تنتشر في مدينة حلب مكاتب تعمل على تجنيد الشبان، لإرسالهم إلى خارج الأراضي السورية بهدف القتال إلى جانب الروس.
ومع أن هذه المكاتب لم تشهد إقبالًا كبيرًا في بداية عملها، دفع عدم توافر فرص العمل وتردي الوضع المعيشي الكثيرين للانضمام بموجب عقود سنوية أو نصف سنوية للقتال خارج حدود سوريا مع مرتزقة شركة “فاغنر” الروسية.
ومن أكثر ما يغري المنضمين لهذه العقود الرواتب المجزية التي تدفعها الشركة الأمنية الروسية، عبر وسطاء لها في هذه المكاتب التي تنتشر في محافظات عدة منها حلب، بحسب ما أفاد مراسل عنب بلدي في المدينة.
تجنيد المرتزقة إلى فنزويلا
عيسى خليل (40 عامًا) مقاتل من أبناء مدينة حلب، قال لعنب بلدي، إن المحافظة تشهد انتشارًا للمكاتب التي تعمل على تجنيد الشباب لإرسالهم إلى ليبيا أو أرمينيا أو شبه جزيرة القرم التي تشهد نزاعًا روسيًا- أوكرانيًا، وآخر صيحات عمليات التجنيد اليوم باتت في فنزويلا.
وأضاف عيسى، الذي شارك في القتال إلى جانب مرتزقة “فاغنر” في ليبيا لمدة عام كامل، أن مهمته في ليبيا كانت مقسمة على عقدين، كل واحد منهما مدته ستة أشهر، ومرتب شهري قدره 2900 دولار أمريكي. ويستلم المُجند راتب نصف شهر ومن ثم يغادر إلى وجهته عبر مطار دمشق الدولي حيث تجمع روسيا المرتزقة وترسلهم على دفعات.
منذ حوالي أربعة أشهر عاد عيسى من ليبيا بعد انتهاء العقد السنوي الذي غادر بموجبه، ومع عدم وجود أي بديل لتحسين الوضع المعيشي، يعمل حاليًا على تقديم أوراقه الثبوتية من أجل توقيع عقد جديد يغادر بموجبه إلى فنزويلا.
حصل عيسى على شهادة “امتياز وبراءة ذمة وتقدير من الروس”، بحسب ما قاله لعنب بلدي، وأوضح أن هذه الشهادات تعتبر رصيدًا جيدًا لقبوله في العقود القادمة، إذ يتوقع أن يحصل على الأولوية في عقود فنزويلا، بعد إجراء الفحص الطبي والتأكد من عدم وجود أمراض، إضافةً إلى البحث الأمني.
وأضاف أنه في حال توقيعه لعقد جديد مع الشركة، سيتقاضى راتبًا شهريًا قدره 1900 دولار أمريكي، في حال كان العقد إلى ليبيا، بينما إذا كان العقد بنص على القتال في فنزويلا، سيغادر الأراضي السورية انطلاقًا من قاعدة “حميميم” الروسية في اللاذقية، براتب شهري قدره 3200 دولار.
وتسعى روسيا لإرسال مرتزقة سوريين إلى فنزويلا لحراسة مناجم الذهب المتنازع عليها بين فنزويلا وجارتها كولومبيا، وتشرف شركة “فاغنر” الأمنية الروسية على إدارة جزء منها لصالح الحكومة الروسية.
وكان خبراء تابعون للأمم المتحدة، أصدروا أيار عام 2020 الماضي، تقريرًا حول مراقبتهم للحظر المفروض على شحن الأسلحة إلى ليبيا، وتحدثوا فيه عن وجود “مرتزقة” من مجموعة “فاغنر” الروسبة ومقاتلين سوريين جاؤوا من دمشق لدعم قوات “الجيش الوطني الليبي” بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وقال الخبراء حينها، إن عناصر “فاغنر” يقدّمون دعمًا فنيًا لإصلاح مركبات عسكرية ويشاركون في عمليات قتالية وعمليات تأثير، ويساعدون أيضًا قوات حفتر في مجال المدفعية ومراقبة الحركة الجوية وتزويدها بالخبرة في صدّ الهجمات الإكترونية وفي نشر قناصة.
وكانت هذه المرة الأولى التي تؤكّد فيها الأمم المتحدة وجود مرتزقة في ليبيا تابعين لمجموعة “فاغنر” المعروفة بقربها من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
الظروف المعيشية “لم تترك خيارًا بديلًا”
خلال مشاركته إلى جانب الشرطة العسكرية الروسية، أصيب ناصر (39 عامًا) في مدينة طرابلس الليبية، وتلقى العلاج إثرها في مستشفى ميداني، ومع أنه كان مصابًا ومتوقفًا عن المشاركة في عمليات القتال، لم ينقطع راتبه الشهري.
وأضاف ناصر، الذي ينحدر من حي صلاح الدين في حلب، أن المشاركة مع القوات والشرطة العسكرية الروسية تعتبر جيدة من الناحية المادية، وهو الأمر الذي دفعه للانضمام، ومع أنه على علم بخطورة الخوض في جبهات القتال، التي من الممكن أن تؤدي إلى إصابات قد تؤدي إلى الإعاقة أو الموت، لكن الظروف المعيشية القاسية لم تترك خيارًا آخر.
ويسعى ناصر حاليًا إلى تقديم أوراقه الثبوتية لتوقيع عقد جديد مع مرتزقة “فاغنر”.
الوجهة يجري تحديدها من قبل الروس، بحسب ما قاله أحد العاملين في مكتب “الإسماعيلية” المسؤول عن تجنيد المرتزقة في حلب، إذ ينتظر عيسى إجراء الفحص الطبي للحصول على الموافقة، رفقة أعداد كبيرة من شباب المحافظة.
ويعاني 12.4 مليون شخص في سوريا، أي حوالي 60% من السكان، من انعدام الأمن الغذائي، في “أسوأ” حالة أمن غذائي شهدتها سوريا على الإطلاق.
ويعد هذا الرقم أعلى نسبة سُجلت على الإطلاق، وفقًا لنتائج تقييم الأمن الغذائي على مستوى البلاد الذي أُجري في أواخر عام 2020، بحسب تقرير لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، في 11 من شباط الماضي.
ووفقًا للبيانات، يعاني 1.3 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بزيادة قدرها 124% خلال سنة، وقُيّم 1.8 مليون شخص إضافي على أنهم معرضون لخطر الوقوع في انعدام الأمن الغذائي.
وزاد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بنسبة 57%، أي بمقدار 4.5 مليون شخص في عام واحد فقط.
“فاغنر”.. أكثر فائدة من الميليشيات الإيرانية
قدم عبد المعطي (38 عامًا) أوراقه للانضمام إلى صفوف الروس، وذلك بعد تركه لصفوف الميليشيات الإيرانية والتي أصبح التجنيد فيها ضعيفًا لعدة أسباب، فالراتب الشهري الذي تقدمه الميليشيات التابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني”، لا يكفي لنصف الشهر، ما جعل من القواعد العسكرية التابعة للإيرانيين شبه فارغة وأعداد الشبان تتناقص بشكل دائم.
وتشير المعطيات التي تلخصها عمليات التجنيد من قبل الروس والإيرانيين، إلى وجود منافسة بين الطرفين لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب.
لكن مع المغريات المادية التي تقدمها روسيا للمجندين في صفوفها خارج حدود سوريا، أصبح الشباب يتجهون نحوها، إذ اعتبر عبد المعطي أنه خلال تجربته للعمل في صفوف “لواء أبو الفضل العباس” التابع لإيران، كان يحاول استقطاب الشباب لضمهم للواء، لكن الإقبال على العقود الروسية كان كبيرًا حتى من قبل العناصر المنضمين للميليشيات الإيرانية سابقًا.
ويقدم الروس امتيازات تشمل الراتب الشهري، والصلاحيات الأمنيّة، وكذلك الطبابة والمساعدات الغذائية، إضافةً إلى تقديم الخدمات الطبية لعائلات المرتزقة.
وبالمقابل فإن الإيرانيين يطلبون الولاء والعقيدة، إضافةً إلى رواتب شهرية غير كافية ودون امتيازات من الممكن أن تُقدم للمجندين، بينما يريد الروس حماية مصالحهم الاستراتيجية ولا يهتمون بالدين أو الولاء.
وبحسب معلومات متقاطعة لعنب بلدي، فإن نسبة كبيرة من عناصر الأفرع الأمنية، والشبيحة، وقوات الدفاع الوطني والعديد من الميليشيات الرديفة بقوات النظام، باتوا ينضمون لصفوف المجموعات العسكرية التابعة للروس و”الفيلق الخامس” الذي أصبح ينتشر على أجزاء واسعة من الأراضي السورية.
وكانت وكالة “رويترز” نقلت، في أيلول 2020 الماضي، عن تقرير أعدته الأمم المتحدة “عبر مراقبين مستقلين” أن رحلات نقل المرتزقة إلى ليبيا هي لدعم “الجيش الوطني الليبي” الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ووثّق التقرير نحو 388 رحلة جوية “مشبوهة” من سوريا بواسطة طائرات عسكرية تابعة لروسيا إلى ليبيا في الفترة بين تشرين الثاني 2019 وتموز 2020.
ويصل عدد عناصر مجموعة “فاغنر” إلى نحو 1200 عنصر في ليبيا، حسب تقرير سري، في أيار 2020 أعده مراقبون في الأمم المتحدة.
وانتهكت دول سوريا ومصر والأردن وروسيا وقطر وتركيا والإمارات عقوبات الأمم المتحدة، بسبب عدم تفتيش “شحنات تجارية مشبوهة أو طائرات متجهة إلى ليبيا، على الرغم من وجود سبب معقول للتفتيش”، حسب التقرير.
وكانت تركيا وقطر تدعمان حكومة “الوفاق” التي كان يترأسها فائز السراج، بينما كان يقابلها دعم روسيا وفرنسا والإمارات ودول عربية أخرى للواء المتقاعد حفتر، إذ كانت تنقسم ليبيا عام 2014 بين مناطق خاضعة لسيطرة حكومة “الوفاق” في طرابلس وغربي البلاد، وأخرى يسيطر عليها حفتر هي بنغازي والمناطق الشرقية.
واستمرت الدول المتنازعة في ليبيا على تجنيد المرتزقة السوريين في شمال سوريا حيث مناطق النفوذ التركي، ومناطق سيطرة النظام من قبل روسيا وإرسالهم للقتال في ليبيا حتى نيسان الماضي عندما طُرح حل أُوقف بموجبه إطلاق النار في ليبيا.
وتوقفت المعارك بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الليبية، في نيسان الماضي، إلا أن قسمًا من المرتزقة السوريين لا يزال موجودًا في ليبيا، وفق مهمات وعقود مع الشركات الأمنية التي تُشغلهم.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في حلب صابر الحلبي.