إدلب – هاديا منصور
“أشعر بالخجل كلما قصدت دورات المياه على مرأى من معظم قاطني المخيم، إذ لم يعد يخفى على أحد أن المرأة حين تخرج من خيمتها برفقة إبريق المياه فهي تقصد دورات المياه التي تفتقد لأدنى مقومات الصحة العامة”.
تضطر زينة الشيخ علي (25 عامًا) للمشي مسافة طويلة لتصل إلى دورات المياه الموجودة في العراء، وليست لها مصادر مياه دائمة، أو شبكات صرف صحي في كثير من الأحيان، داخل مخيمهم العشوائي الواقع شمالي إدلب.
“حين نزحنا عن مدننا وبلداتنا بسبب القصف، كان همنا الوحيد البحث عن الأمان، ومع وصولنا إلى هنا وإقامتنا في هذه المخيمات المنسية، صار همنا الكثير من الأشياء البسيطة والأساسية المفقودة، وأهمها كيفية الحصول على المياه والاستحمام والنظافة”، قالت الشابة المنحدرة من مدينة خان شيخون، لعنب بلدي.
وأضافت أن حاجة النساء في المخيم إلى التردد على دورات المياه، أجبرتهن على البقاء بكامل ملابسهن وغطاء الرأس طوال الوقت.
تتحمل النساء في إدلب وشمال غربي سوريا العبء الأكبر من حياة النزوح والفقر، وسط ظروف لا تراعي أيًا من خصوصيتهن أو طبيعة حياتهن الاجتماعية المحافظة التي خرجن منها.
الحل في تقسيم الخيمة
من جهتها، بدأت صبرية العبد (30 عامًا) تتأقلم مع حياة المخيمات، بعد مضي سنتين على نزوحها الأخير من قرية تلمنس جنوبي إدلب.
لا يهم صبرية اصطحاب المنظفات والمياه إلى دورات المياه في كل مرة، وافتقادها الخدمات الأساسية والنظافة العامة، خاصة في دورات المياه والحمامات المشتركة، ولا اكتظاظ الخيام بالنازحين، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
ولم تعد الشابة ترى هذه الأمور عوائق أو صعوبات، كما أنها لا تجد حرجًا من خروجها المتكرر وقصدها دورات المياه البعيدة عن خيمتها، “تحمّلنا ما هو أصعب من ذلك، تحمّلنا ظلم النظام لنا وتهميشه وقمعه على مدى سنوات، يكفي أننا هنا نعيش بكرامتنا ونستطيع التكلم والتعبير عن كل ما يؤلمنا”، بحسب ما أضافته.
وتأمل أن هذه الحال لن تدوم طويلًا، “فدوام الحال من المحال، ولا شك أن النهاية ستكون في مصلحة شعب أبى إلا أن يعيش بحرية وكرامة”، بحسب تعبيرها.
بُعد دورات المياه عن الخيام، ووجود معظمها في العراء من دون جدران أو أسقف في بعض الأحيان، إذ لا يستر تلك الدورات سوى مجرد أقمشة وعوازل بلاستيكية سرعان ما تطير مع أول نسمة هواء، كل ذلك دفع بعض النساء للبحث عن حلول، بتقسيم خيامهنّ إلى قسمين أحدهما بدل حمام ودورة مياه، والآخر للجلوس والنوم، وهو ما حلّ مشكلة الحرج والخجل والخوف من الخروج ليلًا من أجل قضاء حوائجهن الضرورية.
قلة المياه وخطر “كورونا”
مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، لفت إلى أن نحو 200 ألف شخص يعانون شحًا حقيقيًا في المياه بمخيمات إدلب العشوائية.
وحذر الحلاج من أن انقطاع المياه عن النازحين مع كمياتها القليلة، قد يؤدي إلى تفشي الأمراض وفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في المخيمات، نظرًا إلى تراجع معدلات الحفاظ على النظافة الشخصية.
وكانت الأمم المتحدة حذرت في تقرير صادر في 5 من تشرين الأول الحالي، من تضرر خمسة ملايين شخص من أزمة المياه المستمرة في شمالي وشمال شرقي سوريا.
ودعت إلى “استجابة متعددة القطاعات”، بقيمة 251 مليون دولار لمساعدة 3.4 مليون من الأشخاص الأكثر تأثرًا خلال الأشهر الستة المقبلة.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، “لم يتمكن الناس عبر الأجزاء الشمالية من سوريا من الوصول إلى مياه آمنة وكافية على نحو موثوق به، بسبب انخفاض مستويات المياه وتعطل أنظمتها، والقدرة التشغيلية المنخفضة أصلًا لمحطات المياه”.
وأشار دوجاريك إلى أن نقص مياه الشرب الآمنة سيؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، ويقلل من خط الدفاع الأول الحاسم لوقف جائحة فيروس “كورونا”، كما أنه سيؤدي إلى نقص الكهرباء.
كما أن نقص المياه سيزيد من إجهاد الصحة العامة ونظام التعليم، ويؤثر بشكل غير متناسب على الصحة العامة والإنجابية للنساء والفتيات، وفق دوجاريك.
ويبلغ عدد سكان المخيمات مليونين و43 ألفًا و869 نازحًا، يعيشون ضمن 1293 مخيمًا، من بينها 282 مخيمًا عشوائيًا أُقيمت في أراضٍ زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية، بحسب إحصائيات “منسقو الاستجابة”.