إبراهيم العلوش
عاد رفعت الأسد إلى سوريا هاربًا من حكم قضائي فرنسي ومن أحكام قضائية أوروبية أخرى وشيكة الصدور، وعفا بشار الأسد عن عمه الذي ارتكب سلسلة من الجرائم، في حين لا يزال يرفض العفو عن أكثر من مئتي ألف معتقل ومخطوف!
لم يعد رفعت الأسد إلى أي فرع تحقيق أمني كما يعود السوري الراجع إلى الوطن ليتم التحقيق معه وإعادة تقييمه أمنيًا، بل لم يدفع رفعت الأسد، صاحب مئات ملايين الدولارات، حتى رسم المئة دولار التي يدفعها العائدون من الخارج على شكل تبديل عملة إجباري.
يعود رفعت الأسد الذي ارتكب جريمة قتل ألف سجين أعزل في سجن “تدمر” عام 1980، وبطل مجزرة حماة التي تعد التأسيس الحقيقي لمجازر ابن أخيه بشار الأسد الذي فاق العائلة بالجرائم التي لا يزال يرتكبها مع طغمته الحاكمة من ضباط الجيش والمخابرات، وتبدو اليوم جرائم رفعت مجرد بذور للجرائم الجارية اليوم، وتأسيس متواضع لما أنجزه بشار الأسد من تدمير وتهجير وانتهاكات.
وللتذكير، فإن رفعت الأسد كان اليد اليمنى لأخيه حافظ، ووسيلته الطائفية التي أطلقها ضد السوريين مستفيدًا من وحشيتها متظاهرًا بالبراءة، كما قال الكاتب عمر قدور في مقاله الأخير “رفعت العلوي حافظ السني”. ولم يغادر رفعت سوريا في عام 1984 بعد خلاف على السلطة مع أخيه إلا بعد أن أفرغ المصرف المركزي السوري من الأموال، وأدخل سوريا في أزمة 1987 التي صارت فيها المحارم والسمنة والقهوة حلمًا للسوريين، ولا يحصل عليها إلا المقربون من المخابرات والفروع الحزبية.
ورفعت الأسد، بالإضافة إلى وظائفه الطائفية، كان رئيس المحكمة الدستورية في بداية حكم أخيه! وعضو القيادة القطرية الدائم لحزب “البعث” حتى خروجه من سوريا، إذ كان نائب أخيه حافظ الأسد في رئاسة الدولة، وكان قائد “سرايا الدفاع” ذات الصيت المروّع، وصاحب فكرة المظليين عام 1980 الذين يقسمون بالولاء الأبدي للأسد، ويهبطون بمظلاتهم في كليات الطب والهندسة أو ما يشتهون من كليات، كما عبّر عن ذلك الفنان علي فرزات بلوحة مشهورة له تسببت بطرده الأول من سوريا.
عودة رفعت الأسد اتسمت باستقبال زائد من قبل “الشبيحة”، سواء بعودة أحد مؤسسي دولة الإرهاب الأسدي، أو بالعفو الذي اتسم به بشار الأسد كما تردد صفحات مؤيديه، في حين أن ربع الشعب السوري المهجّر خارج سوريا يتم تهديده بالموت إن فكر بالعودة كما قال العميد عصام زهر الدين أحد منفذي الجرائم الطائفية في دير الزور وفي غيرها من المدن.
وهذه العودة تعبّر عن رسالة إلى المجتمع السوري في الداخل، الذي لا يزال يعيش على الأمل بالإصلاح وإعادة بناء الدولة على نحو يحفظ كرامة السوريين. وهي رسالة حاسمة في العودة إلى أصول تأسيس نظام الأسد ومحاولة إعادة إنتاج نفسه عبر عودة رفعت الأسد من الخارج، وإعادة رجاله وأمواله لدعم استمرار النظام على هيئته التي تركها حافظ الأسد.
وهي رسالة إلى المجتمع الدولي بأن هذا النظام غير قادر على تغيير سلوكه، كما يطالب بذلك سفراء ووزراء أوروبيون وأمريكيون، وعودة رفعت الأسد أشبه بعودة زعيم مافيا إلى ساحة الجريمة، إذ تغاضت السلطات الفرنسية عن هروبه بدلًا من اعتقاله واستكمال محاكمته على التهم الأخرى التي ارتكبها، ومنها جريمة مجزرة حماة وجرائم نهب المال العام التي نفذها في سوريا قبل خروجه.
ووسط الخراب السوري الكبير، تبدو عودة رفعت الأسد منسجمة مع سلوك الدول التي حمته طوال العقود الماضية بحجة أنه مجرد مستثمر ورجل أعمال، ولعل صفقة روسية- فرنسية كانت خلف هذه العودة الفارهة كما تقول بعض التحليلات والأخبار، وتنقل قناة تلفزيون “سوريا” أن ماهر الأسد الذي يشكّل الاستمرار الروحي لرفعت الأسد كان هو الكفيل لعمه أمام الدول الأخرى، وخاصة أمام إيران التي تثق به ولا تثق بعمّه!
وقد تكون عودة رفعت الأسد استمرارًا للحوار السعودي- الإيراني الذي يجري هذه الأيام في عواصم عدة، إذ كانت السعودية من الداعمين المهمين لرفعت الأسد ومن الممولين له منذ أيام الملك فهد والملك عبد الله.
ورغم كل ذلك، فإن عودة رفعت الأسد إلى سوريا تعبير عن يأس النظام الأسدي من إعادة إنتاج نفسه بصيغة جديدة، وهي محاولة بائسة لعودة رموز صارت صدئة، وتجاوزتها الأحداث، ولم يعد من الممكن التستر على رائحتها التي صارت تخنق حتى أنصارها في عرين الأسد، العرين الذي صار يديره الإيرانيون والروس، وصار الأسد أمامهم، رغم كل خدماته لهم، مجرد أسد من ورق!