
وبيّن الناشط في قضايا اللاجئين أن التجمعات المدنية السورية ركزت طويلًا على تأمين احتياجات إغاثية للسوريين، لكن مَن أتى من سوريا قبل سنوات اختلفت احتياجاته.
والمنظمات السورية والناشطون لم يراعوا التغيّر الحاصل في احتياجات اللاجئ بعد انتهاء العقد الأول من لجوئه، إذ إن منهجية عمل ورؤية هذه المنظمات لحاجة اللاجئ قديمة ومربوطة بسلة غذائية ومساعدات عينية، دون الانتباه إلى أن بعض اللاجئين صاروا مواطنين أتراكًا بعد التجنيس، ولا بد من دور فاعل أكثر ليعيش المواطن المجنّس كامل جوانب حقوقه في المواطنة.
ودعا طه الغازي إلى تفعيل دور السوريين المجنسين على المستوى المدني والاجتماعي، عبر تشكيل تيارات تتواصل مع جميع التيارات الثقافية والفكرية والأحزاب ومراكز القرار، بما يخدم حالة الوجود السوري في تركيا، سواء كان لاجئًا أم مجنّسًا، كون الأتراك أنفسهم في ألمانيا ينخرطون في تجمعات مدنية تمنحهم دورًا وفاعلية اجتماعية وسياسية داخل المجتمع الألماني.
حالات ومحاولات سابقة
الاعتداءات والخطابات المحرّضة ضد السوريين في تركيا، ليست وليدة العام الحالي فقط، إذ تتفاوت حدة هذه الاعتداءات بين التهجم الجسدي، والاعتداءات اللفظية، إما بشكل مباشر وجهًا لوجه، وإما عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات أو تغريدات، ينشر بعضها سياسيون أتراك.
ووقعت خلال عام 2020 ما لا يقل عن ثلاث حالات قتل تعرض لها لاجئون سوريون، إلى جانب اعتداءات طالت محال سورية، نتيجة سوء فهم وتقدير للموقف.
وأجرى “الائتلاف السوري” المعارض، في 17 من تموز عام 2019، ورشة في دائرة الهجرة التركية، بحضور إعلاميين وحقوقيين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، بهدف تخفيف الاحتقان تجاه الوجود السوري في تركيا، كما نظمت جمعية “أوزغور در” الوقفية التركية، في 6 من تموز عام 2019، وقفة تضامنية في منطقة الفاتح باسطنبول، نادى المشاركون خلالها بشعارات التآخي مع السوريين، والرفض للأصوات التي تعاديهم.
وفي الشهر نفسه، أطلق ناشطون وصحفيون سوريون مبادرة “أنا إنسان“، لمخاطبة الرأي العام التركي لامتصاص حالة الاحتقان ضد اللاجئين السوريين في تركيا، بعد حملات تحريض موجهة ضدهم، تسببت بموجة ترحيل تعرض لها المخالفون الذين لا يحملون بطاقة “الحماية المؤقتة” في الولايات التي يقيمون فيها.
وفي 1 من أيلول الماضي، أوقفت مديرية الهجرة التركية في أنقرة منح بطاقة “الحماية المؤقتة” للسوريين الموجودين في الولاية اعتبارًا من اليوم التالي، وذلك بعد نحو ثلاثة أسابيع فقط من الأحداث التي شهدتها الولاية من اعتداءات طالت سوريين هناك.