إدلب.. مواجهات عسكرية أم مقايضة روسية- تركية
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
مع تحييد النظام السوري والروس مناطق الجنوب السوري في درعا، وفرض “تسوياته” على عموم المحافظة، ازداد الحديث عن عمل عسكري محتمل لقوات النظام باتجاه الشمال السوري للسيطرة على طريق حلب- اللاذقية الدولي (M4)، الأمر الذي قابلته تحركات عسكرية تركية في الشمال السوري.
وتُرجم ذلك باحتمالية مقايضة مناطق بين تركيا الداعمة للمعارضة السورية، وروسيا الداعمة للنظام، كما حدث خلال السنوات الأربع الماضية، عندما تقدمت قوات النظام في مناطق سيطرة المعارضة بالتزامن مع سيطرة تركيا على معقل جديد لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تصنفها تركيا تنظيمًا “إرهابيًا”.
النظام يتحرك
في 5 من تشرين الأول الحالي، رصد مراسل عنب بلدي في حلب تعزيزات عسكرية لقوات النظام، تضمّنت رتلين عسكريين يحويان آليات عسكرية ثقيلة، متجهين إلى ريف إدلب الجنوبي.
إذ أجرى المراسل حينها حديثًا مع أحد مقاتلي قوات النظام المرافقين للرتل، وأكد للمراسل أن الأرتال العسكرية توجهت لمؤازرة القوات الموجودة في محيط قرى ريف إدلب الجنوبي ومناطق كفر عويد وسفوهن ودير سنبل، في حال انطلاق عمل عسكري جديد.
وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصوّرة للعميد سهل الحسن، الذي يقود ما يُعرف بـ”قوات النمر”، وهي قوة عسكرية تُستخدم عادة كرأس حربة في المعارك ضد قوات المعارضة، وهو يتحدث إلى مقاتليه عن معركة مرتقبة في إدلب.
كما نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية، المقربة من النظام، عن مصدر عسكري أن تعزيزات عسكرية ضخمة ونوعية وصلت إلى جبهات ريف إدلب الجنوبي، شملت دبابات ومدرعات وآليات عسكرية وجنودًا، وهو ما أكدته منصات روسية أخرى تواترت فيها الأخبار عن الحشود حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
تحركات عسكرية أم حرب نفسية؟
سمح الهدوء العسكري في الخريطة السورية بتركيز قوة النظام في الشمال السوري، دون القلق من أي جبهات من الممكن أن تشكّل خطرًا في منطقة مهملة.
الباحث والمحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، قال لعنب بلدي، إن النظام يحاول استغلال الموقف الأخير على الصعيدين العسكري والسياسي بالتزامن مع محادثات قائمة بين روسيا وتركيا.
واعتبر الأسعد أن الحشود العسكرية أولها رسالة عسكرية للأتراك، مفادها أن الروس ما زالوا داعمين للنظام السوري، ولن يسمحوا في استمرارية الوجود العسكري التركي في إدلب.
وبالتزامن مع الحشود العسكرية الضخمة في المنطقة، اعتبر العميد الأسعد أن المعركة بشكلها الحالي سواء أطلقتها قوات النظام أم اقتصرت على الحشود العسكرية فهي معركة سياسية في المقام الأول.
كما أن الضغوط الناجمة عن الأوضاع المعيشية الصعبة في مناطق سيطرة النظام تشكّل ضغطًا كبيرًا عليه، وصار من الضروري الحديث عن معارك عسكرية جديدة للتخفيف من هذه الضغوط وتقديمها كعذر، بحسب الأسعد.
في حين يعتقد الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن المعلومات عن حشود عسكرية “ضخمة” للنظام وتركيا في حلب وإدلب، هي معلومات غير دقيقة، وفي حال وجود حشود عسكرية فهي ليست على الشكل الذي يجري الترويج له.
واعتبر علوان أن الحشود العسكرية تُستعمل في الكثير من الأحيان لأغراض سياسية قبل أن تكون عسكرية، متوقعًا أن تكون الأسابيع القليلة المقبلة كاشفة عما ستؤول إليه الأمور على الصعيد الميداني.
