“هناك فرق شاسع بين صانع الأمجاد وحصّادها!”، قد تبدو هذه العبارة عادية لوصف رفعت الأسد بين أنصاره، لكن أهميتها تكمن بأنها صادرة عن ابنه ريبال عبر صفحته الرسمية في “فيس بوك”، وتحمل إشارة إلى المسؤولين الحاليين في سوريا، وعلى رأسهم بشار الأسد، باعتبارهم حاصدي هذه “الأمجاد”.
العبارة جزء من الترويج لرفعت الأسد الذي يزداد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رغم الحديث السوري الرسمي عن أن عودته إلى دمشق ستكون دون أدوار سياسية أو اجتماعية.
ومنذ عودته، في 7 من تشرين الأول الحالي، نُشرت أغانٍ لرفعت، عم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بينما يخاطبه أنصاره بـ”الفارس الأول”.
وأثارت عودة رفعت جدلًا بين مؤيد ومعارض وغاضب وساخر، بعد أن أمضى نحو 37 عامًا في أوروبا.
“مواطن سوري عادي” هارب من السجن
وذكرت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام السوري، أن الأسد سمح بعودة عمه رفعت، و”ترفّع عن كل ما فعله، مثله مثل أي مواطن سوري آخر، دون أن يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي”، على حد تعبير الصحيفة.
وأضافت أن رفعت وصل إلى دمشق منعًا لسجنه في فرنسا بعد صدور الحكم القضائي بحقه، ومصادرة ممتلكاته وأمواله في إسبانيا أيضًا.
وكانت مصادر مقربة من عائلة رفعت قالت لصحيفة “رأي اليوم”، إن هذه العودة جاءت بعد اتصالات مكثفة مع حكومة النظام السوري التي سمحت له بالدخول، “مراعاة لظروفه الصحية، ورغبة في طي صفحة الخلاف، والتسامح”.
كما أكدت المصادر أن رفعت كان يردد دائمًا في مجالسه الخاصة بأنه يريد أن يقضي ما تبقى من عمره في سوريا، وأوصى أبناءه بأن يُدفن فيها بعد موته.
“القائد المنتظَر” في أعين كثيرين
لكن مع عودته، رصدت عنب بلدي في بعض المنصات وشبكات التواصل الاجتماعي تهليلًا واحتفالًا وتمجيدًا لرفعت.
وتروّج هذه الصفحات لعودته على أنه البطل الذي عاد بعد طول غياب، بعبارات مثل “الرفيق المناضل، الفارس الأول، عاد أسد الأسود، فارس سرايا الدفاع، عاد رفعت بن علي سليمان الوحش لحضن الوطن، عودة القائد الغضنفر، فارس الفرسان، عاد القائد الرمز، قائد الأمة الشجاع”.
تضرب هذه المنشورات عرض الحائط كلام بشار الأسد الذي اعتبره كـ”أي مواطن سوري آخر، دون أي دور سياسي أو اجتماعي”.
ولا يحصر هذا الخطاب بمنصات مؤيدة لرفعت، إذ تغنى ابنه ريبال بأبيه في منشوراته عبر “فيس بوك“، وكتب أن الفرق كبير بين أبيه الذي وصفه بـ”صانع الأمجاد” وبين من يحصد هذه “الأمجاد”، في إشارة إلى بشار الأسد.
كما نشر أغاني وأهازيج مضمونها ترحيب بعودة أبيه، وأنها منتظَرة منذ زمن.
كما أعاد ريبال نشر تسجيلات قديمة تتغنى برفعت، وتصفه بـ”سيادة القائد، وفارس الفرسان”.
في المقابل، تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية والمقربة من النظام السوري أي تطورات لقضية عودة رفعت الأسد، منذ إعلان عودته في 7 من تشرين الأول الحالي، الذي نقلته بصيغة موحدة.
سياسة تقديس عائلية
منذ وصول حزب “البعث” إلى السلطة في سوريا، ركّز حافظ الأسد، شقيق رفعت، طاقته على أن يكون مركز السلطة، وحفر داخل أدمغة الأفراد في المجتمع السوري، أن مصير سوريا من مصير النظام نفسه، حتى ارتبط اسم الأسد باسم الدولة لغويًا وواقعيًا، لتكون “سوريا الأسد”.
وخلال سنوات حكم حافظ الأسد في الثمانينيات وبعده نجله بشار الأسد، اشتهرت عبارات التمجيد والتقديس للقائد، مثل “قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد” وحافظ أسد بعد الله بنعبده”، ليصبح الشعار لاحقًا بعد موت حافظ الأسد بأنه “القائد الخالد”.
وتليها شعارات تمجّد رئيس النظام السوري الحالي، بشار الأسد، وخاصة بعد الثورة عام 2011، في رد فعل على المطالبة برحيله، كـ”الأسد أو نحرق البلد”، و”نحنا رجالك بشار”، و”سوريا الأسد”.
من هو رفعت الأسد
رفعت الأسد هو الشقيق الأصغر للرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وكان له دور سياسي في سوريا، مع سيطرة حزب “البعث” على مقاليد الحكم.
كان رفعت قائدًا لـ”سرايا الدفاع”، وهي قوة نخبوية من 40 ألف جندي، كانت بمثابة “جيش مستقل” لا يرتبط بأي شكل بالجيش، بحسب صحيفة “الشرق الأوسط“.
وقاد رفعت قمع الانتفاضة المناهضة للحكومة في مدينة حماة، وقصف المدينة في شباط 1982، واتُّهم بقتل آلاف المدنيين في حصيلة غير دقيقة حتى الآن (حوالي 40 ألف مدني).
وفي آذار 1984، عيّن حافظ الأسد رفعت نائبًا لرئيس الجمهورية، من دون أي مهام رسمية.
وفي 30 من آذار 1984، حاول رفعت الاستيلاء على السلطة، والانقلاب على حافظ الأسد، وأمر جنوده بالدخول إلى دمشق، لكنه توصل إلى اتفاق مع شقيقه على أن يسافر رفعت إلى موسكو ومعه ضباط برتب كبيرة.
وفي 28 من أيار 1984، توجهت طائرة إلى موسكو مليئة بأكبر الضباط، بمن فيهم رفعت، لفترة تهدئة، ثم تم استدعاؤهم واحدًا تلو الآخر إلى سوريا، وتُرك رفعت وحيدًا في المنفى.
وذكرت الصحيفة أن رفعت عاد إلى سوريا عام 1992، بناء على رغبة والدته التي توفيت في ذلك العام.
وفي عام 1999، شارك أنصاره في معركة بالأسلحة النارية ضد القوات الحكومية في اللاذقية.
أمر نائب الرئيس، عبد الحليم خدام، باعتقال رفعت إذا حاول حضور جنازة شقيقه حافظ في 13 من حزيران 2000.
وفي عام 2011، دعا رفعت بشار إلى التنحي عن الحكم، لكنه عاد إلى انتخابه عام 2021 من السفارة السورية في باريس، وأرسل تهنئة لبشار بالفوز.
–