صفقة أم هروب.. هل أفلت رفعت الأسد من العدالة

  • 2021/10/17
  • 9:24 ص

رفعت الأسد (تعديل عنب بلدي)

صالح ملص | زينب مصري | ديانا رحيمة

في حين يتفاعل الجدل القانوني بشأن هروب رفعت الأسد من فرنسا بعد صدور حكم بسجنه، ضجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بالحديث عن عودة رفعت، عم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى سوريا بعد غياب امتد لنحو أربعة عقود.

الصحافة الفرنسية والغربية تعاطت مع معلومات متضاربة عن طريقة الهروب، إلا أن واحدًا من الصحفيين ذوي الخبرة الطويلة في الشأن السوري، وهو الفرنسي جورج مالبرونو، كشف عن معلومات صادمة تفيد بأن رفعت لم يهرب، بل جرت مكافأته على خدمات قدّمها للمخابرات الفرنسية في وقت سابق.

بعض التقارير الإعلامية قالت إن العودة جاءت منعًا لتنفيذ الحكم بسجن رفعت في فرنسا، ووصفت سوريا بأنها صارت “ملاذًا للمجرمين الفارين من العدالة”.

تعيد عودة رفعت الأسد إلى سوريا مئات الروايات من الذاكرة السورية عن الدور الذي لعبه في أثناء قيادته لـ”سرايا الدفاع”، التي استهدفت معارضين للسلطة من الإسلاميين بمدينة حماة، وكذلك في مجزرة سجن “تدمر” في ثمانينيات القرن الماضي.

وفي ذات الوقت، تفتح سجالات حول العودة، منها ما حمل انتقادات لفرنسا من جهة “لسماحها” بمغادرة رفعت نحو سوريا، ومنها ما اتهم المعارضة السورية والمنظمات الحقوقية السورية بالتراخي في الملاحقة من جهة أخرى، بعدم ملاحقة رفعت الأسد ووضعه أمام العدالة، على اعتباره “الأب الروحي” لانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع حقوقيين ومعارضين سوريين، كيفية هروب رفعت الأسد إلى سوريا، وأسباب عدم محاسبته من قبل المنظمات الحقوقية المعنية بإقامة دعاوى جنائية ضده، والاحتمالات المتوفرة لفرنسا من أجل مطالبتها سوريا بتسليم رفعت الأسد في حال صدور أي حكم قضائي يدينه بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وموقف “الإنتربول” الدولي في هذه المسألة.

“ضربة قاسية” لجهود المحاسبة

كيف هرب رفعت الأسد من فرنسا؟

بعد حوالي 40 عامًا أمضاها في المنفى، عاد عم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المعروف بلقب “جزّار حماة” رفعت الأسد، إلى سوريا من فرنسا، تجنبًا للسجن، بعد أن قضت محكمة الاستئناف الفرنسية بسجنه أربع سنوات.

وقالت صحيفة “الوطن”، المقربة من النظام، في 8 من تشرين الأول الحالي، إن رفعت وصل إلى دمشق منعًا لسجنه في فرنسا، بعد صدور حكم قضائي ومصادرة ممتلكاته وأمواله في إسبانيا أيضًا، مشيرة إلى أن بشار الأسد “ترفّع” عن كل ما فعله عمه، وسمح له بالعودة إلى سوريا “مثله مثل أي مواطن سوري آخر، ولن يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي”.

وبعد يوم من صدور الحكم القضائي بحق رفعت الأسد، نشر نجله ريبال تسجيلًا مصوّرًا له يظهر فيه وهو “يدبك” مع حفيديه، رفعت وقيصر، واعتبر نجله سومر، في لقاء مع وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، في 11 من أيلول الماضي، أن الاتهامات الموجهة إلى والده “مسيّسة وملفقة”.

نائب الرئيس السوري السابق رفعت الأسد (AP)

وأقرت محكمة الاستئناف الفرنسية في باريس، في 9 من أيلول الماضي، الحكم على رفعت الأسد، تحت مسمى قضية “مكاسب غير مشروعة”، لاتهامه بتأسيس أصول بقيمة 90 مليون يورو في فرنسا بين شقق ومزارع للخيول وقصور.

وأُدين نائب الرئيس السوري السابق، البالغ من العمر 84 عامًا، والذي عاش في المنفى منذ عام 1984، بتهمة “غسل أموال العصابات المنظمة، واختلاس الأموال العامة السورية، والتهرب الضريبي المشدد”، وستصادَر جميع العقارات الخاصة به من قبل المحاكم.

لكن الحكم الصادر بحق رفعت الأسد لم يُنفذ قبل مغادرته فرنسا، لأنه لم يكتسب كامل الدرجة القطعية، إذ طعن محامي رفعت بحكم محكمة الاستئناف خلال الـ48 ساعة التي تلته، بحسب الكاتب السياسي والمحامي السوري في فرنسا زيد العظم.

وقال العظم في حديث إلى عنب بلدي، إن الحكم الجزائي في فرنسا لا يُنفذ إلا عندما يكتسب كامل الدرجة القطعية، وفي حالة رفعت يكتسب الحكم الدرجة القطعية بعد صدور حكم محكمة النقض، الذي سيكون الحكم الأخير في سيرورة الدعوى.

وحتى إعداد هذا الملف، لا تتوفر معلومات حول طريقة خروج رفعت الأسد من فرنسا، وهذه المسألة أساس “الإشكالية” التي يخوضها المحامون والحقوقيون الآن مع وزارة الداخلية الفرنسية، بحسب ما أضافه، و”من الممكن أن الفرنسيين أنفسهم لا يعرفون طريقة هروبه، إذ يمكن أن يكون قد خرج عن طريق الإنجليز”.

لكن صحيفة لوفيغارو الفرنسية كشفت بعددها الصادر في 14 من تشرين الأول الحالي، عن معلومات تفيد بأن رفعت تمكن من الخروج بناء على خدمات قدمها لأجهزة المخابرات الفرنسية، سابقًا.

وأشارت الصحيفة، عبر مقال للصحفي جورج مالبرونو، إلى خدمات قدمها رفعت إلى بيير ماريون، مدير المخابرات الفرنسية في حقبة 1982، حيث كان لخدماته “دور كبير في الكشف عن شبكة صبري البنا (أبو نضال) بعد قيام الشبكة بعمليات تفجير في فرنسا”.

ويرى مالبرونو أن سلطات النظام السوري ترغب بالاستفادة من أولاد رفعت فيما يخص علاقتهم مع المافيات الأوروبية، وأن العلاقة لم تنقطع يومًا بين سومر الأسد نجل رفعت، وبين ماهر الأسد شقيق بشار الأسد.

وفي كل الحالات، “تتحمل الداخلية الفرنسية مسؤولية خروج رفعت الأسد”، لأنه كان تحت الحراسة القضائية (كونترول جوفيزيل)، ولا يستطيع مغادرة البلاد، وفق العظم.

واعتبرت منظمة “شيربا” الفرنسية التي تدافع عن حقوق ضحايا الجرائم الاقتصادية والمسؤولة عن مقاضاة رفعت الأسد، في بيان صادر في 11 من تشرين الأول الحالي، أن هروبه “ضربة قاسية” لجهود فرنسا في مكافحة الفساد العابر للحدود، و”إشارة مقلقة” بشكل خاص فيما يتعلق بالتزامها بمكافحة الفساد.

وتساءلت المنظمة في بيانها عن الأساليب التي جعلت هروبه ممكنًا، والتي اعتبرتها تشكّل فشلًا لفرنسا في التزاماتها الدولية فيما يتعلق بمكافحة الفساد وقمعه بشكل فعّال.

وقالت، إن عودة رفعت الأسد إلى سوريا واستقباله من قبل النظام الحالي، تُبيّن الحاجة إلى منع عودة أموال رفعت المصادَرة إليه مجددًا لاستخدامها في الفساد، داعية الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى سحب وسام “جوقة الشرف”، الذي يُعتبر أعلى وسام شرف فرنسي، من رفعت، إذ لا يزال يحتفظ به.

لا حاجة إلى دعاوى جديدة

لا توجد حاجة إلى رفع دعاوى جديدة ضد رفعت الأسد، مع وجود دعاوى أهم مرفوعة ضده سابقًا أمام القضاء السويسري لمحاسبته عن الجرائم المرتكبة فيما يتعلق بمجزرة حماة عام 1982، ومجزرة سجن “تدمر” عام 1980 في سوريا، والدعوى المرفوعة ضده في فرنسا فيما يتعلق بتبييض الأموال والتهرب الضريبي، وفقًا للعظم.

كما لا تحتاج فرنسا إلى تعميم مذكرة للقبض على رفعت الأسد، إذ إنه ممنوع من مغادرة الاتحاد الأوروبي وفق الاتفاقيات الأوروبية، ومع العثور عليه في أي بلد أوروبي يتم إلقاء القبض عليه وترحيله إلى فرنسا.

وأوضح المحامي أن مسألة إلقاء القبض على رفعت الأسد تعقدت الآن، فمع افتراض أن القضاء السويسري أصدر حكمًا قطعيًا بحبسه 20 عامًا، هو موجود في سوريا الآن، ما يعني أن القضية لا تتعلق برفع دعاوى جديدة ضده، وإنما بإمكانية تنفيذ الأحكام الصادرة عن الدعاوى القائمة حاليًا.

ويرى العظم أن السوريين يتحملون مسؤولية ترك رفعت الأسد دون محاسبة، والتقصير من عندهم، إذ لم تُرفع ضده أي دعوى “حقيقية” منذ مغادرته سوريا، والتحركات الفعلية بدأت بعد اندلاع الثورة عام 2011 مع خروج مجموعة من الحقوقيين والناشطين من سوريا، و”فتحهم للماضي”، بحسب تعبيره.

وجميع الدعاوى ضد رفعت الأسد قبل 2011 كانت “هزيلة”، ولم تلقَ دعمًا ماديًا أو معنويًا أو حقوقيًا بشكل جدّي، بحسب المحامي.

وعن صعوبة جمع أدلة وإفادات شهود ضد رفعت في سياق محاسبته على ارتكاب جرائم حرب، قال العظم، إن الأمر صعب، إذ يوجد شح في الأدلة من مقاطع مصوّرة أو صور، أو اعترافات ضد رفعت الأسعد.

والشعب السوري يعرف أن رفعت الأسد متهم بجرائم سجن “صيدنايا” وسجن “تدمر”، لكن لا دلائل متوفرة ولا اعترافات من ضباط أو عناصر تابعين للنظام ضده.

وتحدث العظم عن اعتراف وحيد ضد نسيب رفعت الأسد (زوج ابنته) معين ناصيف، إذ اعترف ضباط سوريون عام 1981 بأنهم خططوا لاغتيال رئيس الحكومة الأردنية حينها مضر بدران، وتبيّن في أثناء التحقيق أن ناصيف أمر بارتكاب مجزرة سجن “صيدنايا”، ولم يدلِ الضباط بشهادات واعترافات ضد رفعت، وهذا يعني أنه في حال وصول معين ناصيف إلى أوروبا، سيتم إلقاء القبض عليه فورًا.

وأوضح المحامي أن الحقوقيين لا يمتلكون مقاطع مصوّرة لمجزرة حماة، لكن الصحفي البريطاني روبرت فيسك هو الوحيد الذي استطاع التقاط صور لحماة، وقد تُوفي وماتت معه المقاطع التي صوّرها.

وأشار العظم إلى محاولات التواصل مع الصحفي بين عامي 2014 و2015، للحصول على المقاطع التي صوّرها لكن دون جدوى.

ويُعد الصحفي البريطاني روبرت فيسك واحدًا من الصحفيين الغربيين القلائل الذين شهدوا على مجزرة حماة التي نفذها الجيش السوري في عهد الرئيس السابق، حافظ الأسد، إذ كان حينها مراسلًا لصحيفة “التايمز” البريطانية في لبنان، حين أُتيحت له فرصة زيارة حماة إبان المجزرة.

ولفيسك مقال مطوّل في كتابه “Pity The Nation” لشهادته على مجزرة حماة.

صورة تجمع بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت الأسد في سوريا (AFP)

عوامل قانونية أم سياسية.. لماذا لم يحاسَب رفعت في أوروبا

جرت محاولات من منظمات أجنبية ودولية لمحاسبة رفعت الأسد عن جرائم مالية، من بينها فساد وتهرب ضريبي واختلاس أموال عامة.