وتخضع محافظة إدلب لاتفاق بين الرئيسين، التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، وُقّع في آذار 2020، ونص على إنشاء “ممر آمن” على طريق “4M”.
حشود روسية في إدلب وتركية في حلب
بالتزامن مع ترويج النظام لعملية عسكرية مقبلة في مناطق الشمال السوري، ارتفعت وتيرة الحديث عن حشود أخرى تركية باتجاه مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في مدينة تل رفعت شمالي حلب.
وفي 15 من تشرين الأول الحالي، ألقى الطيران التركي منشورات ورقية على تل رفعت، تشيد بمدنيي المنطقة لما وصفته بالتعاون مع القوات التركية التي تُقبل على عمل عسكري في المدينة الواقعة شمالي حلب.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول تركي كبير (لم تكشف عن اسمه)، في 15 من تشرين الأول الحالي، أن “من الضروري تطهير المناطق، لا سيما منطقة تل رفعت، التي تنطلق منها الهجمات ضدنا باستمرار”.
ولم يحدد المصدر توقيت وطبيعة العمل العسكري، إلا أن الجيش التركي وجهاز الاستخبارات الوطني التركي (MIT) يجريان الاستعدادات، حسب “رويترز”.
وتحدث المسؤولان عن أن الرئيس التركي سيناقش هذه القضية مع نظيره الأمريكي، جو بايدن، خلال لقائهما في قمة “مجموعة العشرين”، التي ستُعقد نهاية تشرين الأول الحالي.
وعن مقايضة مناطق محتملة بين روسيا وتركيا، قال الباحث وائل علوان، إن روسيا تسعى لتأمين قاعدة “حميميم” العسكرية الجوية من خلال السيطرة على المناطق القريبة منها في مناطق سهل الغاب بريف حماه الشمالي.
واعتبر علوان أن تركيا من غير الممكن أن تقبل بمقايضة أو تقدم قوات النظام وروسيا باتجاه الشمال السوري، إنما عمليات السيطرة المتتالية بين روسيا وتركيا هي نتيجة ضغط روسي في منطقة معيّنة يتبعه ضغط تركي في منطقة أخرى، معتبرًا أن تركيا إذا قبلت بهذا الاتفاق فهو “نتيجة ضغط وتصعيد روسي وليس نتيجة اتفاق مسبق”.
وتصاعدت وتيرة الحديث عن مقايضة محتملة لروسيا وتركيا بين إدلب ومناطق من ريف حلب، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان حديث رئيس الوزراء التركي الأسبق، أحمد داوود أوغلو، حين قال إن تركيا سيطرت على جرابلس عن طريق مقايضتها بمدينة حلب التي سيطرت عليها قوات النظام وروسيا في الفترة الزمنية ذاتها.
إذ خرج داوود أوغلو بتصريحات، منتصف أيلول الماضي، قال فيها إن تركيا ساعدت في إخلاء مدينة حلب تمهيدًا لسيطرة النظام وروسيا عليها من أجل كسب تأييد روسيا لمعركة “درع الفرات” التي أطلقتها تركيا للسيطرة على مدينة جرابلس.
تتقاطع الحشود والعمليات العسكرية في سوريا مع المؤتمرات الدولية والاتفاقيات بين الدول المؤثرة التي تُعقد بشأن الملف السوري.
وفي نهاية أيلول الماضي، اجتمع الرئيسان التركي والروسي، في سوتشي، وسط تصريحات متبادلة بأن الملف السوري سيكون على رأس أولوياتهما، لكنهما لم يخرجا بمؤتمر صحفي أو بيان مشترك بعد الاجتماع، وسط تصريحات عامة حول “إبقاء الوضع على ما هو عليه في إدلب”.
وفي حزيران الماضي، عُقدت الجولة الـ16 من مباحثات “أستانة” دون أي تطورات تُذكر على أرض الواقع، باستثناء توقف العمليات العسكرية وانخفاض وتيرة القصف من قبل النظام وروسيا على مناطق الشمال السوري، لتعود بعدها عمليات القصف والحشود العسكرية إلى معدلاتها المعهودة من قبل قوات النظام وروسيا منذ منتصف أيلول الماضي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :