دير الزور – حسام العمر
قرر عدنان (44 عامًا) قبل شهرين الانتقال من مدينته البوكمال في دير الزور إلى مدينة الرقة (شمال شرقي سوريا)، والاستقرار فيها دون التفكير بالعودة.
اضطر عدنان إلى ترك مدينته بسبب سيطرة الميليشيات الإيرانية على المنطقة، وتمددها في مدينتي الميادين والبوكمال وأريافهما.
“بدأتُ التحضير مع عائلتي للمغادرة دون عودة، ولستُ وحدي الذي أفكر بذلك، هناك عشرات الأشخاص من الذين أعرفهم نزحوا باتجاه مناطق أخرى”، وفق ما قاله عدنان لعنب بلدي.
روّج عدنان (الذي تحفظ على نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية) بين سكان مدينته لفكرة مغادرة البوكمال نحو مدينة دمشق للعيش هناك من أجل تأمين المدارس لأطفاله الأربعة، خوفًا من نقل خبر مغادرته للرقة إلى الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري أو عناصر الميليشيات الإيرانية الموجودة في المنطقة.
تمدد إيراني
قال نازحون من ريف دير الزور، يقيمون في مدينة الرقة حاليًا، لعنب بلدي، إن الوضع هناك “تحت الصفر” من حيث مستوى المعيشة، ما يدفع الرجال إلى الانضمام للفصائل الإيرانية لتأمين مصدر دخل، ما يزيد من توسعها أكثر.
وفي 2012، بدأ الاستيلاء على منازل المدنيين في دير الزور من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري والميليشيات الأجنبية، وذلك بعد نزوح مئات الآلاف من الأهالي بسبب الحملة العسكرية الكبيرة التي شنّتها قوات النظام على المحافظة.
ويتوزع في ريف دير الزور الشرقي، غربي نهر “الفرات”، حوالي 30 مركزًا للانتساب إلى الميليشيات الإيرانية، ويكون مقر أغلبية تلك المراكز في منازل المدنيين، بعد أن استولت عليها فصائل تابعة وموالية لإيران بتهمة إقامة أصحابها في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، أو فصائل المعارضة.
كان اختيار عدنان للعيش في مدينة الرقة بناء على نصيحة أقرباء له سبقوه إلى هناك، فـ”الوضع الاجتماعي والمعيشي في الرقة جيد نوعًا ما مقارنة بدير الزور”، وفق ما يراه عدنان.
مصالح إيران على حساب السكان
تتعدد أسماء الفصائل العسكرية الإيرانية والشيعية في الشرق السوري، لكن بحسب دراسة لـ”Atlantic Council”، فإن أبرز الميليشيات التابعة لإيران في محافظة دير الزور هي “الحرس الثوري الإيراني”، والميليشيات الشيعية العراقية (كتائب حزب الله، وكتائب بدر، وحركة النجباء)، و”حزب الله” اللبناني، و”لواء فاطميون” الأفغاني، و”لواء زينبيون” الباكستاني، و”قوات الدفاع الوطني” (لواء الباقر، وجيش المهدي، ولواء الإمام المهدي).
لم يجد كثير من السكان المهاجرين صعوبة في الخروج من مناطق سيطرة الميليشيات الإيرانية نحو مناطق سيطرة “قسد”، والمرور عبر نهر “الفرات” الفاصل بين منطقتي السيطرة، لكن غالبًا ما تقتصر أمتعة العائلات النازحة على الحاجات الضرورية، تاركين أثاثهم وممتلكاتهم خلفهم.
وتتقاسم “قسد”، المدعومة من قبل “التحالف الدولي” لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، السيطرة على محافظة دير الزور مع قوات النظام السوري، المدعومة بالميليشيات الإيرانية، ويعد نهر “الفرات” الخط الفاصل بين منطقتي النفوذ لهذه القوى.
وتسيطر “قسد” على الريف الشرقي للمدينة، بينما تسيطر قوات النظام السوري على المناطق الواقعة غربي “الفرات”.
ومنذ بداية عام 2018، شاركت إيران بشكل مباشر في المعركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في شرقي سوريا.
تمكّنت إيران من خلال هذه المشاركة من تنفيذ مشروعها التوسعي في تلك المناطق، وتحديدًا في دير الزور، حيث تعاني المدينة من هشاشة الوضع الأمني.
المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” وإزاحته، ساعدت في تعزيز سلطة إيران العسكرية على العديد من المجالات الرئيسة في مدينة البوكمال على طول الحدود السورية- العراقية، التي تربط إيران بالبحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان.
كما فرضت إيران سيطرتها على الطرق الرئيسة التي تربط محافظة دير الزور بمحافظتي حمص والرقة.
وبالتالي، فإن أهمية البوكمال بالنسبة لإيران تكمن في كونها عقدة مواصلات برية مهمة تصل منها إلى سوريا ثم لبنان، حيث تُعتبر امتدادًا لصحراء الأنبار العراقية، كما ترتبط بصحراء السويداء ودرعا وتدمر ودير الزور، ما يكسب المدينة أهمية اقتصادية إضافية لطهران.
مُجبر على “التشيّع”
قال أحد النازحين من مدينة البوكمال، ويقطن حاليًا في الرقة، إن قرار البقاء في مدينة البوكمال يعني بطبيعة الحال “ضرورة تشيّع الشخص مهما كان عمره أو عقيدته”.
وأضاف النازح، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأن لديه إخوة في البوكمال ينوون الهجرة، أن هناك محاولات دائمة لزيادة “التشيّع” بتسهيل من الأفرع الأمنية السورية، وإشراف جهات إيرانية.
وقال الحقوقي من مدينة البوكمال عبد الفتاح الجبارة، إن سكان المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية في ريف دير الزور الشرقي يتعرضون “لمضايقات تهدف لوضعهم أمام خيارين، إما الدخول في خانة المشروع الإيراني الطائفي في المنطقة، وإما دفعهم للهجرة نحو مناطق تسيطر عليها (قسد)”.
الحقوقي الذي يعيش حاليًا في مدينة البصيرة الخاضعة لسيطرة “قسد”، اتهم النظام السوري بالشراكة فيما يتعرض له سكان المنطقة من تهجير وانتهاكات، وتغيير ديموغرافي ترعاه وتموّله إيران.
ولا توجد إحصائيات رسمية موثقة حول عدد النازحين من المناطق المسيطر عليها من قبل الميليشيات الإيرانية إلى المناطق المسيطَر عليها من قبل “قسد”، إلا أن القانون الدولي يحظر بوضوح التهجير القسري كاستراتيجية للنزاع المسلح.
“قسد”.. لا حول ولا قوة
أحد القياديين في “قسد” من دير الزور، قال لعنب بلدي، إن “(قسد) لا حول لها ولا قوة في الوقت الحالي”، وإن القوات العسكرية التي يدعمها “التحالف الدولي” منذ عدة سنوات تركز حربها على تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأضاف القيادي (الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، أن النشاط العسكري الذي تنفذه “قسد” حاليًا يتمحور حول قطع طرق التهريب مع المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية، وتجنب السماح لخلايا النظام السوري بالدخول إلى المنطقة.
وبحسب دراسة لمركز “جسور للدراسات”، يمتلك “التحالف الدولي” الذي تقوده أمريكا 33 موقعًا عسكريًا بين قاعدة ونقطة وجود، وذلك ضمن أربع محافظات، عشرة منها في دير الزور، بينما تمتلك إيران 131 موقعًا عسكريًا.
وفي مقابل تمدد إيران في المنطقة، ليس لروسيا دور واضح في دير الزور (غرب أو شرق الفرات)، باستثناء وجود عسكري رسمي في غربي “الفرات”، ولا تتمتع روسيا بنفوذ خاص في هذا المجال، إلا من خلال تعاونها مع حكومة النظام السوري، وتمتلك سبع قواعد عسكرية.
ويضطر سكان من مناطق ريف دير الزور الغربي إلى بيع منازلهم أو أراضيهم لعناصر ميليشيات إيرانية أو جهات مرتبطة بها، وتعود أسباب بيع تلك الممتلكات إلى تردي الأوضاع المعيشية، ما يجبر الأهالي على بيع بعض عقاراتهم لتأمين مبالغ تعينهم على التعايش مع الظروف، أو الرغبة بالهجرة خارج البلاد أو النزوح نحو مناطق سيطرة “قسد” في دير الزور والرقة.