وبمقابل تلك المحاولات التي صبت في قضايا “مكاسب غير مشروعة”، كانت هناك تجارب قليلة من منظمات حقوقية سورية ودولية، لإتاحة فرصة محاسبته جنائيًا داخل الاتحاد الأوروبي خلال إقامته فيه، إلا أن تلك التجارب كانت محدودة الأدوات، بسبب عدة عوامل قانونية وسياسية حالت دون تحقيق فرض العقوبات الجزائية على رفعت الأسد.

وبعد عودته إلى سوريا في تشرين الأول الحالي، تناقل عدد من السوريين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تتساءل عن عدم محاسبة رفعت الأسد جنائيًا طوال إقامته في أوروبا لمدة أكثر من 20 عامًا.

منذ عام 2014، شهدت بلدان الاتحاد الأوروبي عدة نزاعات قضائية جمعت ضحايا الانتهاكات في سوريا مع جناتهم تحت أقبية المحاكم، وكانت أغلب الدعاوى المرفوعة ضد مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من السوريين تقوم على مبدأ الاختصاص القضائي العالمي، الذي يعد إحدى الأدوات الأساسية للمعاقبة على تلك الجرائم من خلال فرض العقوبات الجنائية.

إلا أن مبدأ الولاية القضائية العالمية هو مبدأ حديث العهد نسبيًا في القوانين الأوروبية، بدأ إدخاله في المنظومات القانونية للدول نهاية تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الحالي.

ومنذ اعتماد هذا المبدأ، حاولت المنظمات الحقوقية السورية العمل على ملف جرائم الحرب التي ارتكبها رفعت الأسد، و”باشرت بذلك منذ أن وصلت إلى أوروبا أي منذ 2016″، وفق ما قاله المحامي ومدير المكتب القانوني في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، طارق حوكان، في حديث إلى عنب بلدي.

وحين ترغب أي جهة حقوقية بأن تفتح ملف جرائم الحرب التي ارتكبها رفعت الأسد، يجب ألا تغفل أنها بصدد البحث في جرائم مضى على ارتكابها 40 عامًا، ضمن ظروف تختلف عن الظروف التي يعيشها العالم الآن لجهة سرعة الاتصال، وانتقال المعلومات وتوفر التوثيق لهذه الجرائم، ولذلك “واجهنا تحديات كبيرة في العثور على الشهود، وعندما وجدناهم اصطدمنا برفضهم التعاون في كثير من الحالات”، وفق حوكان.

وتعمل المنظمات الحقوقية السورية والدولية، من بينها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” و”المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، على محاولة تحقيق العدالة لضحايا انتهاكات النظام السوري ضد حقوق الإنسان، وخروقاته للقانون الإنساني الدولي، وذلك داخل المحاكم الأوروبية، خصوصًا في ألمانيا والسويد وفرنسا.

وكي تصل أي قضية إلى أبواب القضاء في أوروبا، تبدأ أولًا بالتحقيقات الأولية فيما يخص المشتبه بارتكابهم انتهاكات ضد حقوق الإنسان، بالإضافة إلى اشتراط قواعد إجرائية تبيّن اختصاص المحكمة وكيفية قيامها بوظائفها، وهذه الشروط تتطلب أدلة قوية من الناحية القانونية يقبلها القضاء، بما فيها من مواد مرئية ومصوّرة وشهادات، وفي حال لم تتوفر تلك البنية القانونية، فلا تستطيع أي جهة حقوقية بناء دعوى متكاملة.

وكل قضية تختص المحاكم الأوروبية بالنظر فيها وتتعلق بملف حقوق الإنسان في سوريا، تحمل كمًا كبيرًا من القرائن القانونية التي تمهد لرفع الدعوى والملاحقة القضائية للمشتبه بارتكابه جرائم حرب داخل سوريا.

وتقدم هذه الإثباتات والقرائن القانونية للمدعي العام في المحكمة بصورة أدلة يقينية، وتقارير صادرة عن جهات مخولة وظيفيًا ومهنيًا ومكلفة قانونيًا، بموجب القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الدولية، وتؤكد أن هذه الجرائم قد اُرتكبت فعلًا من قبل أفراد تابعين إداريًا لحكومة النظام السوري، أو غيره من مرتكبي الانتهاكات على الأراضي السورية.

والحديث عن أن المنظمات الحقوقية السورية لم تكترث بمحاسبة رفعت الأسد، أو الأشخاص الذين يحملون رتبًا عسكرية رفيعة المستوى جنائيًا، “فيه تجنٍّ على المنظمات الحقوقية، أو أنه يصدر عن أشخاص بعيدين عن الواقع والقانون”، وفق تعبير المحامي حوكان.

إذ إن مبدأ الولاية القضائية العالمية مقيّد بمبدأ الحصانة، ولذلك فرئيس الجمهورية محصّن من الملاحقة القضائية، أما ما دون ذلك فالملفات المنظورة أمام الأجهزة القضائية في عدة دول، ومذكرات التوقيف التي صدرت في ألمانيا وفرنسا، تقول غير ذلك، بدءًا من مدير إدارة “المخابرات الجوية”، جميل الحسن، في ألمانيا، وصولًا إلى مدير مكتب الأمن الوطني، علي مملوك، ورئيس فرع التحقيق في إدارة “المخابرات الجوية”، عبد السلام محمود، في فرنسا، و”سيكون هناك غيرهم”، وفق ما قاله المحامي حوكان.

ومذكرة الاعتقال التي أصدرها القضاء الفرنسي عام 2018 بحق الضباط الثلاثة كانت على خلفية صور “قيصر”، التي سرّبها ضابط منشق في المخابرات السورية عام 2013، وهي عبارة عن 50 ألف صورة لمعتقلين في سجون النظام تعرضوا للتعذيب والتجويع والتنكيل بجثثهم.

وتتقيّد أي جهة ادعاء في قضايا حقوق الإنسان في سوريا بوجود المشتبه به على الأراضي الوطنية في الدولة الأوروبية، حيث يُحقق معه على أراضي الدولة الأوروبية بشكل مباشر، وهذا شرط لا بد منه في أغلب الأنظمة القانونية التي تأخذ بمبدأ الولاية العالمية.

والملف التحقيقي المتعلق بالجرائم التي ارتكبها رفعت الأسد منظور أمام الجهات التحقيقية في سويسرا، و”هذه الدعوى قطعت شوطًا لا بأس به”، وفق حوكان.

وأضاف، “قد تتغير الأسس القانونية التي يستند إليها الملف (ملف الدعوى) الآن، لأن سويسرا تشترط وجود المشتبه به على الأراضي السويسرية لفتح التحقيق وقد تم ذلك، ولكن لا نعرف ما الموقف الذي سيُتخذ بشأن الملف الآن بعد مغادرته. أيًا كانت الحال لن تعوقنا عن متابعة ملاحقة رفعت الأسد كأب روحي لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا”.

وفي أيلول عام 2017، أقامت منظمة “ترايال الدولية” دعوى ضد رفعت الأسد إثر تحقيق معمّق تم بعده توجيه التهم إليه أمام السلطات القضائية السويسرية، لدوره في مجازر حماة عام 1982 وسجن “تدمر” عام 1980.

وتعود هذه القضية إلى كانون الأول 2013، حين اكتشفت المنظمة غير الحكومية (مقرها جنيف)، أن رفعت الأسد موجود في أحد الفنادق الفخمة بجنيف، ليتحدث عن مستقبل سوريا بعد مرور عامين على الثورة ضد نظام ابن أخيه بشار الأسد.

“لمَ يتم تجاهل رفعت الأسد”

وسط تطورات الدعوى المقامة في سويسرا، قدم شاهد إفادته أمام المدعي العام في تموز الماضي، وفق ما قاله المحامي والمدير التنفيذي لمنظمة “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، أنور البني، في حديث إلى عنب بلدي.

“أكد الشاهد وجود رفعت الأسد في حماة خلال المجزرة التي حصلت حينها في نفس المدينة، وكان محامو رفعت موجودين في المحكمة في أثناء الاستماع إلى إفادة الشاهد، وناقشوه بشكل دقيق بشأن ما جاء في الإفادة”، وفق ما قاله البني.

وفي نيسان عام 2020، ضجت وسائل الإعلام السورية والدولية والمنظمات المعنية بدعم حقوق الإنسان ببدء محاكمة مسؤولَين سوريَّين في مدينة كوبلنز غربي ألمانيا، بتهمة ارتكابهما جرائم ضد الإنسانية داخل مراكز اعتقال تابعة لحكومة النظام بدمشق.

وحكم قاضي المحكمة على إياد الغريب بالإدانة، والسجن لمدة أربع سنوات ونصف السنة بتهمة “جرائم ضد الإنسانية”، بينما يستمر سماع إفادة الشهود بشأن المتهم الأساسي، وهو أنور رسلان، لإصدار الحكم بخصوص الاتهامات الموجهة ضده.

“لم نتجاهل رفعت الأسد بالتركيز على ضباط أدنى منه رتبة، ملفات المحاكمة تتراكم مع مرور الوقت، وقضية جرائم رفعت فُتحت في 2014، لكن مسألة البحث عن شهود قادرين على تقديم إفادتهم أمر صعب، وهناك محاولات لفتح محكمة علنية في سويسرا، حتى بغياب رفعت الأسد”، وفق ما قاله المحامي البني.

تتحمّل المعارضة السياسية السورية الموجودة في الدول الغربية، بالإضافة إلى المنظمات الحقوقية، قضية إفلات رفعت الأسد من المحاكمة بأوروبا في أثناء وجوده فيها لفترة ليست بالقصيرة، لا سيما أن رفعت الأسد خاض معركته في حماة ضد جماعة “الإخوان المسلمون”، التي أدت إلى مذبحة قُتل فيها 40 ألف شخص.

“كانت هناك محاولات لفتح ملف هذا الإنسان (رفعت الأسد) كخارج عن القانون، ومرتكب جرائم إنسانية (…)، ولكن المحاكم الأوروبية محكومة بسياسات عليا مهما كانت قراراتها القضائية نزيهة، هذه السياسات العليا لا تريد فتح مثل هذا الملف”، وفق ما قاله الناطق السابق باسم جماعة “الإخوان المسلمون” ومدير مركز “الشرق العربي”، زهير سالم، في حديث إلى عنب بلدي.

“كما أن الاشتراطات الحقوقية الخاصة بالمحاكم الأوروبية تعجيزية”، وفق رأي سالم، في سياق دعوى ضد رفعت الأسد، ومع ذلك، “أُقيمت أكثر من دعوى ضده، لكن بفعل قرارات سياسية أو بتعليل المحكمة بعدم دقة الأدلة أو التشكيك بها ورفضها للشهود، كل ذلك أدى إلى إفلات رفعت الأسد من المحاكمة، لأننا لا نملك صورًا أو فيديو يثبت أن رفعت الأسد هو الذي ارتكب الجرائم”.

وبحسب ما قاله سالم، حاول مدير “اللجنة السورية لحقوق الإنسان”، وليد سفور، المنتمي لجماعة “الإخوان المسلمون”، رفع بعض الدعاوى ضد رفعت الأسد والانضمام إلى جهة الادعاء كشاهد، “لكننا لا نملك لا الأدوات ولا الآليات لتلبية الشروط الحقوقية من أجل نجاح الدعاوى المرفوعة سابقًا، بجانب المعوقات السياسية التي حالت دون وصولنا إلى حكم يدين رفعت الأسد”.

القضية ضمن “تسويات سياسية”

عدم مقدرة المعارضة السورية على إقامة دعاوى ضد رفعت الأسد يرجع إلى عاملين، وفق ما تراه العضو في وفد المجتمع المدني ضمن اللجنة الدستورية سميرة مبيض، في حديث إلى عنب بلدي.

العامل الأول هو إخضاع أمر قضية رفعت الأسد لـ”التسويات السياسية السورية بين عدة أطراف بما فيها نظام الأسد والمعارضة، خصوصًا تيار الإسلام السياسي منها”، وذلك وفق “مساومات وتبادل خدمات، أي وفق منطلقات سياسية وتقاسم السلطة، بعيدًا عن أي أسس إنسانية تتعلق بحقوق الضحايا وعوائلهم وذويهم”، وفق ما قالته مبيض.

أما العامل الثاني فهو “تسويات ومساومات دولية تتعلق بالتوجهات السياسية التي كانت قائمة ومتعاونة مع نظام الأسد في الحقبة الماضية، من وجهة نظر ما عُرف بحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، وهي توجهات قيد التغيير الجذري اليوم”.

استطلاع رأي

أجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي عبر منصاتها في مواقع التواصل الاجتماعي وموقعها الإلكتروني، عن الأسباب التي منعت المعارضة السورية خارج سوريا من ملاحقة رفعت الأسد قضائيًا.

شارك في الاستطلاع 929 مستخدمًا، 616 من المصوّتين يرون أن هذه الأسباب تعود إلى التركيز على قضايا جانبية، بينما 313 من المصوّتين يعتقدون أن مثل هذه القضايا تنقصها البراهين والأدلة كي تكون مكتملة.

برأيك.. ما الأسباب التي منعت المعارضة السورية خارج سوريا من ملاحقة رفعت الأسد قضائيًا؟

 جاري التحميل ...

القانون يحظر تسليم المجرمين السوريين

لا نية لتسليم رفعت الأسد إلى فرنسا

ينص الدستور السوري الصادر عام 2012 بمادته الـ”38″ على أنه “لا يجوز تسليم المواطن إلى أي جهة أجنبية”، الأمر الذي يحمل إشكالية حقوقية في مدى إلزام سوريا بتسليم مواطنيها من المجرمين الفارين من المحاسبة عن جرائم ضد الإنسانية.

وبموجب القانون رقم “53” لعام 1955، المتضمن أحكام أصول تسليم المجرمين العاديين، فـ”عند عدم وجود معاهدات دولية لها قوة القانون في سوريا، فإن أحكام تسليم المجرمين العاديين والملاحَقين قضائيًا بجرائم عادية وأصولية وآثارها تخضع لأحكام هذا القانون، وإلى المواد من 30 وحتى 36 من قانون العقوبات، وتطبّق هذه الأحكام أيضًا على جميع الحالات التي لـم تنظمها المعاهدات الدولية”.

ويجب أن تتوفر في تسليم المجرم مجموعة من الشروط كي يكون التسليم مقبولًا، ومن هذه الشروط أن يكون الفعل المطلوب تسليم المجرم من أجله مجرّمًا في كلتا الدولتين، طالبة التسليم والمطلوب منها التسليم.

إلا أنه لم يصدر حتى اليوم أي اعتراف من قبل حكومة النظام السوري بارتكاب رفعت الأسد جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، خلال توليه أي منصب عسكري أو سياسي في القرن الماضي.

وإذا كان الجرم المنسوب للشخص حامل الجنسية السوري معاقَبًا عليه بموجب القانون السوري، فيمكن للدولة السورية أن تحاكمه عليه ضمن المحاكم الوطنية، وفق ما قاله محامٍ مقيم في دمشق خلال حديث إلى عنب بلدي.

أما إذا كان المطلوب تسليمه ليس سوري الجنسية، وكان الجرم الذي ارتكبه معاقَبًا عليه بالقانون السوري، فيمكن تسليمه لدولة توجد بينها وبين سوريا معاهدة تسليم مجرمين، أو لـ”المنظمة الدولية للشرطة الجنائية” (إنتربول).

ويرتكب العديد من الأفراد الأجانب من جنسيات أخرى أفعالًا جرمية ببلدهم ويأتون إلى سوريا، ويتم تسليمهم ضمن ضوابط قانونية.

وصدّقت سوريا عام 1983 على اتفاقية “الرياض العربية للتعاون القضائي بين دول الجامعة العربية”، ولذلك تعد هذه الاتفاقية من مصادر تنظيم تسليم المجرمين وفق القانون السوري، بالإضافة إلى مجموعة من الاتفاقيات الثنائية بين سوريا وبعض البلدان الأجنبية والعربية.

المجرم الفار: هو كل شخص متهم أو محكوم عليه بجريمة تستوجب التسليم إلى دولة مطلوب إليها وموجود في أراضي دولة أخرى.

تسليم المجرمين: هو عملية تسليم دولة شخصًا موجودًا في إقليم تحت سيادتها الوطنية إلى دولة أخرى، بناء على طلبها، لتحاكمه عن جريمة يعاقب عليها قانونها أو لتنفذ فيه حكمًا صادرًا عليه من محكمتها.

“الإنتربول”: تسليم رفعت الأسد “اختصاص وطني”

تواصلت عنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية مع “الشرطة الجنائية الدولية” (الإنتربول)، بخصوص احتمالية اعتقالها رفعت الأسد، إلا أن “الأمانة العامة للإنتربول لا تجري التحقيقات بنفسها، ولا يتمتع مسؤولوها بأي سلطة اعتقال”، وفق ما أوضحته “الإنتربول”.

وإذا كان الفرد مطلوبًا للمحاكمة أو لقضاء عقوبة، يجوز للدولة العضو التي تحقق مع ذلك الشخص أن تطلب من “الإنتربول” إصدار “نشرة حمراء”، بناء على مذكرة اعتقال وطنية سارية المفعول.

و”النشرة الحمراء” ليست مذكرة توقيف دولية، بل هي طلب للتعاون الشرطي الدولي يتم إرساله إلى وكالات إنفاذ القانون في الدول الأعضاء، لتحديد مكان شخص ما، وفقًا للقوانين الوطنية للبلد العضو، والقبض عليه مؤقتًا في انتظار التسليم، أو إجراء قانوني مشابه.

وبحسب ما قاله “الإنتربول”، فإن قرار اعتقال أو تسليم، أو عدم إخضاع أي فرد خاضع لإشعار أحمر، هو أمر يخص السلطات الوطنية المختصة.

لا يمكن لـ”الإنتربول” أن يطالب باتخاذ إجراء بشأن الإشعار، وفيما إذا كان يتعيّن القيام بذلك فهو أمر يخضع لتقدير كل بلد.

وبحسب المحامي المقيم في دمشق، فإن رفعت الأسد يتمتع بشعبية كبيرة في حاضنة النظام، ولكن إمكانية أن يشكّل خطرًا عليه أو أن يقوم بنشاط معارض للنظام مستبعدة، نظرًا إلى تقدمه بالسن، ولأنه سيكون “مراقبًا تمامًا وتحت السيطرة”.

كما أكد رئيس “هيئة القانونيين السوريين”، القاضي المستشار خالد شهاب الدين، أن نص قانون العقوبات السوري يمنع تسليم الرعايا السوريين، أيًا كانت الجريمة التي ارتكبوها، وفي أي أرض كانت، بشرط أن تقوم سوريا بمحاكمة المجرم عن جرائمه كحالة رفعت الأسد بموجب ملف تقدمه فرنسا، يوضح الوقائع والأدلة وكل ما يتعلق بالجرم الذي عوقب بسببه.

وفيما يبدو إشارة منه إلى احتمال وجود صفقة غادر بموجبها رفعت فرنسا، يرى شهاب الدين، في حديث إلى عنب بلدي، أن سوريا ستمتنع عن تسليم رفعت الأسد، وحتى فرنسا ستحجم عن طلب التسليم، لأنها بالأساس “لو أرادت منعه من المغادرة لفعلت، لأن طلب الاسترداد يقتضي مخاطبة وزارة الخارجية السورية، عن طريق الخارجية الفرنسية رسميًا، ويعتبر ذلك اعترافًا رسميًا أو فتح علاقات مع النظام”، الأمر الذي سيعتبره النظام انتصارًا في العلاقات الدبلوماسية الفرنسية- السورية.

وبموجب الإجراءات المتبعة ضمن القانون السوري، يجب أن تتقدم الدولة طالبة التسليم بطلبها إلى السلطات السورية بالطريق الدبلوماسي (وزارة الخارجية)، ثم تحيل وزارة الخارجية هذا الطلب مع ملف التسليم إلى وزارة العدل، التي تحيل الطلب إلى “لجنة تسليم المجرمين”، وتتكون هذه اللجنة من معاون وزير العدل رئيسًا، وقاضيين يتم تعيينهما بمرسوم، وتتمتع هذه اللجنة بجميع صلاحيات قضاة التحقيق، مثل استجواب الشخص المطلوب وإيقافه والإفراج عنه.

السلطات الإسبانية تصادر أملاك رفعت الأسد بعمليات مرتبطة بتحقيق في فرنسا حول تهم باختلاس أموال عامة وتبييض أموال- 4 من نيسان 2017 – (AFP)

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات